اليقظة الذهنية أعمق مما تتصوّر

اليقظة الذهنية أعمق مما تتصوّر

25 يناير , 2022

ترجم بواسطة:

مدى أحمد

دقق بواسطة:

زينب محمد

ربما صادف وسمعت عن إمكانية حل مجموعة كبيرة من المشكلات عن طريق ممارسة اليقظة الذهنية، وربما حاولت ذلك بالفعل! فأدركتَ باتباعك لتلك المطبوعات الشهيرة أنه إذ ما كان هنالك شيء يزعجك ينبغي ألا تهرب منه. بل على العكس، عليك التعايش مع هذه المشاعر ومراقبتها والإقرار بحقيقة وجودها. فمن خلال هذه اليقظة الذهنية سرعان ما سيساورك شعور بالارتياح، وكل التوتر ينبغي أن يُزاح- هذا إذا لم يكن فورًا- قريبًا.

وفقًاً لإلين تشوي وزملائها من جامعة رايرسون (٢٠٢١)، فأن رؤية اليقظة كـ “حل سريع” لمشاكلك، يتنافى بشكل كبير مع المفاهيم الأصلية للوعي والقبول في سياقٍ علاجي. وحسبما جاء في الأدب الأكاديمي، لا تعد اليقظة عصًا سحرية لإزاحة التوتر في لمح البصر.

ووضحت تشوي وزملائها بأن على ما يبدو أن نسخة الوعي (Mindfulness) المتعارف عليها أصبحت الآن “’McMindfulness’ ؛ وهو نوع استهلاكي يعزز مفهوم العافية ويؤكد على تخفيف المعاناة الشخصية على المدى القصير، وذلك عن طريق استكشاف السبب الرئيسي للضيق الذي سبّب تغيير تنظيمي أو مجتمعي”. بمعنٍ آخر أن استخدام الوعي بنية حل المشاكل بدون النظر إلى مصدرها الأصلي لن يعطيك سوى حلول قصيرة الأجل للمشكلات الأكبر التي يصعب التصرف حيالها.

ماذا تقول الوسائل الإعلام عن اليقظة؟

يؤكد المؤلفون من جامعة ريريسون أنّه حينما يتم اعتبار اليقظة الذهنية نهج شامل لكل أنواع الراحة العاطفية، فحينئذٍ تصبح موجهة على النتائج بشكل كبير بدلًا من أن تكون بمثابة عملية لتحقيق فهم أعمق للذات. وعلى حدِ تعبيرهم فأن هذا يخلط ما بين “النتائج المرتبطة بالضغوط وعملية اليقظة ذاتها”. قد يساورك شعور بالتحسن بعد ممارسة اليقظة، ولكن ما حريٌّ إيضاحه هو أن خوض عملية اليقظة وتوقع هذه النتيجة ينفي الهدف الكامل من استكشاف مشاعرك، ويخلق “مساحة” بين ما تلاحظه والاستجابة التي تتملكك إزاء هذه الملاحظات.

ولأجل تحديد مدى انتشار هذا المفهوم المغلوط لليقظة بلغة مبسطة، أجرى الباحثون الكنديون تحليلًا واسعًا للمصطلحات المرتبطة بهذا المفهوم في وسائل الإعلام المطبوعة، وهو مورد يُعرف باسم مجموعة اللغة الإنجليزية الأمريكية المعاصرة (COCA) والذي يحتوي على مليار كلمة من نصٍ جُمع من ١٩٩٠ وحتى ٢٠٢٠. بالإضافة إلى موقع “iWeb” إذ يغطي ١٤ مليار كلمة في ٢٢ صفحة ويب من ٩٥٬٠٠٠ موقع يتم التردد عليها باستمرار.  واكتشف تشوي وآخرون بعد تحليل هذه الكمية المهولة من البيانات، بأن الاستخدام الشائع لليقظة يشمل فقط وظيفة الوعي دون دمج القبول. ونتيجةً لذلك فأن الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يمارسون اليقظة الذهنية لا يمرون بهذه العملية الأساسية المتمثلة في اتباع نهج غير حكمي على تجاربهم الداخلية.

على الرغم من أن هذه النتائج لا تدعم انتقادات الإصلاح السريع الكامن في “McMindfulness” والذي يوصف اليقظة بأنها وسيلة لتحقيق غاية، إلا أنها تشير بأن الجمهور لايزال يُضلل بطرق بارزة يمكن أن تهزم الغرض الأساسي لليقظة، ألا وهو استخدامها كمسار للنمو. فأن الأمر لا يتوقف على “التأمل” وحسب، مصطلحٌ من أبرز عشر مصطلحات مستخدمة في المصادر الشهيرة التي درستها تشوي والآخرين. إذ ينبغي عليك امتلاك قدرة تخولك على إنشاء تلك “المساحة” غير الحكمية بين التجارب وردود الأفعال.

إيجاد معاني اليقظة

بعدما بُرهن الفرق ما بين الأوصاف الحقيقية والمتداولة لليقظة، بدأ الفريق الكندي في مطالبة الأشخاص بإكمال مقياس تجريبي لليقظة. وكان الهدف من مرحلة البحث هذه هو تحديد ما إذا كان الناس العاديون يجيبون بطرق مختلفة عن أولئك الذين حظوا بتدريب مهني.  لذلك قامت تشوي والآخرون بفحص البيانات المستسقاة من ” مقياس العوامل الخمسة لليقظة العقلية ” (FFMQ)، والذي أُخذ من ١٤٥ قاعدة بيانات وأُجري على ما يقارب ٤٢٬٠٠٠ مشارك. صنّف المقيِّمون العينات من هذه الدراسة وفقًا لدرجة خلفية واضحة في التأمل واليقظة.

 وتشمل هذه القوائم الخمس ما يلي، والتي قُيّمت على أن رقم خمسة يعني (مطلقًا أو نادرًا) بينما واحد (غالبًا أو صحيح دائمًا):

المراقبة:

عندما أمشي، أتعمد ملاحظة تحركات جسدي.

عندما أستحم، أبقى في حالة تأهب لإحساس الماء على جسدي.  

التعبير:

أنا جيد في إيجاد كلمات للتعبير عن مشاعري.

 يمكنني صياغة معتقداتي وآرائي وتوقعاتي بسهولة بالكلمات.

التصرف بوعي:

يسهل تشتيتي عندما أقوم بفعل أي شيء (معكوس)

أنا لا أولي الكثير من الاهتمام لما أفعله لأني غالبًا أكون في أحلام اليقظة أو أتشتت بسهولة. (معكوس)

عدم الحكم على التجربة الداخلية:

أنتقد نفسي لأنني امتلك مشاعر غير عقلانية أو غير لائقة. (معكوس)

أقول لنفسي أنه لا يجب أن أشعر بما أشعر به. (معكوس)

عدم التفاعل مع التجربة الداخلية:

أنا أدرك مشاعري وعواطفي دون الحاجة إلى الرد عليها.

أراقب مشاعري دون أن أضيع فيها.

وبالانتقال إلى النتائج، فكما هو متوقع، أظهرت العينات ذات الخبرة الأكبر في ممارسة اليقظة ارتباطًا ايجابيًا ثابتًا بين الوعي والقبول (مثل مراقبة الذات وعدم الحكم عليها، التعبير عن العواطف وعدم الحكم عليها، عدم التفاعل مع الأفكار السلبية أو الحكم عليها). بيّنت هذه النتيجة أن أولئك الذين تعلموا اليقظة أو الذين يدمجونها في ممارساتهم العلاجية يعتبرون جوانب اليقظة “تآزرية” مما يعني أنها تعتمد على بعضها البعض ولا وجود لأحدهما بدون الآخر. أما بالنسبة للعينات غير السريرية، فكانوا على النقيض تمامًا، إذ أن هنالك “اختلال في تفسير اليقظة”.

إضافةً إلى ذلك، أظهر تحليل ثانٍ للبيانات المنشورة سابقًا بأن فك ارتباط عنصري اليقظة (الوعي والقبول) يمكن أن يكون له تأثير على زيادة المشاعر غير التكيفية لأولئك الذين ليس على دراية كاملة بالقبول. وتحديدًا الأشخاص الذين منظورهم لليقظة محصور حول الوعي وحسب، إذ أنهم قد يكونوا أكثر عرضة لشكلٍ من أشكال كبت العاطفة الذي يجعل مشاكلهم أسوأ مما هي عليه. 

فكر فيما يعنيه أن تكون أكثر وعيًا بالصعوبات التي تواجهك، ولكن ليس بالضرورة أن تتقبلها كجزء من حياتك. فإذا أردت أن “تشعر بتحسن” تجاه هذه الاستجابات العاطفية التي تحاصر كل جوانب وعيك، فالسبيل الوحيد لذلك هو بدفعهم بعيدًا.

وعلى الرغم من أن جميع أشكال القبول ليست متساوية، إلا أن مؤلفو ريريسون يقترحون بأنك إذا كنت تتقبل أكثر من اللازم فأنك تخاطر بأن تصبح سلبيًا وألا تمر بـ “عملية إعادة المشاركة التي ينتجها القبول”. لذا ما يجدر بك فعله حينها هو “المشاركة الهادفة مع كل جوانب الحياة”.

طريقة أفضل لإبصار اليقظة الذهنية

تشير نتائج تشوي والآخرون بأنه بدلًا من التركيز على ما تشعر به وتعانيه ينبغي عليك المضي قدماً في مسار القبول. إلا أن هذا المسار ليس بالضرورة أن يكون مباشرًا، فليس من الممكن دائمًا تقبّل حقيقة ما عن نفسك أو تجارب غير سارة فقط عن طريق اليقظة وحدها. قد تضطر إلى قياس مدى تعرضك لهذه الحقيقة مرة تلو أخرى حتى تتمكن من تقبلها كاملةً. إذْ لن يفلح الهروب من المشاعر السلبية طمعاً بحلٍ سريع، ولكن إذا حاولت إدارة جزء كبير من تلك التجربة، فأنك تخاطر بالانخراط في عميلة لا تكيفية للقمع العاطفي.

كما أشارت تشوي والآخرون بأهمية التمييز بين “سمة” الذهن ككيان مستقر، و “حالته” كنوعية تختلف من موقف الى آخر. إذا ناوبك اعتقاد بأنك لست شخصًا واعيًا، فلا يزال هنالك أمل وفقًا لهذا الرأي. ما دام الوعي عبارة عن عميلة إذًا فليس من الصعب تعلّمها. مع ذلك، كما تشير النتائج من هذا التحقيق الشامل فأن العملية تنطوي على أكثر من السعي إلى حل سريع، وأكثر من مراقبة مشاعرك دون محاولة التصالح معها.

خلاصة القول، هناك العديد من الأدلة التي تدعم قيمة الذهن كوسيلة لتحقيق النمو الذاتي. ولكن حريّ بك التأكد من أن نوع اليقظة التي تمارسها تأخذ تعقيداتها العديدة في الاعتبار.

المصدر: Psychology Today

ترجمة: مدى أحمد

مراجعة: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!