تطوّرٌ نباتيٌّ مُزهِر يتوعَّدُنا بالمخاطر!

تطوّرٌ نباتيٌّ مُزهِر يتوعَّدُنا بالمخاطر!

8 ديسمبر , 2024

ترجم بواسطة:

زينب عبد الله

دقق بواسطة:

زينب محمد

عجلة الحياة المستمرة الدوران منعت عنّا التفكّر في تساؤلات مهمة، فبدل أن نسأل: كيف نزرع هذا أو على الأقل كيف يُزرع؟ أصبحنا نسأل: من أين نستطيع شراءه؟ وأظن أن التطور التكنولوجي الهائل والنظام الرأسمالي البحت أجبرانا السير في طرقٍ غير تلك التي سلكها أجدادنا، وبعيدًا عن مزاحمة الأصوب بينهما نتناول على طاولة بحثنا اليوم أهم المستَهلَكات البشرية: النباتات، وبالتحديد: النباتات المعدّلة وراثيًا.

النباتات المعدّلة وراثيًّا Genetically Modified (GM) Plants

لحظة، ماذا تعني وراثيًا؟ تعني جينات وDNA وخصائص وخلايا وكل ذلك، في النباتات؟

عزيزي القارئ، لا تنسى أننا نتحدث عن كائن حيّ طبيعيّ، يملك مادة وراثية وتركيبًا جينيًا يتكون من الحمض النووي (DNA)، وهذا ما اعتدت أن تطلق عليه في المدرسة اسم الجينوم، فهو يحتوي على جينات تحمل التعليمات المتعلقة بصنع البروتينات، والتي بدورها تحدد صفات النبات وخصائصها، وهنا منبع التعديل، ولكن، إياك وإطلاق مخيلتك نحو نباتات يتكون اسمها من سطرين وأكثر، لأننا وبكل بساطة نتناول باستمرار نباتات معدّلة وراثيًّا، ومنها البطاطا والذرة وفول الصويا والتفاح وغيرها الكثير.

هذا التعديل يسعى لتحسين خصائص النباتات، وتحقيق أفضل جودة منها مثل: مقاومة الأمراض والآفات الحشرية والفيروسات النباتية، وتغيير طريقة النمو وسرعته، وتتلخص آلية العمل في تجهيز الخلايا النباتية المراد التعديل عليها، ثمّ إضافة (DNA) الذي يحمل الخصائص المرغوب بها، وبعد ذلك تُزرع هذه الخلايا في مزرعة نسيجية (Tissue Culture) بظروف خاصة وملائمة حتى تنمو النباتات، وبالتالي تملك بذور هذه النباتات الحمض النووي الحامل للخصائص الجديدة.

هل هذا آمن؟

تُشرف الهيئات الحكومية على تنظيم هذه المحاصيل، وتخضع لاختبارات السلامة والأمان المكثفة قبل تسويقها، ومع استهلاك ملايين الأشخاص للأطعمة المشتقة من هذه النباتات ذكر بحث نُشر في مجلة الجمعية الملكية للطب (JRSM) عام 2008 أنه لم يتم التبليغ عن أية آثار سلبية لهذه النباتات على مدار 15 سنة من الاستهلاك.

لكن، هل تظهر النشرات السلبية من العدم؟ في عام 1999 نُشرت دراسة تدّعي أن الفئران التي تم تغذيتها بالبطاطا المعدلة وراثيًا عانت من أضرار في الغشاء المخاطي للأمعاء، ثم هوجمت هذه الدراسة بسبب نقص الأدلة ووجود عيوب كبيرة في التحليل والاستقصاء، وفي نفس العام نُشرت ورقة علمية تزعم أن الذرة المعدّلة وراثيًا أضرّت بيرقات الفراشة الملكية (Monarch butterfly) التي كانت تتغذى على حبوب لقاح الذرة، مما أدّى لوفاة كميات كبيرة منها، بعد ذلك وتحديدًا في عام 2001 في دراسة حظيت بتغطية إعلامية كبيرة قُدّمت أدلة على أن الجينات الجديدة (التي تم تعديلها) في الذرة المعدّلة وراثيًا أدّت إلى تلوّث الذرة البريّة (غير المعدّلة)، في إشارة لتأثير سلبي على البيئة الحاضنة، ومرة أخرى تعرّضت هذه الدراسة للرفض والتشكيك.

الضوء الأحمر

سلطت دراسة حديثة عام 2020 الضوء على أخطار النباتات المعدلة وراثيًا، خاصةً فيما يتعلق باستمراريتها وانتشارها في البيئة، وكان محور الدراسة هو الجيل الثاني لهذه النباتات المعدّلة، والتخوّف من التغيرات الوراثية غير المتجانسة التي يمكن أن تحملها وما ستُحدثه من تأثيرات عند تفاعلها مع البيئة، وهنا ظهر عنوان عريض باللون الأحمر:

الخصائص البيولوجية للنباتات الأصلية (الجيل الأول المعدّل وراثيًا) ليست كافية للتوصل إلى استنتاج جازم بشأن المخاطر التي قد تنشأ في الأجيال التالية.

وقد كانت الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية (EFSA) حددت المخاطر المحتملة للنباتات المعدّلة وراثيًا وتشمل: تفاقم مشاكل الأعشاب الضارة، والنزوح وحتى انقراض أنواع النباتات المحلية، ولكن هذه المخاطر لا تأخذ بعين الاعتبار تأثيرات الأجيال التالية الناشئة عن الانتشار التلقائي وتدفق الجينات غير المتوقع، وهذا مرتبط بالزمان والمكان بصورة أساسية كما أشارت الدراسة، وأكدت على ضرورة خضوع استمرار النباتات المعدلة وراثيًا وانتشارها التلقائي لتقييم مفصّل للمخاطر المتوقعة.

لائحة مؤقتة

نورد هنا بعض المخاطر على سبيل الذكر لا الحصر، فما يزال هذا الموضوع شائكًا ومعقدًا ويتطلب الكثير من الجهود الجدية للاهتمام به:

  1. زيادة نمو الأعشاب الضارة التي قد تحتاج للسيطرة عليها عن طريق المبيدات، والتي تعدّ بحد ذاتها ضررًا بيئيًا.
  2. تهجير النباتات البرية نتيجة سرعة انتشار النباتات المعدّلة، وبالتالي تهجير الحيوانات التي تعتمد عليها كغذاء رئيسي.
  3. التأثير على خصائص التربة كنتاج للتغير الجزئي أو الكلّي على مكوناتها، ومن أمثلتها التعديل الوراثي لبعض النباتات لإفراز سموم تكافح الحشرات والفيروسات، حيث إن هذه السموم قد تنتشر بدورها في التربة عن طريق الجذور.
  4. تقليل وفرة التنوع النباتي والحيواني بسيادة الأنواع المعدّلة وراثيًا.
  5. الانهيار الأيضي: وهو مصطلح أُطلق على النباتات التي أظهرت اضطرابات في العمليات الأيضية (التمثيل الضوئي والتنفس وتثبيت النيتروجين) نتيجة التعديلات الوراثية.
  6. التغير في الجودة الغذائية، مما يؤثر بدوره على نمو وخصوبة الكائنات الحية التي تتغذى عليها.

ختام

لا يمكننا تجاهل الفوائد الجمّة التي أزهر بها عالمنا نتاج تعديل النباتات وراثيًا، بداية من زيادة كمية الإنتاج لتتناسب مع ارتفاع التعداد السكاني، وصولًا لتحقيق أفضل جودة ومكافحة الأمراض النباتية، ولكن، يجب أن يولى هذا الأمر اهتمامًا بالغًا من الأخصائيين والباحثين، بعيدًا عن الساعين لزيادة الإنتاج مهما كانت التكلفة، والسائرين تحت شعار “الغاية تبرر الوسيلة”، قد يقول البعض أن لكل أمر إيجابياته وسلبياته، وهذه حقيقة محضة، وعليه، دعوني اطرح هذا السؤال البسيط:

 هل تستحق هذه الإيجابيات التضحية بالبيئة التي نقطُنها أو الصحة التي ننعُم بها؟

المصادر:

بقلم: زينب عبد الله

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!