ظاهرة ذوبان الأنهار الجليدية في (جرينلاند) تخرج لنا كنزًا لكن مع عواقبَ وتكاليف لا يستهان بها: الرمال

ظاهرة ذوبان الأنهار الجليدية في (جرينلاند) تخرج لنا كنزًا لكن مع عواقبَ وتكاليف لا يستهان بها: الرمال

21 أكتوبر , 2022

دقق بواسطة:

زينب محمد

النقاط الرئيسية

  • إنَّ المياه الجليدية المنصهرة من الغطاء الجليدي للجزيرة، غنية بالنوعية المناسبة من الرمال لإنتاج الخرسانة، مما يزيد من ارتفاع درجات حرارة كوكب الأرض.

بإمكاننا أن نصف مورد الرمال بالوفرة وأيضًا بالندرة. لا يخفى علينا أن كوكب الأرض به صحاري شاسعة مليئة بحبات الرمال، بالطبع، ولكن ليس من النوع المطلوب بشدة لدرجة أن الشركات قد تتقاتل للحصول عليه. وهو ذلك النوع الخاص من الرمال الذي يعتبر عنصرًا مهمًا في إنتاج الخرسانة المستخدمة في بناء المباني والمستعمل في أغراض البنية التحتية، والتي ارتفع إنتاجها بشكل كبير على مدى العقود القليلة الماضية.

لقد جاء ذلك بتكلفة مناخية كبيرة وهذه التكلفة كما يلي: ما تُخلفه هذه الصناعة الآن يقدر بـنحو 8% من الانبعاثات الكربونية في العالم.

ويأتي ذِكر الرمال في روايةٍ غريبة أخرى متعلقةٍ بموضوع المناخ. حيث يؤدي تغير المناخ إلى تدمير الغطاء الجليدي في جرينلاند وهذا بدوره ينتج لنا كمية كبيرةً من المياه الجليدية المنصهرة. (حتى لو أوقفنا الانبعاثات تمامًا بطريقة ما الآن، فلا يزال من الممكن أن يساهم ذوبان الطبقة الجليدية في ارتفاع مستوى سطح البحر ارتفاعًا يقدر بقدمٍ تقريبًا في الأيام المقبلة).

ومن تصاريف القدر، أن قد جاءت المياه الجليدية المنصهرة محملةً بأفضل نوعية من الرمال المستعملة في إنتاج الخرسانة والذي بدوره يسبب في زيادة مظاهر الاحتباس الحراري ومزيدًا من ذوبان الغطاء الجليدي. إن التصعد الصهاري من الرواسب الجليدية على طول الساحل ساعد في تشكيل أجزاءٍ جديدةٍ من اليابسة على حوافِ الجزيرة. وعلى الرغم من أنَّ مساحة (جرينلاند) تبلغ ثلاثة أضعاف مساحة ولاية تكساس فقط، إلا أن غطائها الجليدي هو مصدر 8% من رواسب الأنهار العالقة المتدفقة إلى مياه المحيطات.

يتعين على الدولة الآن معرفة إذا ما كان استغلال هذا المورد القيّم والوفير على نطاق أوسع سيكون قابلاً للاستمرار من الناحية البيئية والاجتماعية والاقتصادية. تقول (ميت بنديكسن)، عالمة الجغرافيا في جامعة مكغيل في كندا، والتي تدرس نواحي هذه الفكرة: «إنه أمر مثير للجدل جدًا- إن الأمر كما لو أننا نقول إن جرينلاند يمكن أن تستفيد من تغير المناخ».

على عكس معظم الأجزاء الأخرى من ساحل القطب الشمالي، فإن اليابسة في جرينلاند لا تتآكل. إنها في الواقع تتزايد مساحتها، بسبب ذوبان الغطاء الجليدي؛ حيث إن بإمكانك القول بأن الغطاء الجليدي صنبور؛ لا يصب الماء المنصهر فحسب، بل جميع الرواسب أيضًا.

.

في الحقيقة، هذه الرواسب لا يمكن تجاهلها أبدًا؛ حيث إن الرمال المستخرجة من الصحاري، على سبيل المثال، غير مناسبة لصناعة الخرسانة لأن حبات الرمال تلك مستديرة للغاية ومتسقة. وذلك أنَّه على مدى آلاف السنين، تدافعت حبات الرمال بفعل الرياح وشذب شكلها.

تقول (بنديكسن) لو استخدمنا هذه الرمال في صناعة الخرسانة، «فإن الأمر كما لو اتخذنا الرخام مادةً للبناء تقريبًا». في الحقيقة نحن نحتاج جزيئاتٍ لها زوايا، وليست مستديرة. وهذا النوع من المواد، على سبيل المثال هو بالضبط ما نحصل عليه من الأنهار، أو المواد التي ترسبت من الأنهار الجليدية.

نظرًا لأن الغطاء الجليدي في جرينلاند – الذي يغطي 700,000 ميل مربع ويصل سمكه إلى 10,000 قدم- يعصف باليابسة؛ فإنه يسحق الرواسب، بما في ذلك الرمال، الطمي الناعم وكتل أكبر من الحصى. ومع ذوبانِ الجليد، تتشكل سيول من المياه والتي تحمل كل هذا الحتات إلى البحر، بينما يؤدي تلاطم مياه الأنهار نفسها إلى تآكل المناظر الطبيعية.

وبالمقارنة مع الرمال التي باتت تنتقل حول الصحراء لآلافٍ من السنين متدحرجةً بفعل الرياح لتتخذ حباتها شكلها المستدير، فإن الجزيئات الرملية القادمة من جرينلاند حديثة التشكل. فقد اتخذت شكلًا ذو زوايا وذو انحرافاتٍ متنوعة. إنها ليست كمادة الرخام، ولكن عوضًا عن ذلك فهي كقطع أحجية متناسبة معًا وهذا ما نحتاجه لإنتاج الخرسانة.

إن جرينلاند الآن بالفعل تحصد رمالها لإنتاج الخرسانة المحلية، ولكن على نطاق صغير؛ وذلك حيث إن استيراد الرمال سيكون باهظ التكلفة. إلّا أن هذا النشاط يقتصر على الشركات المحلية، التي يتعين عليها الظفر بتصاريح غير حصرية بعد اجتياز المراجعة البيئية من قبل مستشاري الحكومة العلميين. ويمكنهم أن يتقدموا بطلبٍ أيضًا لتصدير الرمال؛ إلّا أن هذا يتطلب ترخيصًا إضافيًا.

ويضيف (كيم زينك جرجنسن) والذي هو من هيئة التراخيص المعدنية والسلامة التابعة لحكومة جرينلاند: «نحن منفتحون أيضًا على استخراج الرمال بهدف التصدير، ولكن بعد ذلك سيُعامل مثل أي نشاط تعدين آخر»، وأضاف: «وبهذا سيلزمنا إعداد لوائح أكثر بكثير، وهذا يشمل أيضًا تقييمات الأثر البيئي وتقييمات الأثر الاجتماعي».

حاليًا، تجفف الجرافات الرواسب المتواجدة على طول الساحل وبهذا تعمل على تصفية الرمال، وتعيد ما تبقى إلى الشاطئ. ولكن إذا قررت حكومة جرينلاند توسيع نطاق استخراج الرمال بغرض التصدير، فهذا يعني أن السفن الكبيرة ستضطر إلى نقل ما يتم استخراجه بعيدًا إلى الموانئ الدولية. وتضيف (بنديكسن): «إنه لمن المهم التأكيد على أنه إذا استخرجنا أي مورد طبيعي، فستكون هناك حتمًا عواقبٌ بيئية كبيرة للغاية».

على سبيل المثال، ستجلب لنا تلك السفن الكبيرة أيضًا حصى الرصف، أو المياه التي جمعتها من مكان آخر وخزنتها في هياكلها لتحقيق التوازن. إذا انتشر حصى الرصف قبالة سواحل جرينلاند، فقد تأتينا بأنواعٍ غازية.

وبالطبع، فإن تجريف الرواسب الساحلية من شأنه أن يعرّض المخلوقات الحية المحلية الموجودة تحت الماء للخطر – أما بالنسبة للأخطار المتمثلة على اليابسة؛ فقد تُفزع عمليات التعدين المتزايدة صيادي شعب الإسكيمو. (سكان جرينلاند هم حوالي 90 في المائة من السكان الأصليين من شعب الإسكيمو. رفض مكتب فرع جرينلاند لمجلس شعب الإسكيمو القطبي، وهي منظمة غير حكومية تمثل شعوب الإسكيمو، أن يدلوا بتعليقٍ عن هذا الموضوع).

ومن الجدير بالذكر، أنه على الرغم من ذلك، نشرت (بنديكسن) وزملاؤها الشهر الماضي دراسة استقصائية عن سكان جرينلاند تتحدث حول آرائهم فيما يخص استخراج الرمال. وتلخصت النتائج بأن وجدوا 84% من السكان البالغين يؤيدونها، وثلاثة أرباع السكان يريدون أن يكون هذا مشروعًا وطنيًا.

يقول (راسموس ليندر نيلسن)، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جرينلاند، الذي أجرى الاستطلاع مع (بنديكسن): «اتضح بأن الغالبية العظمى من سكان جرينلاند يعتقدون أن استخراج الرمال يجب أن يكون في الأساس مشروعًا جرينلانديًا»، وتابع بقوله: «ربما يمكن أن يكون هنالك بعض الشركات الصغيرة بقيادات جرينلاندية والتي يمكن أن تبدأ العمل. وبعد ذلك في النهاية، عندما تكون دراسة الجدوى أكثر ملاءمة، يمكننا حينها البدء في عملياتِ تصديرٍ أكبر».

أما حول حالة العمل هذه: فإنه في حين أن الطلب العالمي على هذه الرمال زاد جموحًا، فإن اقتصاديات رمال جرينلاند المصدرة ليست واضحة بعد. حيث إنه سيتعين على الشركة، الدفع لإدارة العمليات المحلية ودفع تكاليف الشحن لإخراج المورد من الجزيرة. سيكلف هذا تكلفةً باهظة، لأن أطنان الرمال المُحملة ثقيلة الحجم وتشغل مساحة كبيرة في السفن.

عملت حكومة جرينلاند مؤخرًا مع فريقٍ استشاري والذي أجرى تقييمًا، ووجدت أن تصدير الرمال إلى أوروبا ليس مجديًا من الناحية الاقتصادية في الوقت الحالي. يقول (توماس لوريدسن)، كبير مستشاري وزارة الموارد المعدنية والعدالة في جرينلاند: «لا أعرف بعد إذا ما كان من الممكن تصديرها إلى الشرق الأوسط، لكننا سنكون بعد ذلك في منافسة مع الشركات الأوروبية التي ستحشد الرمال بواسطة الجرافات في أوروبا أو في بقعةٍ أقرب إلى العميل».

يضيف (لوريدسن) أن هذا الأمر متروكٌ البت فيه للقطاع الخاص لتحديد ما إذا كان بيع رمال جرينلاند مجدٍ اقتصاديًا أم لا. ولتحديد ما إذا كانت ستتغير حسابات تكلفة التصدير هذه في المستقبل. تقول (بنديكسن): «سيرتفع الطلب على الرمال بنسبة 300% بحلول عام (2100 م)، وسيزداد السعر بنسبة 400%، لذلك ليس علينا أن ننظر في أمر المستقبل كثيرًا لنتمكن من توقع أرقام مختلفة عما توصلنا له لمعرفة ما إذا كان الأمر يستحق كل هذا العناء».

بالطبع، فإن وجود شركاتٍ لحصد الرمال بغرض استخراجها والاستفادة منها وتصديرها لإنتاجِ الخرسانة يعني أيضًا المزيد من انبعاثات الكربون في عالمنا هذا، والمزيد من الاحتباس الحراري، بالإضافة إلى مزيدٍ من مظاهر ذوبان الغطاء الجليدي في جرينلاند. لكن، كما تضيف: (بنديكسن)، قد لا تكون هناك حاجة لحصد كل تلك الرمال الناتجة عن الأنهار الجليدية المنصهرة حصريًا لإنتاج الخرسانة فقط.

إنّ المجتمعات الساحلية تصطخب بشكلٍ متزايد لأجل ترك الرمال لكبح ارتفاع منسوب مياه البحار، ويرون ذلك إِحصانًا يُعرف باسم صيانة الشاطئ. تقول (بنديكسن): «فكر فقط في هذه المفارقة! وهي أن تستخدم الرمال لصيانة الشاطئ لكسرِ حدةِ ارتفاع مستوى سطح البحر، وهو الذي سبّب – إلى حدٍ كبير – ذوبان الغطاء الجليدي في جرينلاند!».

المصدر: https://www.wired.com

ترجمة: وجدان سليمان الرشيد

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!