crossorigin="anonymous">
9 يونيو , 2022
تضحى العلاجات غير مجدية نتيجة خوف المراهقين من الشفاء.
يمكن لاضطرابات الأكل أن تكون صعبة جدًا، تحديدًا اضطراب فقدان الشهية العُصابي والذي قد يتشبث بضحيته رغم توفر أحدث العلاجات. ٤٦٪ فقط ممن تم تشخيصهم بالاضطراب يتعافون تمامًا. بينما تفشل جهود العلاج بشفاء ٤٠٪ ممن يعانون من الاضطراب تمامًا، حتى مع التدخل السريع والعناية الخاصة. ومع تصدّره لقائمة الاضطرابات النفسية بأعلى معدل وفيات خلال مرحلة المراهقة، تلح الحاجة لفهم هذه الحالة الشائعة بشكل أكبر.
يُقال دائمًا أن لاضطرابات الأكل سمات مشتركة مع الإدمان، وبالتالي وببساطة يجب التعامل معها بإخلال وتغيير عادات الأكل. ويجادل آخرون بأن للجينات يدٌ في الأمر، وبالتالي تمييز تلك الصفات الجينية من شأنه أن يمهد الطريق لوسيلة وقائية أكثر فعالية. بينما يركز بعض الباحثين على المناطق الدماغية المسؤولة عن النظرة الذاتية المشوَّهة.
والبحث مستحق في كل تلك الطرق، لكن في الوقت الحالي هي لا تكاد تكون سوى إعادة صياغة لحقائق معروفة وهي: أن الانتكاس والاستمرار يعد شائعًا حتى مع التعرف على المخاطر؛ أن العديد يتشارك مع المصابين باضطراب فقدان الشهية العصابي الرغبة في أن يكونوا أنحف لكن البعض فقط يعاني من الحالة السريرية للاضطراب؛ وأن للمصابين بالاضطراب نظرة مشوهة عن أجسادهم.
يكمن تفسير آخر في أن من يعاني من اضطرابات الأكل، غالبًا الشباب ومعظمهم من الإناث، يبقون أمر إضرابهم سرًا حتى يصبح وقد تغلغل عميقًا مما يصعّب عملية استئصاله وعلاج المصابين. يصف بعض آباء المصابين باضطراب فقدان الشهية العصابي بأنهم “مراوغون” أو “قادرون على التهرب من تناول وجبة بعينها بأعذار تبدو طبيعية” أو حتى “متملصون” في جهودهم لتجنب أخذ أوزانهم بدقة. فيُعتقد أن إبقاء أمر الاضطراب سرًا ناتجًا عن الشعور بالعار.
لكن بعد أن أمضيت السنوات القليلة الماضية في الاستماع للمراهقين ومراقبتهم، أشك في فائدة “العار” كتفسير لسريّتهم. في حين أن معظم المراهقين يشعرون بالضيق لقلق آبائهم عليهم، ويطمحون لحدٍ ما بأن يكونوا الشخص السليم والصحي الذي يرغب به آباؤهم، فإن المراهقين الذين يعانون من فقدان الشهية العصابي أو النُهامٌ العُصابي غالبًا ما يقولون : “ما تسميه باضطراب الأكل لديّ هو ليس بمشكلة، لكن حل لمشكلتي حقًا”. و بالتالي يُنظر للعلاج واحتمالية التعافي على أنها تهديد وليست نتائج مرغوبة.
بالرغم من وجود مصطلح “فقدان الشهية” في مسمّى اضطراب الأكل المعني، إلا أن أولئك ممن يعانون من الاضطراب يشعرون غالبًا بالجوع، لكن مقاومته مصدر للفخر.
إحدى الفتيات البالغات خمس عشرة عامًا اللاتي تحدثت معهن، وصفت التجويع الذي فرضته على نفسها بالقوة بأنه يعطيها شعور بالنشوة كونه يعكس قدرتها في التحمل وصلابة إرادتها. ووصفت أخرى النهام العصابي (اضطراب يتميز بنهم شديد يليه تطهير يكون في أغلب الأحيان عن طريق التقيؤ وأحيانًا أخرى بالإسراف في استخدام المسهلات) بأنه “وسيلة لخداع النظام”. هي ليست “قوية” كزميلتها، لكنها توظف “المكر الطبيعي” للتغلب على “ضعفها” تجاه الأكل، بحيث يمكنها الأكل بدون زيادة في الوزن، أو على حد تعبيرها “بدون أن تصبح سمينة”.
المراهقة تكون فترة للوعي الذاتي الحاد. يشير علماء النفس لذات المراهقين بالعدسة المكبرة للذات” والتي تنبع من أسئلة يرونها الأهم كـ “كيف يراني الآخرون؟” ويكمن هذا كله في سياق “أنا تحت التقييم على الدوام ويتم الحكم عليّ دائمًًا”. تلك العدسة المكبرة للذات لا تظهر الصورة التي يرونها منعكسة في المرآة، بل تلك التي يراها الآخرون عند النظر للمراهق.
التطور السريع لفكر المراهقين ينبههم لتعقيد آراء الآخرين التي يصعب فهمها، بالتالي عدم اليقين حول ما يراه الآخرون، يتحول داخل ذهن المراهق الشاك بذاته لقلق مستمر حول ما قد يراه الآخرون. نتيجة لذلك يصبح فقدان الشهية العصابي أو النُهامٌ العُصابي الوسائل التي “يكتسب” بها حماية ضد أحد أبرز الأحكام السلبية، أي “جسدك سمين جدًا”.
وتكتّم المراهقين حيال اضطرابهم ليس بسبب شعورهم بالعار، بل لخوفهم من “الشفاء”. حيث يُنظر للضغوط المجتمعية على الفتيات بأن يبدين بمظهر معيّن على أنها عوامل رئيسية لاضطرابات الأكل لدى المراهقات، لكن معايير الجمال العالية تلك لا تفسر القوة العقابية الخاصة المتمثلة في أن يُنظر للمرء على أنه “سمين”، ومراهقين ذوي وزن طبيعي يُصفون ويَصفون أنفسهم بأنهم “سمينين جدًا” أو أنهم “يسمنون”.
رهاب السمنة، وهو خوف مرضي من السمنة، ليس سوى جانب واحد من ثقافة المعايير المثالية الخبيثة حول جمال وجاذبية الإناث، لكنها متغلغلة بشكلٍ خاص عن غيرها. مدعومًا بحجج (غالبًا خاطئة) حول الصحة، إضافة لكونه نتاج أي زيادة في الوزن، فيصبح أمر تأصيل الرهاب عند المراهقين أمر في غاية السهولة حيث ينصب جُلّ تركيزهم على كيفية النظر لهم من قبل الآخرين. كما أنه يتماشى مع فكرة أن شهية الفتيات لا وجود لها وأن ضبط النفس وحرمانها من اختصاصهن وأنه يحق لهن مساحة اجتماعية ومادية أقل.
في حين أن قلة (هذا إن وُجدوا) من الآباء والمهنيين المنخرطين في التعامل مع المراهقين يحملون مثل هذه الآراء، بشكل صريح على الأقل، إلا أنه من الواضح أن فتياتنا المراهقات يتشربنها من مكان ما. وحان الوقت لفصل الخوف من السمنة من حزمة الضغوط المجتمعية العامة ليتسنى لنا اكتشاف مصدرها، و دورنا في نشرها وأخيرًا استئصالها.
المصدر: https://www.psychologytoday.com
ترجمة: عبدالله صالح
تويتر: @ASAAlwahaibi
مراجعة وتدقيق: د. فاتن ضاوي المحنّا
تويتر: @F_D_Almutiri
اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية
اترك تعليقاً