تتكون المادة البيضاء في المخ من الألياف العصبية التي تمتد من الخلايا العصبية، تُغطى الألياف العصبية بغطاء من مادة المايلين التي تعطي المادة البيضاء لونها الأبيض.

تحمي المادة البيضاء الخلايا العصبية من الإصابة، وتوصّل الإشارات العصبية من المخ إلى جميع أجزاء الجسم.

لكن نُشرت دراسة حديثة تثبت وجود علاقة بين زيادة كثافة المادة البيضاء في الدماغ في النساء اللاتي يمررن بسن اليأس على عكس غيرهن من النساء والرجال من نفس العمر، وإصابتهم بالزهايمر.

على الرغم من عدم وجود اختلاف في كثافة المادة البيضاء في المخ بين الرجال والنساء قبل سن اليأس، فالجميع سواسية.

فهل هناك علاقة بين سن اليأس والزهايمر؟ وما أسباب فقدان الذاكرة وكيفية الوقاية من الزهايمر؟ هذا ما سنعرفه في السطور التالية.

زيادة كثافة المادة البيضاء في المخ بعد سن اليأس والزهايمر

تشبه الجروح الصغيرة في الأشعة المقطعية أو أشعة الرنين المغناطيسي مع تقدم السن أو في حالة ضغط الدم المرتفع، يُعرف باسم مرض المادة البيضاء (leukoaraiosis).

لكن ظهرت دراسة حديثة توضح العلاقة بين زيادة كثافة المادة البيضاء في المخ (white matter hypertensities) وبين زيادة خطر الإصابة بالزهايمر والسكتة الدماغية.

ليس بالضرورة ازدياد كثافة المادة البيضاء يعني الانتهاء بمرض الزهايمر كنتيجة حتمية، لكن يضع المرأة في سن اليأس ضمن قائمة أكثر الفئات عُرضة للإصابة.

أُجريت هذه الدراسة على 3410 شخص تصل أعمارهم إلى  54 عامًا، تصل نسبة النساء في هذه المجموعة إلى 58٪، ويمر 59٪ منهن بفترة سن اليأس، ويعاني 35٪ منهن من ارتفاع ضغط الدم، وعدم قدرة نصفهم على التحكم في الضغط الدم المرتفع.

بعد الخضوع لأشعة الرنين المغناطيسي للتأكد من كثافة المادة البيضاء في المخ، وجد العلماء حجم المادة البيضاء في النساء في سن اليأس يصل إلى 0.94 مل مقارنةً بالرجال (0.72 مل).

بينما عند المقارنة بين النساء قبل وبعد سن اليأس اللاتي تتراوح أعمارهن بين 45-59 عامًا، تأكد العلماء من زيادة كثافة المادة البيضاء في المخ بعد سن اليأس.

فقد وصل حجمها إلى 0.51 مل مقارنةً بغيرهن ممن لا يعانين من سن اليأس والزهايمر، إذ لم يتعد حجمها 0.33 مل.

لكن لم يكن هناك أي اختلاف في كثافة المادة البيضاء لدى النساء اللاتي يستخدمن العلاج الهرموني، لكن هذا لا يقلل من خطر الإصابة بالزهايمر.

ما العلاقة بين ضغط الدم المرتفع وزيادة كثافة المادة البيضاء

تزداد كثافة المادة البيضاء لدى النساء اللاتي يعانين من ضغط الدم المرتفع مقارنةً بالرجال، إذ يؤثر ارتفاع ضغط الدم على الأوعية الدموية الصغيرة في المخ، فتزداد كثافة المادة البيضاء.

ماذا يحدث بعد سن اليأس والزهايمر؟

يُعد هرمون الاستروجين منظمًا أساسيًا لعمليات الأيض في الجسم عند النساء، إذ يُنظم انتقال الجلوكوز للميتوكوندريا لإنتاج الطاقة في الجسم والقيام بمهامه الحيوية.

في سن اليأس يؤثر نقص إنتاج هرمون الاستروجين على إنتاج الطاقة في المخ، مما يساهم في زيادة خطر الإصابة بالزهايمر عند النساء.

ماذا يحدث في ذاكرة المرأة بعد سن اليأس؟

اكتشف العلماء زيادة خطر الإصابة بالزهايمر للنساء بعد سن اليأس بنسبة 65٪ مقارنةً بالرجال، فماذا يحدث في ذاكرة المرأة بعد سن اليأس والزهايمر؟

يعتقد العلماء وجود علاقة بين هرمون الاستروجين وزيادة خطر الإصابة بالزهايمر، إذ ينتج جسم المرأة هرمون الاستروجين الذي يقل إنتاجه في سن اليأس عند النساء أكثر من الرجال.

على الصعيد الآخر يستمر جسم الرجل بإنتاج هرمون التستوستيرون الذي يتحول إلى هرمون الاستروجين في خلايا المخ، مما يدل على قلة هرمون الاستروجين في المخ لدى النساء في سن اليأس.

أسباب فقدان الذاكرة وعلاقته بغياب هرمون الأستروجين

أجرى العلماء تجاربًا على الفئران للتأكد من دور هرمون الأستروجين في حماية المخ من الإصابة بمرض الزهايمر. أظهرت النتائج دور الأستروجين في زيادة الإشارات العصبية في المخيخ المسؤول عن الذاكرة والقدرة على التعلّم.

لذلك عندما يقل هرمون الأستروجين في خلايا المخ، تضعف الذاكرة مما يؤدي للإصابة بالزهايمر والخرف والسكتة الدماغية.

يؤثر نقص هرمون الأستروجين على أداء النواقل العصبية خاصةً الأستيل كولين، إذ يسبب ضعف إرسال الإشارات العصبية، مما يؤدي للإصابة بالزهايمر.

 تنحصر العلاقة بين سن اليأس والزهايمر في تعطيل هرمون الأستروجين لعمل البروتينات الضارة مثل بروتين تاو، وبروتين بيتا النشواني المسبب للزهايمر.

يُزيد بروتين بيتا النشواني من إنتاج جزيئات ضارة وهي الشقوق الحرة (free radicals) المسؤولة عن الإصابة بمرض الزهايمر.

يستطيع هرمون الأستروجين إنتاج مضادات الأكسدة التي تحمي خلايا المخ من التلف من خلال معادلة تأثير الشقوق الحرة.

العلاج الهرموني ودوره في الوقاية من مرض الزهايمر

تُسرع الكثير من النساء إلى العلاج الهرموني الذي يحتوي على الأستروجين والبروجسترون للتقليل من أعراض سن اليأس مثل التغيرات المزاجية والهبات الساخنة (hot flushes).

اختلف العلماء في تأثير دور هرمون الأستروجين في الوقاية من مرض الزهايمر لدى النساء، فبعض هذه الدراسات كانت ذات دلالات ضعيفة على ذلك.

فما أعقد العلاقة بين سن اليأس والزهايمر! لذلك اعتقدوا أن هرمون الأستروجين قد يكون السبب في زيادة خطر الإصابة بالزهايمر.

وحتى تظهر الدراسات التي تؤكد فوائد العلاج الهرموني في تقليل خطر الإصابة بالزهايمر، فلا داعي للتسرع باستخدام العلاج الهرموني خاصةً بعد التأكد من خطر الإصابة بالأمراض القلبية والسكتة الدماغية والأورام السرطانية.

ينصح الأطباء بالتوقف عن التدخين، والتحكم في الأمراض المزمنة إن وجدت مثل ضغط الدم المرتفع ومرض السكري، وزيادة الكوليسترول في الدم.

الحفاظ على العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، والاستمتاع بالهواء النقي والطعام الطازج مع العائلة والأصدقاء، وارتداء خوذة لحماية الرأس من الإصابة أثناء ركوب الدراجة.

ما أفضل نظام غذائي لتقوية الذاكرة؟

تحتاجين إلى التغذية السليمة خاصةً بعد سن اليأس والزهايمر للوقاية منه وتقوية الذاكرة، لذلك لن نبخل بأفضل النصائح الغذائية التالية:

• اتباع نظام غذائي متنوع بين الخضراوات والفاكهة والأطعمة الغنية بالبروتين ومنتجات الألبان قليلة الدسم، والحبوب الكاملة.
• ابتعدِ عن الدهون المشبعة لتجنب زيادة الكوليسترول بالدم.
• تجنبِ الأطعمة التي تحتوي على السكريات، واستبدالها بالسكر الطبيعي مثل عصير الفواكه الطازجة.
• تجنبِ الأطعمة الغنية بالصوديوم، وتقليل الملح في الطعام، إذ يسبب ارتفاع ضغط الدم واستبداله بالتوابل والأعشاب.
• الإكثار من شرب الماء، وتناول الأطعمة التي تحتوي على نسبة وفيرة من الماء مثل الفواكه.

ختامًا، لازالت العلاقة بين سن اليأس والزهايمر معقدة تحتاج إلى فك رموزها لمعرفة السبب الرئيسي وراء الإصابة بالزهايمر، وربما يومًا ما تكون ضمن فريق العلماء الذين يحلون هذا اللغز.

المصادر

• Study finds women have more brain changes after menopause

• White matter of the brain

• Hormones and dementia

• Increased Alzheimer’s Risk During Menopause Transition

• Food and Eating

بقلم: د. نهى أشرف

مراجعة وتدقيق: زينب محمد