الطبيعة والتربية والعشوائية

الطبيعة والتربية والعشوائية

28 يوليو , 2023

ترجم بواسطة:

ليلى لؤي الشاطري

دقق بواسطة:

زينب محمد

الطبيعة والتربية والعشوائية، تلعب هذه العوامل الثلاثة دورًا رئيسيًا في تحديد سلوك الحيوانات، فرغم أن الجينات والتربية يمكن أن يؤثران بشكل كبير على سلوك وصفات الحيوانات فالصدفة تلعب دورًا كذلك. لطالما أثير الجدل حول الطبيعة مقابل التربية – فيما إذا كانت صفاتنا تتشكل من جيناتنا أم من تربيتنا- وما هو دور الجينات والتربية في تشكيل صفاتنا؟


أنا عالم سلوكي متخصص في دراسة سلوك أنواع معينة من الأسماك، وأحاول الإجابة على هذا السؤال من خلال تحليل سلوك أسماك أمازون مولي (بوسيليا فورموزا) حيث تُعد هذه الأسماك حلاً ممتازًا للتجارب للإجابة على هذه الأسئلة المثيرة، فهي تتكاثر  بطريقة فريدة من نوعها عن طريق إنجاب نسل يحمل جينات متطابقة مع جيناتها، بإلإضافة إلى إن صغارها منذ ولادتها مستقلين تمامًا، هذا يعني أنه بإمكاني التحكم في تجاربهم في  أقرب عمر ممكن.

تتيح لي هذه الأسماك وزملائي في الأساس فرصة إجراء “دراسات التوائم” لفهم كيف ولِمَ يتطور الأفراد، وما وجدناه قد يفاجئك .. أننا كبشر، ندرك أهمية شخصياتنا، وأن هذه الاختلافات المستمرة بيننا تشكل كيفية التنقل في عوالمنا والاستجابة لأحداث الحياة الكبرى؛ سواء كنا جريئين أو خجولين.

نظرًا للأهمية  الكبيرة للشخصية (التي أفضل تسميتها «الفردية»، لأنها تتجنب الدلالة  الإنسانية للشخصية)، كان مفاجئًا تجاهل العلماء للاختلافات في الأنواع الأخرى لفترة طويلة ما يقارب حوالي 30 عامًا، حيث عادةً ما ينظر إليها على أنها قصص جميلة ذات أهمية تطورية ضئيلة، وركزوا بدلاً من ذلك على السلوك المعتاد لبعض الحيوانات.

ومن خلال دراسة سمكة أمازون مولي، تبين أن هناك اختلافات كبيرة بين كل سمكة من نفس النوع، فقد وجد الباحثون أن السمكة تسبح بشكل أسرع عندما تعيش بين الأسماك المفترسة لحماية نفسها، وعلى العكس، إذا كانت تعيش في مناطق قليلة الأعداء، فإنها تقضي وقتًا أقل في السباحة لأنه ليس هناك خطر التهامها من الأسماك الأخرى، أن هذه التجارب تشبه اختلاف طول البشر، حيث يمكن أن يكون بعض النساء أطول من بعض الرجال.

يمكن أن تكون هذه الاختلافات الفردية مهمة جدًا لنجاح الحيوان، فعند هذا النوع من الأسماك يزيد السلوك الجريء من فرصة الذكور للتزاوج، ولكنه يزيد أيضًا من فرصته في افتراسه بين فكي سمكة أكبر، حيث يمكن أن يتغير التكتيك السلوكي الأفضل اعتمادًا على الظروف، فما الذي يشكل هذه الاختلافات السلوكية المستمرة بين الأفراد؟ لقد أمضت مجموعة فرعية كاملة في علم السلوك البيئي أكثر من 20 عامًا في محاولة لمعرفة متى وكيف ولماذا يظهر هذا التنوع، إلا أن أوضحت أسماكنا المستنسخة الأمر.


نتوقع عند تربية سمك الأمازون المولي الجيني في بيئات متطابقة أن تتصرف بنفس الطريقة ولكنها لا تفعل. إن هذه الأجناس المتطابقة تظهر التفرد منذ يوم ولادتها، فبعضها نشط للغاية واجتماعي ويقطع مسافات شاسعة للحصول على الطعام؛ في حين يفضل آخرون التجمُّع والانتظار لالتقاط الطعام المُصنع الذي يُلقى إليهم. 

هنالك شيء آخر يُوجِّه فرادة هذه المخلوقات فالفئران العدوانية تكون ناجحة جدًا في البيئات التي تحتوي على موارد غنية وسهلة الوصول إليها، بينما الفئران الأقل عدوانية تحقق نجاحًا أكبر من غيرها إذا كانت الموارد صعبة الوصول.

نتوارث جيناتنا من والدينا، حيث تشمل أيضًا العديد من الجزيئات الأخرى التي تتفاعل مع جيناتنا لإعطاء إشارات لخلايانا متى يجب تفعيلها، هذه الآليات المسماة “اللاجينية” قد تكون لها دور أكبر في تطوير سلوكنا مما كان يُعتقده العلماء سابقًا.

في حالة الأسماك النامية، تعمل خلايا دماغها بشكل عشوائي، مما يؤدي إلى عدم تطابق الروابط بين الخلايا العصبية في دماغها بشكل كامل وبالتالي، فإن هذه الروابط لن تكون ثابتة بل ستخضع لتغيرات وتحولات مستمرة، قد تؤدي هذه التغيرات إلى تشكيل شبكات عصبية فريدة في دماغ الأسماك، وقد تؤثر على طريقة عملها وردود فعلها للمحفزات المحيطة بها.

على سبيل المثال، إذا طلبنا نفس الوصفة من الخبَّاز مرتين واستخدمنا نفس المكونات وتقنية التحضير نفسها، فقد يحدث اختلاف طفيف في الكعكات التي يتم إنتاجها في أيام مختلفة. يعود هذا  الاختلاف إلى التقلبات الضئيلة التي تحدث في عملية القياس أو تقنية التحريك، رغم أن جميع المخلوقات تخضع لمثل هذه التغيرات إلا أن آثارها عادةً لا تظهر بسبب تأثيرات التغيرات الأكبر في علم الوراثة والبيئة، إلا أنه فقط من خلال دراسة أسماك المولي لدينا نحصل على فهم أكبر حول دور العشوائية في تطور الفردية.

بصورة أخرى، يُمكن اعتبار شبكات خلايا الدماغ في الأسماك كأشجار فريدة من نوعها، حيث تختلف تشابكها وترابطها بشكل فردي، هذه التغيرات في شبكات الخلايا العصبية قد تؤدي إلى تنوع كبير في سلوك وردود فعل الأسماك للمحافظة على استجابتها للبيئة المحيطة بها.

إلى أين  يقودنا هذا كبشر؟  نقضي وقتًا وجهدًا كبيرًا في محاولة فهم سبب كوننا على ما نحن عليه، من الواضح أن الجينات التي نرثها من آبائنا وتجاربنا ستلعب دائمًا أدوارًا رئيسية في حياتنا وشخصياتنا، لكن مخلوقات المولي وضحت أيضًا الأمر على أنه لا يعود إلى ذلك كله؛ فهنالك دور الصدفة أيضًا.

بالنسبة لي، فإن فكرة الصدفة هذه التي تلعب دورًا كبيرًا في شخصياتنا تحرر ما نحن عليه، أحيانًا بدون سبب يُذكر هذا يدعونا لاحتضان وتقبل تنوعنا. أن كل فرد لديه ميزات وصفات فريدة تميزه عن الآخرين، ولا يمكن أبدًا استنساخ وجوده بشكل جوهري.

 أخيرًا أعتقد أن الإجابة تكمن في التوازن بينهما، فالحقيقة هي أن صفاتنا تتشكل بواسطة جيناتنا وتؤثر عليها تربيتنا، لا يمكن إلغاء دور أحدهما والاعتماد  فقط على الآخر.

المصدر: https://knowablemagazine.org

ترجمة: ليلى لؤي الشاطري

 تويتر: Laalshatri@

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!