الخلايا العصبية التي تجعلنا نشعر بالجوع

الخلايا العصبية التي تجعلنا نشعر بالجوع

24 يوليو , 2023

ترجم بواسطة:

شفق صحن

دقق بواسطة:

زينب محمد

يعتقد علماء الأعصاب أن هنالك مجموعة من الخلايا الموجودة في الدماغ والتي تحفز الشهية يمكن أن تكون سببًا في علاج اضطرابات الأكل.

 ربما تشعر بدايةً بأن طاقتك انخفضت، أو ربما تصبح غريب الأطوار قليلاً. قد تعاني من  صداع أو صعوبة في التركيز، ثم يرسل دماغك لك رسالة: أنت جائع. ابحث عن الطعام.

ذكرت دراسات أجريت على الفئران مجموعة من الخلايا تسمى الخلايا العصبية AgRP تقع بالقرب من الجانب السفلي من الدماغ والتي قد تخلق شعور الجوع المزعج.

وحتى “مشاعر الجوع” تقع بالقرب من مركز إمداد الدماغ بالدم ، مما يتيح لها الوصول إلى الهرمونات القادمة من المعدة والأنسجة الدهنية التي تشير إلى مستويات الطاقة. فعندما تكون الطاقة منخفضة، فإنها تعمل في مجموعة متنوعة من مناطق الدماغ الأخرى لتعزيز التغذية.

من خلال مراقبة الخلايا العصبية AgRP في الفئران، بدأ العلماء في حل لغز كيفية تشغيل هذه الخلايا وتحفيز الحيوانات على البحث عن الطعام عندما يكون لديها نقص في العناصر الغذائية، وكيف تشعر بأن الطعام ينزل في الأمعاء للتراجع. وقد وجد الباحثون أيضًا أن نشاط الخلايا العصبية AgRP ينحدر في الفئران مع أعراض مشابهة لفقدان الشهية، وأن تنشيط هذه الخلايا العصبية يمكن أن يساعد في استعادة أنماط الأكل الطبيعية في تلك الحيوانات.

قد يؤدي فهم الخلايا العصبية هذه والقدرة على التلاعب بنسبها إلى علاجات جديدة لكل من فقدان الشهية أو حتى الإفراط في تناول الطعام.

تقول أمبر الهاديف، عالمة الأعصاب في مركز Monell Chemical Senses Center في فيلادلفيا: “إذا تمكنا من التحكم في هذا الشعور بالجوع، فقد نكون أكثر قدرة على التحكم في وجباتنا الغذائية”.

تناول الطعام أو عدم تناوله

يبدو أن الخلايا العصبية AgRP تلعب دورًا رئيسيًا في الشهية، فقد يؤدي تعطيلها في الفئران البالغة إلى توقف الحيوانات عن الأكل، لدرجة أنها قد تموت من الجوع. على العكس من ذلك إذا قام الباحثون بتنشيط الخلايا العصبية فإن الفئران تقفز إلى أطباق طعامها وتأكل حتى التخمة.

ساعدت التجارب التي تمت في العديد من المعامل عام 2015 على توضيح ما تفعله الخلايا العصبية AgRP حيث وجد الباحثون أنه عندما لم يكن لدى الفئران ما يكفي من الطعام، فإن الخلايا العصبية AgRP تنشطت بشكل متكرر. ولكن بمجرد رؤية الطعام أو شم رائحته خاصةً إن كان شيء لذيذ ومحبب لها مثل زبدة الفول السوداني أو ما شابه، فذلك كان كافيًا لإخماد هذا النشاط في غضون ثوانٍ.

ومن هنا خلُص العلماء إلى أن الخلايا العصبية AgRP تجعل الحيوانات تبحث عن الطعام وبمجرد العثور عليه فإنهم يتوقفون عن التصرف باندفاع وشراهة.

أظهر فريق بحث بقيادة عالم الأعصاب سكوت ستيرنسون “حرم جانيليا للأبحاث في أشبورن فيرجينيا” أن نشاط الخلايا العصبية AgRP يجعل الفئران تشعر بالسوء، ولإثبات ذلك قام العلماء بتسليط الضوء على الدماغ باستخدام ألياف بصرية ( التي تسمح للفئران بالتحرك بحرية)، بحيث تنشط الخلايا العصبية AgRP عند تسليط الضوء عليها.

قاموا بوضع هذه الفئران في صندوق به منطقتين مميزتين: واحدة سوداء اللون بأرضية شبكية بلاستيكية، والأخرى بيضاء بأرضية مناديل ورقية ناعمة. إذا قام الباحثون بتنشيط الخلايا العصبية AgRP كلما دخلت الفئران في إحدى المنطقتين، بدأت الفئران في تجنب تلك المنطقة.

أوضح ستيرنسون، الذي يعمل حاليًا في جامعة كاليفورنيا سان دييغو أن تنشيط الخلايا العصبية AgRP يعطي شعور “غير سار إلى حد ما”. وهذا منطقي في الطبيعة فكما يقول: في أي وقت يغادر الفأر عشه فإنه يكون معرضًا لخطر الحيوانات المفترسة، لكن يتوجب عليه أن يتغلب على هذا الخوف من أجل البحث عن الطعام والأكل. هذه الخلايا العصبية AgRP هي نوع من المحفز في هذه البيئة الخطرة. ستخرج الفئران وتبحث عن الطعام للبقاء على قيد الحياة.

في عام 2015 أظهرت دراسة لستيرنسون أنه في حال رؤية الطعام أو شم رائحته فإن الخلايا العصبية AgRP تهدأ، إلا أن هذا الشعور مؤقت ويعود هذا النشاط مرة أخرى إذا لم يتمكن الفأر من متابعة تناول الوجبة الخفيفة وإنهاؤها.

ومن خلال تجارب إضافية اكتشف الهاديف وزملاؤه أن ما يوقف عمل الخلايا العصبية AgRP بشكل أكثر موثوقية هو وصول السعرات الحرارية إلى القناة الهضمية.

أولاً: قام فريق “الهاديف” بإطعام الفئران دواءً على شكل مادة هلامية بمُحلي صناعي خالية من السعرات الحرارية. عندما أكلت الفئران الهلام انخفض نشاط الخلايا العصبية AgRP، كما هو متوقع ولكن هذا كان مؤقتًا، نظرًا لأن الفئران أدركت أنه لا يوجد مغذيات يمكن اكتسابها من هذه الوجبة الخفيفة، وقد استجابت الخلايا العصبية AgRP بشكل أقل وأقل لكل قضمة وهكذا. فعندما تتعلم الحيوانات ما إذا كان العلاج يغذيها حقًا فإن الخلايا العصبية تقوم بضبط وقت الجوع وفقًا لذلك.

بدأ الهاديف منذ ذلك الحين في فك تشفير الرسائل التي ترسلها المعدة إلى الخلايا العصبية AgRP، ووجد أنها تعتمد على المغذيات حيث تطلق الدهون في الأمعاء إشارة عبر العصب المبهم الذي يمتد من الجهاز الهضمي إلى الدماغ، كما ويرسل سكر الجلوكوز البسيط إشارات إلى الدماغ عبر الأعصاب في النخاع الشوكي.

يبحث الهاديف الآن عن سبب وجود هذه المسارات المتعددة، آملاً أنه من خلال فهم كيفية دفع الخلايا العصبية لـ AgRP للبحث عن الطعام بشكل أفضل سيمكن العلماء إلى التوصل في النهاية إلى طرق لمساعدة الناس على تجنب الوزن غير الصحي.

رغم أن العلماء وأخصائيو الحميات كانوا يسعون لأكثر من قرن للحصول على مثل هذه العلاجات، إلا أنه كان من الصعب تحديد علاجات سهلة وآمنة وفعالة. حيث إن أحدث فئة من أدوية إنقاص الوزن مثل Wegovy تعمل جزئيًا على الخلايا العصبية AgRP ولكن لها آثار جانبية غير سارة مثل الغثيان والإسهال.

من المحتمل أن تفشل العلاجات التي تستهدف الخلايا العصبية AgRP وحدها في حل مشكلة الوزن تمامًا، لأن البحث عن الطعام هو أحد عناصر التحكم في الشهية فقط، كما يقول ستيرنسون الذي قام بمراجعة عناصر التحكم الرئيسية في الشهية في المراجعة السنوية لعلم وظائف الأعضاء في عام 2017.

وأضاف: إن مناطق الدماغ الأخرى التي تشعر بالشبع وتجعل الطعام ذو السعرات الحرارية العالية ممتعًا تلعب أيضًا أدوارًا أخرى مهمة ولهذا السبب، يأكل الشخص فطيرة مثلاً، رغم أن معدته بالفعل مليئة بالديك الرومي والبطاطا المهروسة.

تفادي فقدان الشهية

إن الجانب الآخر من الإفراط في الأكل هو فقدان الشهية، وهنا أيضًا يعتقد الباحثون أن فحص الخلايا العصبية AgRP يمكن أن يؤدي إلى استراتيجيات علاجية جديدة، حيث يتجنب الأشخاص المصابون بفقدان الشهية الطعام إلى درجة فقدان الوزن بشكل خطير.

يقول أميس سوتون هيكي، عالم الأعصاب بجامعة تمبل في فيلادلفيا: “إن تناول الطعام أمر مكروه بالفعل، حيث إنه لا يوجد دواء محدد لفقدان الشهية. قد يشمل العلاج العلاج النفسي والأدوية العامة مثل مضادات الاكتئاب، وفي الحالات الشديدة تكون التغذية القسرية عبر أنبوب يتم تمريره عبر الأنف، وغالبًا ما يكون الأشخاص المصابون بفقدان الشهية مضطربين أو مفرطي النشاط وقد يمارسون الرياضة بشكلٍ مبالغٍ فيه.

يمكن للباحثين دراسة الحالة باستخدام فأر تجارب مصاب بمرض فقدان الشهية القائم على النشاط أو ABA. عندما يقلل العلماء الطعام المتاح للفئران ويزودونها بعجلة للركض عليها، فإن  بعض الفئران تدخل في حالة شبيهة بفقدان الشهية وتأكل أقل مما يُعرض عليها، وتعمل على عجلة القيادة حتى أثناء النهار وعندما تكون الفئران عادةً غير نشطة.

يقول تاماس هورفاث وهو عالم الأعصاب في كلية الطب بجامعة ييل: “إنه أمر إدمان ملحوظ يحدث لهذه الحيوانات”. إنهم في الأساس يبتعدون عن عدم تناول الطعام وممارسة الرياضة”.

إن الفئران ليست نموذجًا مثاليًا لدراسة حالات فقدان الشهية. فمن المفترض أن الفئران لا تواجه أيًا من الضغوط الاجتماعية للبقاء رشيقة كتلك التي يواجهها البشر؛ وعلى العكس من ذلك فإن الأشخاص المصابين بفقدان الشهية عادةً لا يكون لديهم قيود على وصولهم إلى الطعام ولكنها واحدة من أفضل حالات فقدان الشهية التي يمكن دراستها.

 كما يقول الهاديف: “أعتقد أنها أفضل ما يمكن الحصول عليه”.

ولمعرفة كيف يمكن للخلايا العصبية AgRP ان تكون مرتبطة في فقدان الشهية، قامت ساتون هيكي بمراقبة كمية الطعام التي تتناولها فئران ABA بعناية مع تلك التي اتبعت نظامًا غذائيًا مقيدًا ولديها عجلة تمرين مغلقة. فوجدت أن فئران ABA أكلت وجبات أقل من الفئران الأخرى. وعندما تناولت الطعام وملئت بطونها، لم ينخفض ​​نشاط AgRP كما ينبغي. لقد كان هناك شيء خاطئ في طريقة استجابة الخلايا العصبية لإشارات الجوع والغذاء.

وجدت ساتون هيكي أيضًا أنها تستطيع حل المشكلة عندما جعلت الخلايا العصبية AgRP في فئران ABA تبدأ في العمل حين يحقن الباحثون مادة كيميائية معينة. وعندما عولجت هذه الفئران بالمواد الكيميائية، تناولت المزيد من الوجبات واكتسبت وزنًا. أوضح هورفاث الذي لم يشارك في العمل: “هذا له أهمية كبيرة بهذه الخلايا العصبية. فهذا يظهر أن هذه الخلايا العصبية جيدة وليست سيئة”.

وأضافت ساتون هيكي: “إن الخطوة التالية هي معرفة سبب استجابة الخلايا العصبية AgRP بشكل غير طبيعي في الفئران ABA”. وتأمل أن يكون هناك جزيء رئيسي يمكنها استهدافه بدواء ما لمساعدة المصابين بفقدان الشهية.

بشكل عام العمل على الخلايا العصبية AgRP زود العلماء بصورة أفضل بكثير عن سبب تناولنا الطعام، بالإضافة إلى أدلة جديدة ربما عن الأدوية التي قد تساعد الأشخاص على تغيير اضطراب الأكل، سواء أكان ذلك يستهلك الكثير أو القليل جدًا من العادات الصحية.

المصدر: https://knowablemagazine.org

ترجمة: شفق سعيد الصحن

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!