هل للقراءة أن تشفينا وتُهذب مشاعرنا، أم أنها مجرد خرافة من وحي خيالنا؟

هل للقراءة أن تشفينا وتُهذب مشاعرنا، أم أنها مجرد خرافة من وحي خيالنا؟

18 مارس , 2023

ترجم بواسطة:

جهاد الجمل

دقق بواسطة:

زينب محمد

حسب ما ورد في كتاب The oldest known library”  عن قصة تعود إلى الألفية الثانية، تحديدًا في مدينة طابا المصرية، حين وُجد أثر ما على بوابة مكتبة يونانية لكلمة (Psyches Iatreion) والتي تُترجم إلى العربية إلى “مَشفى الروح”.

ربما لا يُطرح القول بأن للقراءة قدرة على الشفاء لأول مرة، لكنه لازال يستثير القراء والباحثين.

بالطبع لا تنطبق هذه الفكرة على كيفية نَصب الخيمة أو القيام بأكوامٍ من الأعمال المنزلية. نتحدث هنا عن كتبٍ من المحتمل أن تمنحك بلسمًا لروحك.

وبصورة بديهية، باتت فكرة التنفيس العاطفي تتحلى بالجاذبية. ولكن هل يُحل الأمر بهذا الشكل؟ هل نقرأ لنستمتع؟ أم لنفرح؟ أم لنهرُب؟ أم لأننا نقع في حُب الكلمات؟

التنفيس والتجاوز عن طريق القراءة

وفقًا لما قاله مؤلفو The Novel Cure: an A-Z of Literary Remedies : “للرواية قُدرة على اصطحابك إلى وجود آخر ورؤية العالم من منظور مختلف، فإن للقصة سحر ولإيقاع النثرِ أثرُ على النفس، تسكينًا أو تحفيزًا”.

يحاكي البشر أو يعيدون تمثيل العالم من خلال الفن: الشعر والتمثيل والملحمة، وبناءً على ذلك بنى أرسطو آرائه التي فرّق بها الإنسان عن الحيوان.

في 1987، قال جيروم برونر أن “إعمار الأرض” هو “الوظيفة الأساسية للعقل”، في كل من العلوم والآداب. فنحنُ البشر نندفع بفطرتنا مع مجريات القصة لنحكي قصصنا الخاصة.

ماذا تفعل القراءة بنا؟

القراءة هي طريق نخوضه لنفهم عالمنا. يرى علماء النفس التطوريون أن العقل مُصمم ليقرأ، كما هو الحال بالنسبة إلى اللغة وتمييز الوجوه وغيرها من القدرات. تُحفز عملية القراءة كلاً من العمليات المعرفية – والتي تتضمن السرد – والعمليات العاطفية.

لابد أن يتناول تعليم القراءة للأطفال أساسيات الإدراك (الصوت\الحرف\الكلمة) ثم يتقدم إلى مستوى أعلى من المهارات الإدراكية لاستيعاب معاني النص (علم المعاني).

ولكن كيف تدور هذه العملية؟ أو بالأحرى كما قال ساندرز: “كيف يستطيع الكاتب إقناعك ومواساتك وإلهائك؟”

كيف تأسرنا قراءة مابين السطور؟

إعمار الأرض أو صياغة المعاني يمكن أن يحدث مباشرةً عبر اكتساب المعرفة (على سبيل المثال، عند قراءة دليل نصب الخيمة)، أو بصورة غير مباشرة عبر تفاعلنا مع المجتمع والفن وقدرتنا على صياغة المعاني.

تُثير الأعمال الفنية الفكر والشعور. يُعتبر ذلك “التواصل غير المباشر” مع الأدب واحدًا من الإمكانيات الاستثنائية (أو المميزات) التي يحصل عليها القراء.

صياغة المعنى هي عبارة عن اتفاق أطرافه: المؤلف والنص والقارئ؛ وتُعد فيه الفجوة بين الكلمات وفَهم القارئ لها – والذي تُشكله تجاربه الخاصة وميوله ودوافعه- عاملًا مهمًا. وبالتالي، قد يسعى المؤلف إلى إثارة القارئ، لكن مدى استجابة القارئ تعود إلى ظروفه الشخصية ومفضلاته، ولمهارة الكاتب دور هام بجانب تلك العوامل بالطبع.

وهناك مثال رائع وهو أندية الكتب، حيث تحتدم النقاشات حول مدى تأثير الكتب والشخصيات الأدبية على مشاعر القراء.

كما قال فلانيري أوكونر: “للكاتب القدرة على اختيار الموضوع الذي سيكتب عنه، لكنه لا يملك اختيار ما يستطيع إحياءه”. أو بصيغة أخرى، بعض الكتب تعيش للأبد في وجدان بعض القراء، بينما يمكن أن تمرّ على قراء آخرين مرور الكرام أو حتى ربما يندمون على انضمامهم لنادي الكتب.

القراءة من منظور علم الأعصاب

كتبت فرجينيا وولف عن دور الكتب كمرآة للروح، وأثبت علماء الأعصاب المعاصرين صحة فرضيتها بعد قيامهم بدراسات التصوير الدماغي. أوضحت تلك الدراسات أن عندما يعايش الإنسان تجربة تؤثر في مشاعره بصورة غير مباشرة، فإن مناطق الإحساس في المخ تتفاعل بنفس القدر الذي تتفاعل به مع التجربة المباشرة.

سيكولوجية الخيال

أوضحت كيث أوتلي – الأستاذ المتقاعد بجامعة تورونتو ولها مؤلفات في علم النفس- أن قراءة الروايات تُمكننا من “محاكاة” مجتمع نختاره بأنفسنا بأبطاله ومعاناتهم، ونتبع أساليبهم في حسم الصراعات.

وبهذا الشكل نتمكن من استيعاب عواطفنا ومواجهة متاعب حياتنا بصورة غير مباشرة. بل أنه أكثر تأثيرًا من اقتراح الحلول. أوضح البحث الذي قام به أوتلي أيضًا أنه على المدى الطويل، يُهذب اندماج القراء مع الخيال – خاصةً الخيال الأدبي-  عواطفهم ويعزز قدرتهم على الإحساس بالآخر– والذي ترمز إليه “نظرية العقل”.

ومن هذا المنطلق، تدفعنا القراءة إلى فهم العوالم الخاصة للآخرين إلى جانب عالمنا. بل أنها تمكننا من رسم حياتنا من جديد في خيالنا، خاصةً إن لم نكن سعيدين بالحياة التي نعيشها بالفعل. وعلى هذا النحو، يمكن للقراءة أن تمنحك متسعًا للهروب، وطريقة لتخيل – بل وربما للتخطيط- طرق أخرى للحياة.

قالت ليزا سان شاين في كتابها Why We Read Fiction: “يساعدنا الخيال على تنميط رؤية جديدة لمشاعرنا و تصوراتنا، وابتداع معانٍ جديدة لحياتنا اليومية”.

وبغض النظر عن المكاسب العملية لهذا النوع من الرياضة المعرفية والعاطفية، قالت سانشاين إن أكبر الأسباب التي يعزو إليها ذلك هو المتعة نفسها.

المصدر: https://neurosciencenews.com

ترجمة: جهاد الجمل

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!