الاندماج النووي: كيف سيحوّل العلماء إنجازهم الأخير إلى مصدر طاقة نظيفة جديدة

الاندماج النووي: كيف سيحوّل العلماء إنجازهم الأخير إلى مصدر طاقة نظيفة جديدة

18 فبراير , 2023

ترجم بواسطة:

نسرين الحمد

دقق بواسطة:

زينب محمد

بعد عقود من الجهد المتواصل، وصل العلماء في الولايات المتحدة الأمريكية إلى هدفهم المنشود وهو

 الإشعال باستخدام الاندماج النووي، إذ يتميز الإشعال استهلاك طاقة أقل من الطاقة الناتجة.

تغمر السعادة العلماء في مختبر لاورينس ليفرمور الوطني التابع لمرفق الاندماج الوطني، فقد وأخيرًا تنفسوا الصعداء لأنهم تمكنوا من تحقيق الاندماج الذي استوحي منه اسم المرفق.

 ولكن، هل من المفترض أن نفرح بهذا الإنجاز نحن أيضًا؟ وما علاقة هذا الإنجاز بإمكانية إنتاج كميات لانهائية من الطاقة النظيفة، وماذا نحتاج أيضًا للحصول على هذه الطاقة النظيفة؟

في حين أن تفاعل الاندماج يصدر طاقة أكبر بكثير من الطاقة المصروفة في الهدف، إلا أن هذا لا يأخذ في الحسبان الكميات الأكبر بكثير من الطاقة اللازمة لتفجير الليزر المستخدم في بداية التجربة. كما أن موجة الطاقة الصادرة أثناء التجربة لم تكن على هيئة كهرباء بل على هيئة نبضات من الجزيئات الطاقية وإن تسخير هذه الجزيئات لإنتاج الكهرباء- مع الحفاظ على عمل مفاعل الاندماج بصورة متواصلة- ينطوي على عدة عقبات.

بالرغم من ذلك، لا يسعنا إلا الإعتراف بأهمية تفاعل الاندماج كونه إنجاز مبهر ومن شأنه جذب الكثير من الاهتمام، والكثير من أموال الدعم وتخصيصها في تذليل تلك العقبات.

التجربة: الآلية والنتائج

دعونا أولاً نلقِ الضوء على الإنجازات التي تحققت حتى الآن، فقد استخدم العلماء شعاع ليزر عالِ الطاقة بغية توجيه طاقة تساوي 2.05 مليون جول نحو هدف صغير يحتوي على وقود الاندماج. هذه العملية  دفعت الأنوية الذرية الخفيفة الموجودة داخل الوقود إلى خلق أنوية أثقل وتحرير طاقة تبلغ 3.13 مليون جول. وفي تلك اللحظة وخلال أجزاء من الثانية حدث انفجار طاقي شديد نتج عنه طاقة أكبر من عشرة آلاف أضعاف الطاقة التي تنتجها محطات الطاقة حول العالم مجتمعة.

يضم مبنى المرفق 192 شعاع ليزر فردي يتردد ذهابًا وإيابًا على مسافة كيلو متر واحد لتصل إلى الهدف. ويتكون هذا المبنى الذي يضم كل هذه التقنية من 10 أدوار، وتبلغ مساحته مساحة 3 ملاعب كرة قدم أمريكية.

تندرج أبحاث الاندماج النووي تحت نطاقين رئيسين، أحدهما يدعى الاندماج المدفوع بالليزر، والآخر يدعى الاندماج بالحصر المغناطيسي. أما الأخير فيلزم رفع وقود الاندماج على هيئة بلازما (غاز مشحون) باستخدام حقل مغناطيسي كبير.

في حين يلزم الاندماج المدفوع بالليزر التفجير الداخلي لكبسولات وقود الاندماج الصغيرة لتصل إلى مستويات عالية جدًا من الكثافة فينشأ حينئذٍ الاشتعال بسرعة كبيرة فتصدر دفعة طاقة شديدة قبل أن يتسنى للوقود بالتصاعد والتطاير. 

في كلا النوعين، يلزم إشعال الوقود. ولإشعاله يلزم تسخينه لحرارة تزيد عن عدة عشرة ملايين درجة على مقياس سيليسيوس وهذا تحديدًا ما يجعل من الاندماج بهذه الطريقة أمرًا صعب التحقيق.

الاندماج المدفوع بالليزر يلوّح بتحديات عظيمة

تركز تقنية الاندماج المدفوع بالليزر على النبضات وتنطوي على عقبة كبيرة تدعى معدل التكرار، فالطاقة  تنتشر عبر اندفاعات قوية خلال أقل من بليون جزء من الثانية ويجب أن تتكرر هذه العملية عدة مرات كل ثانية لكي تتمكن من إنتاج طاقة تساوي المعدل الوسطي من الطاقة التي تنتجها محطات الطاقة المعتمدة على الوقود.

يعتبر الليزر المستخدم في المرفق، طبقًا لهذه المعايير، بطيئًا جدًا ذلك لأنه يمكن إطلاقه مرتين في اليوم فقط. ولكن يسعى المرفق إلى برهنة إمكانية تحقيق الإشعال باستخدام طلقة واحدة من الليزر فيخالف المتطلبات الاعتيادية لمحطة الطاقة الفعلية.

من الأسباب الأخرى لتأخر تحقيق نجاح الإشعال هو انشغال المرفق بأهداف أخرى فهو يدعم أيضًا برامج الولايات المتحدة الامريكية للأسلحة النووية.

المبادئ الفيزيائية الكامنة وراء الاندماج المدفوع بالليزر معقدة جدًا ومتعددة الأوجه لدرجة أن محاكاة الحاسب لهذه التجربة تستغرق وقتًا أطول من التجربة الفعلية. في السابق لم يكن باستطاعة واضعي النماذج توجيه الباحثين بالخطوات اللازمة لقيام التجربة فهم أنفسهم كانوا يتعلمون من خلال التجارب، ولكن التقارب الكبير بين النماذج والتوقعات ونتائج التجارب رسخ النجاح الأخير في المرفق ويبشر بتطورات جيدة في تصميم الهدف. كما يتعين على واضعي النماذج والباحثين في الأشهر القليلة القادمة برهنة إمكانية إعادة تحقيق النتائج، الأمر الذي ثبتت صعوبته في الماضي.

هناك أيضًا عدد من العقبات التي يجب تخطيها، إذ انصبت الجهود على تصميم وإنشاء أشعة ليزر قادرة على إطلاق نبضات عالية الطاقة عدة مرات في الثانية الواحدة. وتتمثل عقبة أخرى بحاجة الليزر المستخدم في المرفق لاستهلاك 300 مليون جول من الطاقة الكهربائية لإنتاج مليونا جول من ضوء الليزر أي جدوى تجارية بنسبة 1%. بمعنى آخر، يتعين على الهدف إنتاج طاقة كبيرة غير معقولة ليعوض فارق الطاقة المصروفة في تشغيل شعاع الليزر.

من ناحية أخرى، تعتمد تقنية الليزر المستخدمة في المرفق على تقنيات ترجع إلى ثمانينات القرن العشرين، وهي تقنية تستخدم مصابيح وامضة ومضخمات مصنوعة من بلاطات زجاجية مذممة بعناصر من النيوديميم النادر. أما أشعة الليزر الحديثة عالية الطاقة والمعتمدة على تكنولوجيا أنصاف الموصلات قادرة على تحقيق نتائج أفضل، إذ تبلغ نسبة جدواها 20%، في حين أنه يتوقع من أهداف الاندماج المدفوع بالليزر أن تنتج طاقة تزيد عن 100 عند عملها بصورة مثالية إلا أن أشعة الليزر الحديثة يمكن أن تنتج صافي طاقة ضخم.

بناء مفاعل نووي يعمل بنجاح مازال حلم بعيد المنال

أحد التحديات التي ينطوي عليها الاندماج المدفوع بالليزر يكمن في تخفيض تكلفة الأهداف، إذ إن تكلفة العامل الواحد من عمال صناعة أهداف المرفق تساوي تكلفة سيارة جديدة. ففي كل مرة يُطلق فيها الليزر يلزم وجود هدف جديد، ولإنتاج طاقة فعلية هذا يعني استهلاك هدف جديد عدة مرات في الثانية. علمًا أن الهدف المستخدم في المرفق يعتمد على تقنية تدعى الدفع غير المباشر، وفيها يقوم الهدف أولاً بتحويل طاقة الليزر إلى أشعة إكس التي بدورها تفجر كبسولات وقود الاندماج الموجودة داخل الهدف داخليًا مما يزيد تكلفة العملية وتعقيدها.

يعتبر معظم العلماء أن الطريقة الوحيدة لنجاح الاندماج المدفوع بالليزر تكون باستخدام الإشعال عن طريق الدفع غير المباشر، والتي تكون عبر إشعال الليزر مباشرةً لكبسولة وقود بسيطة كروية الشكل، ولكن لم ُيبرهن هذا النهج عمليًا بعد.

يصدر الوقود المستعمل في المعهد (المتكون من الديتوريوم والتريتيوم) الطاقة على هيئة نيترونات مشحونة بطاقة عالية (النيترونات، إلى جانب البروتونات، هي إحدى محتويات نواة الذرة)، فتتفاعل النيترونات مع محتويات حوض المفاعل وتغير من تركيبتها وبنيتها المجهرية.

هذا يخلق تحديات خطيرة تتعلق بالمحتويات الضوئية التي وظيفتها نقل ضوء الليزر وعكسه بكفاءة. يقترح بعض العلماء تطبيق ذات الأسس الفيزيائية ولكن بطرق بديلة قد تكون عبر استخدام طاقة كهربائية ومضية مباشرة أو أشعة أيونية مركزة. (الأيون: عبارة عن ذرة مشحونة).

تقود أبحاث الاندماج بالحصر المغناطيسي الكثير من جوانب البحث المتعلقة بإنشاء المفاعل النووي، كما فُرض عليها حل الكثير من المشاكل المشابهة لهذه أثناء تصميم وبناء مفاعل أيتر (IETR) الذي يهدف أيضًا لإنتاج الطاقة والذي قد اقترب من الاكتمال في شمال فرنسا. كما تتكاتف جهود العلماء والمهندسون جنبًا إلى جنب كلٌ حسب خبراته على نواحٍ تتعلق بإنشاء المفاعل.

بقيت طاقة الاندماج الحلم المنشود لقرون عديدة، وبالرغم من وجود عقبات كبيرة تترصد العلماء في سعيهم الدائم لتطوير تقنية الليزر وتصميم المفاعل، لن تضيع جهودهم سدى وسيصلون إلى حلم محطات الطاقة النووية الاندماجية، حتى بات بعضهم متأكدًا أن الطاقة المولّدة من الاندماج أصبحت قاب قوسين أو أدنى.

المصدر: https://phys.org

ترجمة: نسرين محمود الحمد

لينكد إن: nisreen-alhamad

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!