استعدَّ! عدوان ثلاثي قادم من الفيروسات الموسمية

استعدَّ! عدوان ثلاثي قادم من الفيروسات الموسمية

7 يناير , 2023

من تداعيات جائحة الكورونا عدم تعرض الكثير إلى الفيروسات التنفسية المعتادة، مما جعلهم في خطر أكبر للإصابة هذا العام.

إنها قصة مكررة، في كل عام وبمجرد دق الأجواء الشتوية الأبواب، يتحصن الناس بالمنازل من البرد، ويُبدّل العاملون منهم المشي أو ركوب الدراجات بالحافلات والقطارات المزدحمة، وفي هذا الهروب العالمي الى الدفء، تتكثف الأنفاس على شبابيك المنازل والمكاتب والمدارس والمواصلات، ومن رحم هذا التحصن الممتاز من البرد، تولد البيئة المثالية لحضانة وتكاثر الفيروسات.

إن أحداث موسم الفيروسات التنفسية متوقع’ بمجرد بدايتها، حيث يتوافد المرضى المصابون بالإنفلونزا أو بالفيروس التنفسي المخلوي إلى المستشفيات، وتقدر أعدادهم بالآلاف تقريبًا في شهر أكتوبر في نصف الكرة الشمالي وقد يتوفَّى الكثير منهم.
ولكن وبغض النظر عن السنة الصعبة الغريبة، فإن المرافق الصحية في أوروبا وأمريكا الشمالية عادةً كافية لاحتياجات المرضى.

وقد عبثت الجائحة بسير الأحداث المتوقع، بإضافة فيروس جديد للمزيج الموسمي، حيث تعود الإنفلونزا والفيروس التنفسي المخلوي للانتقام فيما يبدو وكأنه “عدوان ثنائي” أو “عدوان ثلاثي”.


إذا اتحدت الفيروسات الثلاثة في ضربة واحدة، ستتفاقم الأمراض وستتهاوى الأنظمة الصحية تحت ضغط المرضى، وهناك بالفعل علامات على حدوث هذا.

امتلأت بالفعل العديد من المستشفيات في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ترعى أعدادًا مهولة من الأطفال المصابين بالعدوى التنفسية المخلوية وفيروسات أخرى، وقد فاقت الأعداد كل التوقعات لهذه الفترة من السنة.


لا تَتَبَّعَ مراكز السيطرة الأمريكية على الأمراض والوقاية منها (CDC) حالات الفيروس التنفسي المخلوي، وعدد الحالات المحجوزة بالمستشفى وعدد الوفيات كما تَتَبَّعَ حالات الإنفلونزا، ولكن تقارير المستشفيات في أنحاء البلاد تبلغ عن وصول العدوى الى ذروتها وهو ما لا يحدث عادة الا في شهور ديسمبر ويناير.


 تقريبًا خُمس تحاليل تفاعل البلمرة المتسلسلة (PCR) كانت إيجابية في الأسبوع المنتهي في 29 أكتوبر، وقد تضاعف هذا المعدل مع مرور الشهر.


عمومًا، كلما ازدادت نسبة التحاليل الإيجابية، زاد انتشار العدوى في المجتمع. وفي الثلاث سنوات السابقة لجائحة الكورونا كان متوسط الحالات الإيجابية في أكتوبر لا يزيد عن 3%.

وهذا يعتبر من مخلفات الجائحة، فبفضل الإجراءات الوقائية من الكورونا مثل: ارتداء الكمامات وغسل الأيدي والعزل، كُبحت الإنفلونزا والفيروس التنفسي المخلوي على مدار السنتين الماضيين.


طبقًا لمركز (CDC): فقد ظلت تحاليل الفيروس التنفسي المخلوي الإيجابية أقل من 1% مما كانت عليه قبل الجائحة في الفترة بين بداية الجائحة ومارس 2021.

حذر خبراء الصحة في مجلة “ذا لانسيت” في يوليو من هذا العام، من أن فوائد احتياطات الجائحة قد يكون لها تأثير سلبي في هذا الشتاء. وقد جادلوا أن تقليل التعرض للفيروسات المعتادة (الإنفلونزا والفيروس التنفسي المخلوي)، سوف يخلق فجوة مناعية في كلٍ من الأطفال المولودين أثناء الجائحة أو من لم يتعرضوا للفيروس مسبقًا بالكم المُكسب للمناعة.

وقد كان تحذيرهم صادقًا، فالأطفال المصابون بالعدوى للمرة الأولى في حياتهم بدون أي مناعة مسبقة يعانون.
تقول راشيل بيكر، الأستاذة المساعدة لعلم الأوبئة بجامعة براون في رود آيلاند، والمؤلفة المشاركة للمقال في ذا لانسيت: “نرى أطفال في أعمار متقدمة مصابون بالعدوى لأول مرة ومن المفترض أن تكون قد مرت عليهم في عمر أصغر، وهذا يضع بعضاً من الضغط على المستشفيات”.          

الأعراض المعتادة للفيروس التنفسي المخلوي بسيطة، مثل أعراض الزكام، ولكن الأطفال برئتيهم الصغيرة وعضلاتهم الضعيفة، لا يستطيعون طرد المخاط المتراكم في مجراهم التنفسي، ورغم أن الوفيات نادرة، إلا أن الفيروس قاتل.


وأيضًا البالغون ذوي المناعة المنخفضة في خطر، كالمسنين أو المصابين بأمراض أخرى، وعلى عكس الإنفلونزا والكورونا، لا يوجد لقاح معتمد للفيروس التنفسي المخلوي (وتقوم فايزر بتطوير لقاح للحوامل لحماية الرضع، وقد يتوفر في العام القادم).

وقد ارتفعت نسبة المحجوزين بالمستشفى لعلاج الإنفلونزا في الولايات المتحدة هذا العام أيضًا، فقد وصلت حتى 13 ألف حالة حتى الآن، توفى منهم 730 شخص.


صرّح خوسيه روميرو، مدير المركز الوطني للتلقيح وأمراض الجهاز التنفسي التابع لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في نوفمبر أن معدل مرضى الإنفلونزا المحتاجين إلى رعاية المستشفى هو الأعلى منذ 10 سنوات. وبالمثل تعاني أوروبا.

فقد أعلنت وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة عن ارتفاع نسبة الإقامة في المستشفى بسبب الأمراض التنفسية، وترتفع النسبة أكثر في الأطفال أقل من خمسة أعوام.

إن مرور نصف الكرة الجنوبي بفصل شتاء في غاية الصعوبة – لقد عانت أستراليا من أسوأ موسم للإنفلونزا منذ خمس سنوات – هو دليل واضح أن النصف الشمالي سوف يعاني وبشدة! فبعد ست شهور الفيروسات المنتقلة في شتاء النصف الجنوبي ستصيب النصف الشمالي، أي أن زيادة المرض في أستراليا هي دليل على ضراوة العدوى القادمة الى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.


يقول نيل مابوت، أستاذ أمراض المناعة في جامعة إدنبرة في المملكة المتحدة: “بالنسبة للعديد من البالغين الأصحاء قد يكون هذا مجرد إزعاج، ولكنه للمرضى فهو مشكلة مقلقة”.

هذا الشتاء وللمرة الأولى ستعيث هذه الفيروسات الثلاثة فسادًا بدون رادع، أي أن الاحتمال الأكبر أن الأمور ستسوء بشدة. ولكن السارس-كوف 2 (فيروس كورونا المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة النوع 2)، ذا القدرة العالية على التحور، غير قابل أبدًا للتوقع.


تقول ماري كرولاند، الأستاذة المساعدة الباحثة في جامعة بيتسبرغ، والتي تحاول نمذجة السارس-كوف2 والإنفلونزا: “إنه حلم وكابوس لأي شخص يحاول التوقع”.  

وتزعم كرولاند أنه من الممكن عودة موجات شديدة من الكورونا هذا الشتاء، بسبب عدم وجود نية لإعادة الإجراءات الوقائية، مما سيزيد من الضغط على الخدمات الصحية. وليس من الواضح بعد أن كانت هذه الموجات ستتزامن مع ذروة الإنفلونزا أو الفيروس التنفسي المخملي.


تردف كرولاند: “يمكنك تخيل العديد من السيناريوهات، ولكن لا يمكنك تأكيد أيهم الأقرب للحدوث”. في هذه اللحظة، معظم إصابات الكوفيد بسبب سلالة المتحور أوميكرون، والذي يسبب أعراضًا أخف من الصور الأولية للفيروس ولكنها تستطيع الهرب من مناعة اللقاحات والعدوى السابقة.


هذه المتحورات والمتحورات الفرعية يتنافسون فيما بينهم على جسد الإنسان، وإذا ظهر متحور أكثر عدوانية وفاز على الباقين، سترتفع نسبة الحالات مجددًا وسيظهر التأثير جليًا على المستشفيات وعلى تعداد الوفيات.

ترتعب الأنظمة الصحية من سيناريو حدوث وباءين أو ثلاثة بالتوازي، وأيضًا من احتمالية الإصابة بأكثر من فيروس. فلا يستطيع العلماء الجزم كيف تتفاعل الفيروسات معًا، ولكن هناك دليل أن الإصابة المتوازية بالإنفلونزا والسارس-كوف-2، تزيد من حدة المرض وفرص الوفاة، فعندما دٌرس حوالي سبعة آلاف مريض محجوز في المستشفى بسبب الكوفيد-19، وجد الباحثون في المملكة المتحدة أن 227 مريضًا كان مصابًا أيضًا بالإنفلونزا، وكانوا الأكثر احتياجًا للتنفس الاصطناعي.  

ولكن الطريقة نفسها التي تتفاعل بها الإنفلونزا مع الفيروس التنفسي المخلوي وتأثيرها على مسار المرض ليست واضحة. كانت هناك بعض الدراسات التي حاولت استكشاف هذه العلاقة، ولكن أتت نتائجها متضاربة.


يوضح بابلو مورسيا، أستاذ علم الفيروسات التكاملي بجامعة جلاسكو أن هناك العديد من العوامل المربكة، التي تزيد الطين بلة في العدوى المترافقة مثل الأمراض الموجودة بالفعل لدى المريض أو حالته المناعية، أو سلالات الفيروسات، و المدة بين العدوى الفيروسية الأولى والثانية.


كما أن العدوى المترافقة – الإصابة بأنواع مختلفة من الفيروسات في نفس الوقت – هي احتمالية مقلقة. 
في الدراسة التي أجراها بابلو وفريقه، حيث أصابوا الخلايا الرئوية البشرية بكلا الفيروسين عن قصد، ووجدوا أنهم قد اندمجوا سويًا لتكوين فيروس هجين يشبه النخلة التي يمثل فيها الفيروس التنفسي المخلوي الجذع والإنفلونزا الأوراق.


هذا الهجين قادر على إصابة خلايا أخرى حتى في وجود الأجسام المضادة للإنفلونزا، أي يستخدم شكله الجديد للهرب من المناعة ضد الإنفلونزا. وقد نشرت نتائجهم في مجلة “نيتشر” للأحياء الدقيقة في أكتوبر، ويوضح موريا أنه ليس من المعلوم بعد استطاعة الفيروس الهجين التكون داخل الانسان، وحتى لو، هل هو قادر على التسبب بالمرض؟

تتوقع كرولاند أن يصاب عدد قليل من الأشخاص بعدة فيروسات في نفس الوقت، بشرط البقاء في المنزل بمجرد ملاحظة أعراض العدوى، حتى لو كانت خفيفة.


 تقول كرولاند: “الثلاثة الآن نوعًا ما في مرحلة التنافس على المضيفين، وإذا كانوا كذلك، فقد يؤدي ذلك الى القضاء على الموجات الفيروسية الثلاثة، ولكن إذا كان ذلك سيحدث أو إذا كان سيمنع المستشفيات من الانهيار تحت ضغط المرضى، فالأغلب أننا لن نعرف حتى الربيع”.

المصدر: https://www.wired.com

ترجمة: أحمد عاطف سالمان

مراجعة وتدقيق: د. فاتن ضاوي المحنّا

تويتر: @F_D_Almutiri


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!