لتنجح يجب أن تتخلّى بقدر ما تتعلم

لتنجح يجب أن تتخلّى بقدر ما تتعلم

7 يناير , 2023

ترجم بواسطة:

رشا الحربي

دقق بواسطة:

زينب محمد

أهمية التخلّي عن العادات والأفكار التي لم تعد تجدي نفعًا.

النقاط الرئيسية

  • لا يتطلب النجاح والإقبال على الحياة التزامًا بمواصلة التعلم والاكتساب فحسب، بل وأيضًا بالتخلّي عن السلوكيات التي لم تعد تجدي نفعًا.
  • التخلّي لا يشبه الاكتساب والتعلم فهو ليس مجرد عنصر إضافي مكمل.
  • نحن لا نتطور بالطريقة التي تعمل بها أجهزة الكمبيوتر، حيث يجب علينا أن نتساءل باستمرار عن معتقداتنا وقيمنا.

نحن نثني دومًا على المتعلمين مدى الحياة، تلك الأرواح الشجاعة التي تظل تتحدى ذاتها لتخرج من قيودها وتستكشف مكامن قوتها دون أن تتخلّى عن إحساسها بالفضول والمغامرة، والمتمسكين بشغفهم وأهدافهم مهما حدث.

لكن النجاح يتطلب أيضًا التزامًا بالتخلّي أحيانًا عن السلوكيات والافتراضات والأفكار والآراء الشائعة وطرق التفكير والتصرفات التي لم تعد تجدي نفعًا ولاتُناسب الظروف المتغيرة لحياتك أو التي قد لا تعود عليك بمنفعة سواء على المستوى الفردي أو على المستوى التنظيمي أو الثقافي.

كما كتب عالم المستقبل ألفين توفلر (Alvin Toffler): “لن يكون الأمي في القرن الحادي والعشرين من لا يعرف القراءة والكتابة، بل أولئك الذين لا يتعلمون ويتطورون ولا يتخلون عما تعلموه وينقضونه ولا يعاودون التعلم من جديد”.

قد تبدو هذه العبارة شعارًا رائعًا على ملصق في مكتب الموارد البشرية، ولكن من الصعب جدًا تطبيقها، فنحن لا نقوم بتطوير أنفسنا ونتخلص من رواسب أفكارنا القديمة بالطريقة التي تعمل بها أجهزة الكمبيوتر — مثل فتح الإعدادات وتحديد نظام تشغيل جديد ومن ثمّ التثبيت—  فعلى النقيض من ذلك يجب أن نتساءل ونشكك بأنفسنا وفي قراراتنا ومدى فعاليتها – والاستنتاجات التي توصلنا إليها، والمعتقدات التي نتمسك بها والحكم التقليدية التي اتبعناها والعادات التي شكلناها والأهداف التي وضعناها وحتى القيم التي نعيش بها.

وعند دخولك لنطاق عمل جديد مغاير أو عالم مختلف عن الذي نشأت فيه أو علاقة جدية أو حتى بحثك الجلي عن مجتمع يسوده الصدق والذكاء العاطفي، جميع هذه الأمور تتطلب منك إجراء إصلاحات من وقتٍ لآخر، مبتدأً بسؤال نفسك ما الذي نجح منها في حياتك وناسبتك وما ليس كذلك وما الذي استفدت منه مسبقًا ولكنه لم يعد يجدي نفعًا الآن – أي ما أكياس الرمل التي يجب التخلص منها حتى يرتفع البالون خاصتك؟

لكن تفكيك العادات والمعتقدات التي ربما قد قضيت حياتك كلها في شحذها هي مجازفة ليست لضعاف القلوب، فما يلزمك بالواقع ليس فقط التخلص من العادات السيئة مدى الحياة أو ما اعتدت على فعله أيًا كان ولكن أيضًا التخلص من العادات التاريخية متعددة الأجيال وأفكار الأسلاف التي عفا عليها الزمن وحتى مفهوم قوة التطور بحد ذاته.

ففي رحلة إلى اليونان في العشرينات من عمري، جربت الغطس لأول مرة واستغرقني الأمر وقتًا طويلاً (أي أكثر من ساعة) قبل أن يتوقف عقلي عن الأمر بإغلاق فمي بمجرد أن يصبح وجهي تحت خط الماء. وفي تعلم هذا النشاط الجديد -الذي حاولت من خلاله تجربة عالم جديد لنفسي – كان علي أن أتغلب على ملايين السنين من غريزة حبس الأنفاس تحت الماء، طبعًا لم أتعلم كيفية التخلص منها نهائيًا لكنني بالتأكيد تعلمت تجاوزها مؤقتًا.

وفي الآونة الأخيرة، عملت أنا وشريكي على التخلص من بعض العادات السيئة في مجال تسوية النزاعات، بعد أن اكتشفنا أن هناك أنماطًا دفاعية تؤثر علينا سلبًا وباستمرار. لذلك نحن لانتدرب على مهارات الاتصال وتسوية النزاعات الجديدة فحسب، بل نحاول التخلص من بعضها مثل ردات الفعل السريعة تجاه النقد والدفاع عن أنفسنا عندما يُساء فهمنا ووضع افتراضات حول نوايا الشخص الآخر وتجاهل ما يثير أعصابنا.

لكن مفهوم التخلّي على النقيض من الاكتساب والتعلم، فهو ليس مجرد عنصر إضافي -أي كإضافة معرفة أو عادات جديدة إلى مخزونك الحالي، بل هو عمل اختزالي يتطلب منك إيقاف سلوك معين أو التشكيك في افتراض مسبق أو أحد التوقعات أو إيقاف عادةٍ ما، أي باختصار عدم قيامك بما اعتدت على فعله.

إنه أيضًا إدراك وقبول لحقيقة أن التغيير يجب أن يحدث، وأن طريقتك القديمة في القيام بشيء ما لم تعد تجدي نفعًا، حينها ستبحث وتنقب عن مصادر جديدة لاستقاء المعرفة والإلهام سواء من خلال الكتب أو مقاطع الفيديو أو الدروس والدورات التعليمية أو برامج التوجيه، ومن ثمّ ستمحو معلوماتك ومعارفك القديمة وتعيد تشكيل بعضها وتستبدلها بالمعلومات الجديدة أي ستُحدّث وتصحح كل ماتعرفه بالكامل، حيث سيبدو الأمر كما لو أن جهاز الكمبيوتر خاصتك ينبهك إلى أن هناك «ملفًا يحمل نفس الاسم موجود بالفعل» ويُخيرك إما باستعادة الملف القديم أو حفظ ملف جديد في مكانه.

ويؤدي تحديث واستبدال ملف قديم إلى ما يسميه علماء النفس “بالانقراض” وهو الضعف التدريجي للاستجابة المشروطة وبالتالي يتوقف السلوك الذي ينشأ عنه في النهاية، فإذا كان الكلب يسيل لعابه عند سماع صوت رنين الجرس (متوقعًا الطعام) وبدأتَ في قرع الجرس ولكن دون إعطائه الطعام فإن استجابة الكلب اللعابية ستنقرض في النهاية.

كنت مراسلاً صغيرًا عندما ظهرت أجهزة الكمبيوتر لأول مرة في غرفة الأخبار، وأتذكر أن رئيس التحرير أصرّ على أن أتوقف عن كتابة قصصي يدويًا كما اعتدت وأن أتعلم التفكير والكتابة على الكمبيوتر، ولم أجد حينها تشجيعًا أو مكافأة على القيام بالأشياء بالطريقة القديمة، أي إنها اندثرت، وعلى الرغم من أنها أبطأتني في البداية وأحبطتني، إلا أنها في النهاية عملت على تبسيط عملي.

وساعدني مدير إعلانات من معارفي في فهم كيفية عملها، حيث أخبرني أنه بعد أن أخذ موظفو وكالته ندوات حول المبيعات أو الإنتاجية، لأن الأعمال تراجعت لمدة شهر أو شهرين قبل ارتفاعها مرة أخرى، وأثناء تعلُمهم للأفكار والتقنيات الجديدة التي تحدت عاداتهم القديمة غامروا حينها بما يتجاوز الأساليب والنهج التي نجحت في السابق، لكن السلوكيات الجديدة لم تصبح تلقائية في البداية، وقبل أن تصبح عادة لديهم ظهر الجهد الإضافي الذي بذلوه على شكل تراجع في الأداء، ولكن على المدى الطويل هذه المهارات الجديدة جعلتهم أكثر إنتاجية.

ويتوجب عليك الصبر عند حدوث هذه التغييرات والإصلاحات والاستعداد للتراجع خطوة واحدة من أجل اتخاذ خطوتين إلى الأمام، فبعد كل شيء أنت تحاول التفكير والتصرف وإدراك الأشياء بطريقة مختلفة، وقد يتطلب منك أحيانًا صبرًا على مر السنين إن أردتَ تحطيم المعتقدات والتحيزات والسلوكيات الراسخة في كثير من الأحيان والتصورات الأساسية التي تغذيها.

هذا مانحاول تحديدًا اكتشافه أنا وشريكي أثناء عملنا على تفكيك نزاعاتنا وفهم مسبباتها ومثيراتها؛ ما الذي يحفز كل واحد منا والفرق بين ردود الفعل والاستجابات وأي منها يجدي نفعًا والعكس وما هي الافتراضات التي نقدمها إلى طاولة المفاوضات وما الذي نحتاجه من بعضنا البعض عندما ننفعل وكذلك العصف الذهني لحلول مربحة لكلا الجانبين.

ويزداد الموضوع صعوبةً إذا واجهتك اعتراضات من نظام أكبر – سواء كانت عائلتك أو مجتمعك أو شركتك أو صناعتك أو ثقافتك عامة- خصوصًا عندما لا يشجعون السلوكيات وطرق التفكير الجديدة، فكلما كبُر النظام وتعقد، زادت مقاومتهم للتغيير وتأصلت العادة لديهم، وإذا كان من الصعب على الفرد فعلها فإنه يصعب عليه التأقلم مع المجتمع.

وبالنسبة لكيفية شحذ حافز التخلّي، ربما سيفوق الألم المكاسب وستلاحظ أن النمط القديم أصبح اقتراحًا لا جدوى منه إن لم يعرقل همتك ورغبتك بتحديد من تكون وكيف تريد أن تعيش، ولكن سيتوجب عليك الاعتراف بذلك لنفسك وهذا يحدث عادةً بعد وقت طويل من بدء مرحلة الإدراك بعد تراكم العديد من التجارب والبراهين.

ومع ذلك، إذا كانت مكافأة حافز التخلي كبيرة – أي لو كانت حصيلتك من الطعام نتيجة إتباعك السلوك الجديد أكبر من تلك التي تحصل عليها من السلوك القديم – فمن المرجح أنك ستتخلى عن السلوك القديم، فلنفترض أن عليك التخلص من الأنماط الدفاعية القديمة والتي “منحتك” إحساسًا مؤقتًا بالقوة وحماية الذات والتحكم في حدودك الهشة والمثيرة للقلق أو شعور الفرحة والانتصار عندما تكون “على حق” أو “عند فوزك بنقاش”، ولكن ردة الفعل الجديدة (أي استجابتك) غير الدفاعية ستمنحك إحساسًا أكبر بالتقارب والتوافق مع شخص ما – وهو نوع من الشعور العميق بالأمن والأمان- أو تُشعرك بحب وتصالح تجاه نفسك أو القدرة على تجنب الغضب والتوتر الناجم عن استمرار الصراع والخلل الوظيفي، فقد يؤدي ذلك إلى ترجيح كفة الميزان لصالح النهج الجديد.

والحقيقة هي أن الانقراض جزء من التطور، والطبيعة بحد ذاتها تعمل من خلال التركيز على الصالح وليس العكس، على النجاحات وليس الفشل والإخفاقات؛ أي على مدى التكيف والقابلية. ومن المسلّم به أن الجدول الزمني للتطور يستغرق وقتًا أطول بكثير مما يتعين علينا كأفراد العمل عليه ومتابعته لذا رحلة تعلمنا بمراحلها الثلاث تحتاج لدفعة معنوية حتى وإن كان اليأس دافعها.

عندما روج المؤلف مالكولم جلادويل (Malcolm Gladwell) فكرة أن الإتقان في أي مجال من مجالات العمل يتطلب منك ما لا يقل عن 10000 ساعة من الممارسة المكرسة والمثابرة، من المؤكد أنه كان يعني من خلال ممارسة العادات الجيدة وليست السيئة منها، وإلا فإنك ستقوم فقط بتعزيز الخلل الوظيفي، وهذا ينطبق أيضًا على إتقان فن التخلّي من خلال التركيز على ما يفيدك وترك ما لا يفيدك خلفك وبذلك ستعزز تطورك ونجاحك.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: رشا الحربي

تويتر: @eunlina7

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!