الحرب تُلازم المنام

الحرب تُلازم المنام

6 يونيو , 2022

ترجم بواسطة:

إكرام الدعاسي

دقق بواسطة:

زينب محمد

إن تشارك الأشخاص في الحديث عن أحلامهم ممارسة وسبيل للتواصل العاطفي ولا سيما في زمن الحرب.

تغدو الأحلام المُرعبة والكوابيس شائعة للأسف في زمن الحرب.

يمكن أن تُعبِّر الأحلام المتعلّقة بالحرب عن مشاعر تَستبِّد بالإنسان وتنتزع منه الصفة الإنسانية.

إنّ تشارك الأشخاص أحلامهم مع بعضهم البعض يوطد التواصل العاطفي مع أشخاص مختلفين.

في خضم الأجواء الكئيبة للأبحاث السابقة بشأن الأحلام في زمن الحرب (بما في ذلك كتاب شارلوت بيرات ذي ثورد ريتش أوف دريمز) يمكن أن نتوقع تدفق سيل من الأحلام القوية والمرعبة يفصح عنها الأشخاص الذين كابدوا خسائر فادحة وتفككًا صادمًا ناجمًا عن هجوم روسيا على أوكرانيا.

شرعنا في جمع تقارير أحلام أشخاص من أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا ودول أخرى طالتها يد هذه الحرب بالتعاون مع إليسا منيوكوفا وأعضاء آخرين من مشروع رسم الخرائط وهي مجموعة دولية يُكرَّس نشاطها للدمج بين الفن والأحلام والثقافة.

 يبدو وقع هذه الحرب على التخيلات الليلية للأشخاص جليًا وهو مباغت وشديد.

أقول صراحةً أن قائمة الأحلام التي كانت بحوزتنا تشوبها صور غريبة ومشاعر عجيبة وتحولات مريعة للأحداث ويبدو أنهم يتخذون من أحلامهم قوة وقدرة على بلورة المعنى إلى أقصاه، إذ يتعسّر على كل فرد حالم إدراك جسامة القوى المدمرة بسبب نشوب الحرب.

إن العديد من الأحلام التي كانت بحوزتنا جرت قبل أيام من الهجوم الروسي على أوكرانيا.

تقول إمرأة روسية أربعينية :

“قبل أسبوع من قيام الحرب، حلمت أني أركب الخيل في الحدائق الصيفية [حديقة عمومية مشهورة في وسط سانت بطرسبرغ ]. كانت كل الأشجار مكسُوّةً بالجليد وباقات الورود المصنوعة من الثلج تغطي كل الأغصان. لا حياة لما تشاهد.. سوى الوهن والكساد”.

ثمة شموع بيضاء طويلة تتوهج لهبًا أبيضًا وباردًا في وسط الأغصان ورغم كل هذا الجمال والرونق إلا أن الحلم كان مُرعبًا واستيقظت شاعرة بالذعر المحقق.

ووردنا المنام الثاني من إمرأة أوكرانية ثلاثينية من مدينة خاركوف. حلمت بهذا المنام في 20 فبراير، أي قبل ثلاثة أيام من نشوب الحرب وقالت أنها دونته لأنه منام مُربك للغاية. تمكنت السيدة وابنتها من الهروب إلى منطقة أخرى من أوكرانيا قبل الهجوم على خاركوف.

حلمت بالأفاعي ولا يمكن أن أنسى ذلك المنام، إذ كانت الأفاعي تزحف فوق جسد ابنتي وفوق جسدي وكانت صغيرتي تبكي وأنا أحاول أن أهدئ من روعها، لم تلدغنا الأفاعي ولم نسمع فحيحًا، لقد كانت تلتف حولنا فقط، كنت بائسة ولكننا تمكنا من إبعادها عنا ولُذنا بالفرار.

لم تكن النهاية مؤلمة ولكني استيقظت مذعورة وكنت أصبو إلى معرفة تفسير هذا الحلم فورًا وبحثت عن ذلك بالاستعانة بمحرك البحث جوجل في منتصف الليل.

أقدم لكم منامًا آخر وردنا قبل بضعة أيام من الهجوم العسكري وهو منام سيدة روسية مُعارضة للحرب تقول:

“حلمت بترحيلي إلى بيلاروسيا وأني في مبنى يشبه مكتب البريد وهو مكان بهيج وثمة أزهار والشمس تغمر الأرض. شُلت حركتي لما أدركت أن لا أحد يعرف أني هنا. كان هناك كاتبة، اتجهت نحوها وقلت لها بنبرة حانقة أني أود أن أُعلم أحدًا بوجودي وأني بحاجة إلى إرسال رسالة إلكترونية عبر البريد الإلكتروني جيميل فرمقتني وشرعت في الضحك ها،ها،ها مثل ديفيد لينتش وردت : “لا وجود لجيميل هنا”.

  ذهبت بعيدًا مذعورة وفهمت حينها أن لا اتصال بعد الآن ولن يعلم أحد أين أكون وما الذي حصل لي. مكثتُ إلى جانب المبني مدركةً أني لن أتحصل على الوظيفة لأن درجات تقييمي منخفضة.

اعتراني الخوف والاستياء والعجز في هذا الحلم، كنت تائهة.

إن عرض أحلام الأشخاص بهذه الطريقة يحكمه سبب وجيه فيتعدى العرض الغاية التوثيقية لتجاربهم الكئيبة.

إعادة إضفاء الصبغة الإنسانية لبعضنا البعض هو تعبير مباشر عن المقاومة ضد القوى الاجتماعية التي تخوّل حملات العنف وتدعمها.

إن النزوع إلى “إعادة الأنسنة” يجسد تأثير تقاسم الأحلام. إن ممارسة تشارك الأحلام وإن كانت مخففة تحفز طبيعيًا الوعي بالصفات المميزة للعوالم الخاصة للآخرين وتقوي أواصل الاعتراف المتبادل بين المنتمين إلى خلفيات مختلفة.

توصّل علماء الأنثروبولوجيا والمؤرخون إلى براهين على ممارسات مشاركة الأحلام في الثقافات في العالم بأسره، ويستخدم العديد من الأطباء النفسيين المعاصرين أساليب تشارك الأحلام مع مرضاهم كوسيلة لتعزيز الصدق العاطفي والتعاطف أكثر فأكثر مع الأشخاص المختلفين عنهم. تمكننا مشاركة الأحلام من النظر بكثب إلى الفردية المميزة لكل فرد وتضفي على ذواتنا إحساسًا عميقًا بعلاقاتنا بكل فرد من البشر.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: إكرام الدعاسي

تويتر: Ikram daassi

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!