مرض السكّري من النوع الأول: اكتشافات جديدة تخص تكوّن المرض المناعي الذاتي لدى الأطفال

مرض السكّري من النوع الأول: اكتشافات جديدة تخص تكوّن المرض المناعي الذاتي لدى الأطفال

18 ديسمبر , 2022

ترجم بواسطة:

أمينة عبد الرزاق

دقق بواسطة:

أمنية صبري

تُقدّم إحدى الدراسات الحديثة رؤًى جديدةً عن ديناميكية مستويات السكّر في الدم والمناعة الذاتية في مرحلة الطفولة المبكّرة: متى يظهر مرض السكّري من النوع الأول لدى الأطفال ولماذا؟ أجرى الباحثون لأول مرّة دراسةً طويلة المدى على الرضع والأطفال اليافعين ممن ترتفع عندهم المخاطر الجينية للإصابة بمرض السكّري من النوع الأول.

نُشِرت النتائج في مجلّة الأبحاث السريرية، حيث قدّم المؤلّفون صورةً فريدةً لديناميكية تنظيم السكّر في الدم خلال فترة الطفولة المبكّرة وعلاقتها بتكوّن المناعة الذاتية.

دراسة تجربة الإنسولين الفموي الأوّلية قادرة بشكل خاص على دراسة مستويات السكّر في الدم خلال تكوّن المناعة الذاتية

في إطار عمل المنتدى العالمي للوقاية من مرض السكّري ذاتي المناعة (GPPAD) تُجرى الدراسة السريرية الوقائية الأوّلية POInT (تجربة الإنسولين الفموي الأوّلية) في مراكز متعددة موزّعة على سبعة مواقع سريرية في خمس دول. وتهدف تجربة الإنسولين الفموي الأوّلية إلى الوقاية من تكوّن أجسام مضادة ذاتية للجُزَيْرات التي بدورها تؤدي إلى ظهور مرض السكّري من النوع الأول.

تتلَف خلايا بيتا المنتجة للإنسولين في البنكرياس في الأشخاص الذين يعانون من مرض السكّري من النوع الأول، وذلك نتيجةً لردّ فعل مناعي موجه بشكل خاطئ. وقد كان يُعتقَد سابقًا أنّ التغيّرات الأيضية تحدث قُبَيْل بداية المرض سريريًّا وأنّ المناعة الذاتية تُدمّر خلايا بيتا في البنكرياس. ولكن لم يبحث أحد بدِقّة عمّا يحدث عندما تبدأ المناعة الذاتية.

لذلك، أُجريَت متابعة متكرّرة خلال دراسة تجربة الإنسولين الفموي الأوّلية في السنوات الأولى من العمر، ابتداءً من سن الأربعة أشهر، عند أكثر من ألف طفل لديهم خطر محدَّد جينيًا، بنسبة 10 بالمئة، للإصابة بمرض السكّري من النوع الأول. وهذا ما مكّن الباحثين من الربط  بدقّة بين تغيّرات الجلوكوز في الدم وتوقيت تكوّن الأجسام المضادّة الذاتية للجُزَيْرات.

وضّحت أنيت غابرييل زيغلر، مديرة معهد أبحاث السكّري بهيلمولتز في مدينة ميونيخ (IDF) قائلةً: “تُغيِّر نتائج بحثنا فهمنا لتكوّن مرض السكّري من النوع الأول إذ تبيَّن أنّ التغيّرات الأيضية تظهر في مرحلة مبكّرة من المرض عمّا كان متوقَّعًا سابقًا”. وقد أجرت هي وفريق دولي من الباحثين دراسة تجربة الإنسولين الفموي الأوّلية. وفحص الفريق مستويات السكّر في الدم والأجسام المضادّة الذاتية للجُزَيْرات ،قبل الأكل وبعده، لدى الأطفال المشاركين في الدراسة.

فتح أُفق جديد للأبحاث

أوّلًا، قد أظهرت النتائج أنّ تركيزات السكّر في الدم غير مستقرّة عقب الولادة، وذلك على عكس الفرضيّة السابقة. بل إنّها تنخفض خلال السنة الأولى من العمر ثم ترتفع مرّةً أخرى عند عمر السنة والنصف.

وقالت كاترينا فارنك، كبير أطباء الغدد والسكّري للأطفال بقسم طب الأطفال والباحثة بمعهد أبحاث السكّري بهيلمولتز في مدينة ميونيخ: “مثّلت التغيّرات الحيوية في أيض الجلوكوز خلال السنوات الأولى من العمر مفاجأةً لنا. حيث إنّها على الأرجح تعكس التغيّرات في جزيرات البنكرياس وتشير إلى أنّنا بحاجة إلى دراسة أيض الجلوكوز والبنكرياس بشكل مكثّف في مرحلة مبكّرة من العمر”.

يجدر بالذكر أن الباحثين توصّلوا إلى أنّ مستويات السكّر في الدم بعد الأكل كانت بالفعل أعلى قبل شهرين من تكوّن الأجسام المضادة للجُزَيْرات لدى الأطفال الذين كوّنوا مناعةً ذاتيةً، مقارنةً بالأطفال الذين لم يفعلوا. ولقد استمر هذا الفرق، كما تبعه ارتفاع في مستويات السكّر في الدم قبل الأكل بعد تكوّن المناعة الذاتية.

اللغز حول السبب الرئيسي المحفّز لردّ الفعل المناعي الذاتي

أثبت الباحثون أنّ مستويات السكّر في الدم عند الرضّع والأطفال اليافعين تتغير بصورة حيوية وتعكس ذروة تركيز الأجسام المضادّة الذاتية للجُزَيْرات، ويشير هذا إلى مرحلة نشاط خلايا الجُزَيْرات وقابليتها للإصابة.

وأوضحت فارنك قائلةً: “تشير التغيّرات في مستويات السكّر في الدم بعد تناول الوجبات، التي تحدث قُبيل الاكتشاف الأَوّلي للأجسام المضادّة الذاتية، إلى أرجحية وجود حدث أخلّ بوظيفة الجُزَيْرات وسبق رد الفعل المناعي الذاتي وساهم فيه. ومع استمرار ارتفاع قيم الجلوكوز بعد التحوّل المصلي، يبدو الخلل أو التلف مستدامًا ممّا يؤدّي إلى المزيد من عدم الاستقرار في الجلوكوز”.

وقال إيزيو بونيفاسيو، الأستاذ في مركز دريسدن للعلاجات المتجددة بجامعة دريسدن التقنية: “إن التغيرات التي لاحظناها في مستويات السكّر في الدم والمرتبطة بتكوّن الأجسام المضادّة الذاتية مثيرة للاهتمام. نعلم الآن أن بداية تطوّر المرض من المرّجح أن تكون في جزيرات البنكرياس ونستطيع تركيز أبحاثنا للوصول إلى سبب هذا المرض المزمن”.

بإيجاز، فقد اكتشف العلماء أن التغيّرات الأيضية تحدث في مرحلة مبكرة جدًا من المرض عما كان مفترضًا من قبل: قد تحدث التغيّرات بالتزامن مع المناعة الذاتية، بل أنها قد تسبقها. ويرجّح الباحثون أن الزيادة المفرطة في مستويات السكّر في الدم بعد الأكل وقُبيل تكّون الأجسام المضادّة مرتبطة بتغيّر في وظيفة خلايا الجُزَيْرات.

وأوضحت زيغلر: “بذلك قد تمثّل التغيّرات في مستويات الجلوكوز مقياسًا لقصور خلايا الجُزَيْرات واحتمال حدوث مناعة ذاتية ضد خلايا بيتا في المستقبل”. إلا أن هذا يحتاج إلى المزيد من الأبحاث المكثفة عن أيض الجلوكوز ومؤشرات حيوية إضافية في فترة الطفولة المبكرة.

يسعى العلماء جاهدين في النهاية إلى تقليل عدد الحالات الجديدة للإصابة بداء السكّري من النوع الأول حيث يعاني حاليًا أربعة أطفال من بين كل 1000 طفل في الدول الصناعية الغربية من داء السكّري من النوع الأول.

المصدر: https://medicalxpress.com

ترجمة: أمينة عبد الرزاق عبيد

مراجعة وتدقيق: أمنية صبري


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!