كيف يختلف تعلّم لغةٍ جديدةٍ من الأطفال إلى البالغين؟

كيف يختلف تعلّم لغةٍ جديدةٍ من الأطفال إلى البالغين؟

3 نوفمبر , 2022

ترجم بواسطة:

ريم علي حاج علي

دقق بواسطة:

زينب محمد

النقاط الرئيسية

  • تأثيرُ توصيلِ الدماغ على عمليّة اكتساب وتعلّم اللغات عند الأطفال والبالغين.
  • تصبحُ اللغة الجديدة جزءً أساسيًا أثناء نموّ الدماغ عند الأطفال، بينما يحتاج البالغون إلى تنمية هذا الجزء الموجود أساسًا والتعديل عليه.
  • ارتباط القدرةِ على اكتسابِ اللغة بشكل سريع بمرحلةٍ محدّدة زمنيًا خلال عمليّة نموّ الدماغ.
  • اختلافُ آليات اكتساب لغة جديدة بين البالغين والأطفال، مقترنٌ باختلاف طرق وأساليب التعلّم أيضًا.

وجدَ العلماءُ أن دراسة البيولوجيا العصبية للغة عند البشر، ومن ضمنها اكتساب وتعلّم اللغات الجديدة عند البالغين والأطفال، تحتاجُ لفهم آليّة اكتساب اللغة عند كائناتٍ أخرى، فاتّخذوا “الطائر المغرّد” كأحد النماذج التي أجروا عليها أبحاثهم، لكن ما سبب اختيارهم له؟

كسائر المخلوقات، تستخدمُ الطيور المغرّدةُ مجموعةً من الرموز كلغةٍ خاصةٍ بها، تتمثلُ هذه الرموز بأغانيها العذبة وأصواتها الجميلة، من خلالها، تتمكّن من إيصال وتلقّي الرسائل بين بعضها.

تبدأُ لغةُ الطائر المغرّد بالانسجام والتوصيل داخلَ دماغه في مراحلَ مبكرةٍ جدًا من نموّ المناطق العصبية المسؤولة عن اللغة، ولا يتوقّف اكتسابُ الأغاني والألحان (اللغات الجديدة) عند الطفولة فحسب، بل إنّ بعضها يتمكّنُ من التغريدِ بأغانٍ جديدةِ بل وحفظ المزيد منها حتى خلال مرحلة البلوغ، حيث تكوّن أدمغتها خلايا عصبية جديدة لهذا الغرض.

نمتلك أيضًا نحن البشرة لغتنا الخاصة، والتي نعبّر من خلالها عمّا يجول في خاطرنا، نلبّي احتياجاتنا على التواصل، ونعزّز بها علاقاتنا مع الآخرين من حولنا، إلّا أنّ قدرتَنا على تعلّم واكتساب لغةٍ جديدةٍ ترتبطُ بفترة محدودةٍ جدًا خلال نموّ أدمغتنا، وسرعانَ ما تنحسرُ خلال وبعد البلوغ.

مقارنةً بالأطفال، يحتاجُ البالغون وقتًا مضاعفًا من التعلّم وجهدًا أكثر للوصولِ إلى ما قد يصلُ إليه الأطفالُ خلال فترةٍ وجيزةٍ وجهدٍ يكادُ أن يكون “روتينيًا” خاصةً من هم دون سنّ العاشرةِ.

تذخرُ اللغةُ البشريّةُ بمكوّناتٍ غنيّة من الأصوات، المعاني والكلمات التي نستخدمها من أجل التواصلِ والتعبير عن أنفسنا، ورغم هذا الثراءِ والزخم في كلّ لغةٍ بشرية، يصلُ معظم أطفالِ العالمِ إلى مستوًى معينٍ في اللغة، مُجتازين تقريبًا ذاتَ المراحل مع حلول سنّ السادسة، ولعلّ هذه الحقيقة العلمية مرتبطة تمامًا مع الانسجام الوراثي للغة داخل الدماغِ خلال عمليّة نموّه ما قبل حلول مرحلة البلوغ، لكنّها تضعنا أمام تساؤلٍ مهمّ:

هل هنالك استراتيجيّة عصبيّة معيّنة تستخدمها آليّاتُ أدمغتنا لتعلّم واكتساب اللغات الجديدةِ بعد سن السادسة؟

تُجيبنا الأبحاثُ والدراسات العلميّة عن تساؤلنا هذا، بأنّ هنالك اختلاف في آليّة اكتساب وتعلّم اللغات بين البالغين والأطفال خاصّةً من هم دون السادسة، وهذه النتيجةُ لا تخصّ تعلّم البالغين للغات الجديدة فحسب، إنّما تظهر وتتبلورُ أثناء تدريب ضحايا السكتات الدماغيّة على الكلام ضمن محاولاتِ إعادة تأهيل اللغة داخل أدمغتهم.

إذًا، تعلّم اللغات الجديدة واكتسابها عند الأطفال يعدّ جزءً من عملية نموّ وتوصيل شبكات الدماغ العصبية المسؤولة عن اللغات، بوابةً يعبر منها للعالمِ الخارجيّ، ومعززًا ضروريًا لنموّ الطفل.

لكن بالنسبة للبالغين، يستندُ تعلّم لغةٍ جديدةٍ إلى تعديل هذه الدعائم والشبكات الموصولة منذ مراحل مبكّرة، وتنشيط الاستراتيجيّات العصبيّة المتخصصة باكتساب اللغة الموجودة مسبقًا خلال الطفولة.

لا تقلّ أهميّة اكتساب وتعلّم اللغات عند البالغين، فهي وسيلةٌ للاطلاعِ على مزيدٍ من الثقافات، ويدٌ تساعدهم لقطع المسافات بسهولة، لكنّ في المقابل عليهم أن يبذلوا مزيدًا من المجهودِ لتحقيق هذه الغاية، عن طريق تعديل وإصلاح الإطار المعرفيّ الذي تشكّل مسبقًا داخلَ أدمغتهم، محوّلين إيّاهُ إلى هيكلٍ مطوّر وجديد قادرٍ على محاكاةِ اللغة الجديدةِ وإتقانِها بالشكل الأمثل.

سيلاحظُ ويلمسُ الشخص البالغ بنفسِه اختلاف آليّة تعلّم اللغات الجديدة عمّا كانت عليه في طفولتِه، سواء في المرونةِ أو السرعة على اكتسابها والبدء بممارستها، حتى أن تعلّم لغة جديدة يختلف بين البالغين أنفسهم، استنادًا إلى عواملَ أخرى غير آليّة الدماغ، كالخلفية الثقافية والمعرفية، درجة التعليم إضافةً لعوامل خارجيّة شخصيّة ونسبيّة.

تظهرُ الأبحاثُ الحاليّة لعلمِ الأعصاب، أنّه يجب على البالغين من أجل اكتساب لغةٍ جديدةٍ أن يفعّلوا وينشّطوا المناطقَ الخاصة بتعلّم اللغات والموجودة مسبقًا لديهم، حيث تحتاج إلى أن يطوّروها باستمرار عن طريق تدعيم وتزويد قوّة الاتصال اللغوي.

نفس الأبحاث، تشير أنّ تعلّم واكتساب لغةٍ جديدةٍ عند الأطفال أمرٌ أقلّ تعقيدًا، فعمليّة نموّ الدماغ خاصةً في الجزء الأيسر منه، تساعدُ وتعزّز تعلّم واكتساب اللغات كجزءٍ من تطوّر دماغ الطفل.

باختصار، إنّ تعلّم اللغات الجديدةِ عند الأطفالِ جزءٌ أساسيّ من نموّ الدماغ، بينما عند البالغين وبعد انحسارِ هذا النموّ، يتحتّم عليهم استخدامُ الشبكات التي شُكّلت أثناء طفولتهم، وذلك بالتعديل عليها وصقلها خلال مرحلة تعلّم اللغة الجديدة.

من ضمن الدراسات التي أجريت على آليّة تعلّم اللغات عند البالغين، كشف دراسةٌ مستندةٌ على تصوير دماغ مجموعةٍ من البالغين أثناءَ تعلّمهم لغاتٍ جديدة، أنّهم لم يستخدموا الجزء المخصص باللغات الموجود في القسم الأيسر بالدماغ فحسب، إنّما استخدموا خلال مرحلة التعلّم أجزاءً أخرى في الدماغ تخزّن فيها معلومات متعلّقة بالثقافة، المعرفة ودرجة تعليمهم وقدراتهم ومهاراتهم الفكرّية الأخرى، مما وضعهم أمام نتيجةٍ مفادُها:

أنّ عوامل خارجية أخرى كالثقافة، مستوى الوعي والفكر والمهارات الأخرى، تساعد البالغين خلال تعلمهم اللغات الجديدة.

وأخيرًا، نجدُ أنّ تعلّم واكتساب لغات جديدة أمرٌ يستحقّ أن نبذل من أجله المجهود، والسبب:

إمكانيّة الأفرادِ الذين يتقنون أكثر من لغةٍ على القيامِ بمهاراتٍ متعددة بل والتميّز بها، فعلى سبيل المثال يمكنهم أن يجتازوا الاختبارات المعرفيّة المرتبطة بعمل الذاكرة وقوّة التذكّر، من جهة أخرى، تشير بعض الدراسات أنّ ثنائيّي اللغةِ أقلُّ عرضةً للإصابةِ بأمراض التنكس العصبيّ مقارنةً بأحاديّي اللغة.

إذًا، تعلّم واكتساب اللغات الجديدة لا يقتصرُ على محاكاةِ ثقافاتٍ جديدة وإثراءِ الجانب الفكريّ، الثقافيّ والاجتماعي فحسب، إنّما هو غذاءٌ للدماغِ، يعزّز من صحّته ويساعد على النهوض به ونموّه.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: ريم حاج علي

تويتر: reemahajali

 مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!