دراسة تكتشف خصائص وقائية غير متوقعة للألم

دراسة تكتشف خصائص وقائية غير متوقعة للألم

1 نوفمبر , 2022

ترجم بواسطة:

أماني علاّم

دقق بواسطة:

زينب محمد

إن الألم معترف به منذ مدة طويلة كأحد أكثر أدوات التطور الموثوق بها للكشف عن وجود ضرر والإشارة إلى أن هناك خطب ما – أي أنه نظام تنبيه يخبرنا أن نتوقف ونهتم بأجسامنا.

لكن ماذا لو كان الألم أكثر من مجرد جرس إنذار؟ ماذا لو كان الألم نفسه أحد أشكال الحماية؟

تقترح دراسة قادها باحثون في كلية هارفارد للطب أن هذا قد يكون هو الحال في الفئران. أظهر البحث، الذي نُشر في أكتوبر الماضي في مجلة Cell، أن عصبونات الألم (الخلايا العصبية المسؤولة عن الألم) الموجودة في أمعاء الفئران تنظم وجود مخاط وقائي في الظروف الطبيعية وتحفز خلايا الأمعاء على إفراز مخاط أكثر أثناء حالات الالتهاب.

يشرح العمل خطوات سلسلة الإشارات المعقدة بالتفصيل، والتي توضح أن عصبونات الألم تشارك في التداخل المباشر مع خلايا الأمعاء التي تحتوي على المخاط، والمعروفة باسم الخلايا الكأسية. قال إسحاق تشيو، كبير باحثي الدراسة وأستاذ مساعد في علم الأحياء المناعي في معهد بلافاتنيك بكلية هارفارد للطب: “اتضح أن الألم قد يحمينا بطرق مباشرة أكثر من وظيفته التقليدية التي تتضمن الكشف عن الأضرار المحتملة وإرسال الإشارات إلى الدماغ.

يبين عملنا كيف تتواصل الأعصاب الناقلة للألم في المعدة مع الخلايا الطلائية المجاورة التي تبطن الأمعاء. وهذا يعني أن للنظام العصبي دور كبير في الأمعاء أكثر من مجرد إعطائنا إحساسًا مزعجًا، وأنه طرف رئيسي في الحفاظ على سلامة حاجز الأمعاء وآلية وقائية أثناء الالتهاب”.

المحادثة المباشرة

خلايا الأمعاء ومسارات الهواء الخاصة بنا مليئة بالخلايا الكأسية. سُميت بذلك بسبب مظهرها الذي يشبه الكأس، كما أنها تحتوي على مخاط يشبه الهلام مصنوع من البروتينات والسكريات التي تعمل كغطاء وقائي يحمي سطح الأعضاء من التآكل والتلف. وجد البحث الجديد أن الخلايا الكأسية الموجودة في الأمعاء تُفرز مخاطًا واقيًا نتيجة التفاعل المباشر مع الخلايا العصبية المستشعرة للألم في الأمعاء.

في مجموعة التجارب، لاحظ العلماء أن الفئران التي تفتقر إلى عصبونات الألم تُنتج مخاطًا واقيًا أقل وتعاني من تغيرات في التركيب المعوي الميكروبي الخاص بها، يُعرف باسم اختلال الميكروبيوم (dysbiosis) وهو اختلال التوازن بين الميكروبات المفيدة والضارة. ولتوضيح كيفية حدوث هذا التداخل الوقائي، حلل الباحثون سلوك الخلايا الكأسية في وجود عصبونات الألم وغيابها.

وجدوا أن أسطح الخلايا الكأسية تحتوي على نوع من المستقبلات، يُسمى بروتين معدل لنشاط المستقبل 1 (RAMP1)، والذي يضمن استجابة الخلايا إلى عصبونات الألم المجاورة، التي تنشطها الإشارات الغذائية والميكروبية بالإضافة إلى الضغط الميكانيكي، والتهيج الكيميائي، والتغيرات الشديدة في درجات الحرارة.

أظهرت التجارب كذلك أن هذه المستقبلات متصلة بمادة كيميائية تُسمى الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP) تفرزها عصبونات الألم المجاورة عند تحفيزها. إن مستقبلات (RAMP1) التي اكتشفها الباحثون، موجودة في الخلايا الكأسية للإنسان والفأر، وبالتالي تجعل هذه الخلايا تستجيب لإشارات الألم. كما أظهرت التجارب أن وجود ميكروبات معوية معينة نشط إفراز (CGRP) للحفاظ على توازن الأمعاء.

قال تشيو: “تخبرنا النتائج أن هذه الأعصاب لا تنشأ نتيجة الالتهاب الحاد فقط، لكنها موجودة في الأساس أيضًا. إذ يبدو أن مجرد وجود ميكروبات الأمعاء العادية حول هذه الأعصاب يدغدغها ويتسبب في إفراز الخلايا الكأسية للمخاط”. وأضاف أن حلقة ردود الأفعال هذه تضمن إرسال إشارات الميكروبات إلى العصبونات، وأن تُنظم العصبونات المخاط، وأن يحافظ المخاط على ميكروبات الأمعاء صحية.

أوضحت الدراسة أنه بالإضافة إلى وجود الميكروبات، فإن العناصر الغذائية تلعب دورًا في تنشيط مستقبلات الألم. عندما أعطى الباحثون الفئران كابسيسين، المكون الرئيسي للفلفل الحار ويُعرف بقدرته على تحفيز ألم شديد وحاد، نُشطت عصبونات الألم لدى الفئران بسرعة مسببة إفراز كميات وفيرة من المخاط الواقي من الخلايا الكأسية.

وعلى النقيض من ذلك، الفئران التي تفتقر إلى وجود عصبونات الألم أو مستقبلات الخلايا الكأسية للببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP) كانوا هم الأكثر عرضة لالتهاب القولون، وهو أحد أنواع التهاب الأمعاء.

قد تفسر النتائج لمَ الأشخاص المصابون باختلال الميكروبيوم أكثر عُرضة للإصابة بالتهاب القولون. عندما أعطى الباحثون CGRP لإرسال إشارات الألم في الحيوانات التي تفتقر  إلى عصبونات الألم، شهدت الفئران تحسن سريع في إنتاج المخاط. كما استطاع العلاج حماية الفئران من التهاب القولون حتى في غياب عصبونات الألم.

أظهرت النتائج أن (CGRP) هو المحرك الرئيسي لسلسلة الإشارات التي تؤدي إلى إفراز المخاط الوقائي. أوضح دابينج يانغ، مؤلف الدراسة الأول وباحث ما بعد الدكتوراه في مختبر تشيو: “الألم هو عَرَض شائع لدى حالات الالتهاب المزمن للأمعاء، مثل التهاب القولون، لكن دراستنا أثبتت أن هذا الألم الحاد يلعب كذلك دورًا وقائيًا مباشرًا”.

الجانب السلبي المحتمل لتسكين الألم

أظهرت تجارب الفريق أن الفئران التي تفتقر إلى مستقبلات الألم تعاني من ضرر أسوأ من التهاب القولون عندما يحدث. وأضاف الباحثون: “بالنظر إلى مسكنات الألم التي تُستخدم غالبًا لعلاج مرضى التهاب القولون، فقد يكون من المهم النظر إلى العواقب المحتملة الضارة الناتجة عن تسكين الألم”.

أوضح تشيو: “في الأشخاص الذين يعانون من التهابات الأمعاء، يكون الألم أحد الأعراض الرئيسية، ما يجعلك تعتقد أننا نريد معالجة وتسكين الألم لتخفيف المعاناة، لكن جزءً من إشارات الألم هذه قد يكون وقائيًا بشكل مباشر كرد فعل عصبي، وهو ما يثير أسئلة مهمة حول كيفية إدارة هذا الألم بحذر وبطريقة لا تؤدي إلى أضرار أخرى”.

بالإضافة إلى ذلك، قال الباحثون: “إن فئة من علاجات الصداع النصفي الشائعة التي تثبط إفراز (CGRP) قد تتلف أنسجة حاجز الأمعاء عن طريق التداخل مع إشارات الألم الواقية”.

تسأل تشيو: “بالنظر إلى (CGRP) كوسيط لوظيفة الخلايا الكأسية وإنتاج المخاط، ماذا سيحدث إذا منعنا آلية الحماية في الأشخاص المصابون بالصداع النصفي بشكل مزمن وإذا أخذوا هذه الأدوية على المدى الطويل. هل تتداخل هذه الأدوية مع بطانة الغشاء المخاطي والميكروبيوم لهؤلاء الأشخاص؟”.

إن الخلايا الكأسية لها وظائف أخرى متعددة في الأمعاء. إنها توفر ممرًا للمستضدات –وهي البروتينات الموجودة في الفيروسات والبكتيريا والتي تبدأ استجابة الجسم المناعية الوقائية- وتنتج مواد كيميائية مضادة للميكروبات تحمي الأمعاء من مسببات الأمراض.

قال يانغ: “نشأ سؤال من عملنا الحالي، ماذا لو نظمت ألياف الألم وظائف الخلايا الكأسية الأخرى”. وأضاف أنه هناك خط آخر من البحث يتضمن استكشاف الخلل في مسار إشارات CGRP ومعرفة ما إذا كان الخلل يلعب دورًا في المرضى الذين لديهم استعداد وراثي لأمراض التهاب الأمعاء.

المصدر: https://medicalxpress.com

ترجمة: أماني علام

لينكد إن: amany-allam

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!