اكتشاف نوع جديد من الحمض النووي الريبوزي يثبط مجموعة كبيرة من العدوى الفيروسية

اكتشاف نوع جديد من الحمض النووي الريبوزي يثبط مجموعة كبيرة من العدوى الفيروسية

30 أكتوبر , 2022

ترجم بواسطة:

ريهام الكاشف

دقق بواسطة:

زينب محمد

يُوصف الحمض النووي الريبوزي بأنه الحمض أحادي الشريط القريب للحمض النووي الذي يتكون من شريطين مزدوجين يُشكل المادة الوراثية لجميع الكائنات الحية، ولكن توجد أنواع كثيرة من الفيروسات غير الحية تحمل معلوماتها الوراثية على الحمض النووي الريبوزي مزدوج الشريط (dsRNA).

بمجرد أن يكتشف الجهاز المناعي للإنسان وجود هذا الحمض النووي الغريب، فإنه يدق ناقوس الخطر بزيادة إنتاج السيتوكينات الواقية والمسماه بالإنترفيرونات (IFN) والتي بدورها تنشط الاستجابة المناعة الفطرية ضد هذا الغزو الفيروسي.

حاول العلماء تسخير تلك الاستجابة الطبيعية المضادة للفيروسات وذلك بتخليق حمض نووي ريبوزي مُعالج مزدوج الشريط والذي يحاكي خصائص الجينوم الفيروسي. لكن التدخل في نظام المناعة الفطرية، سلاح ذو حدين. حيث إن نظائر الحمض النووي الريبوزي الفيروسي يُمكنها أيضًا تنشيط المسارات الجزيئية والتي تُفضي إلى التهابات مفرطة بالجسم، ومن ثم قد تسبب ضررًا يفوق فوائدها كمضادات فيروسية.

 اكتشف مجموعة من الباحثين بمعهد ويس للهندسة المستوحاة بيولوجيًا بجامعة هارفرد مؤخرًا نوعًا جديدًا من الحمض النووي الريبوزي مزدوج الشريط (dsRNAs) والمحفز للمناعة والذي يحفز بفاعلية مماثلة إنتاج نوعين من الإنترفيرونات (إنترفيرون واحد وإنترفيرون ثلاثة)، بينما لوحظ تخفيف حدة الالتهابات في معظم الحالات مع الأنواع السابقة للحمض النووي الريبوزي المحفزة للمناعة.

تُثبط الجزيئات الجديدة للحمض النووي الريبوزي مزدوج الشريط (dsRNAs) بشكل كبير قدرة الكثير من الفيروسات، والتي يمكنها إحداث جائحة، والتي تشمل “سارس كوف وسارس كوف 2 وميرس كوف (متلازمة كورونا التنفسية الشرق أوسطية)، وسلالات مختلفة من إنفلونزا (أ)، تؤثر على الخلايا البشرية، سواء كانت المزارع الخلوية التقليدية أو نماذج رقاقة العضو البشري المعقدة للرئة.

لوحظ في تجارب كوفيد-19 على الفئران تقليص الحمض النووي الريبوزي مزدوج الشريط  لكمية الفيروس بأجسامها بمعدل يزيد عن ألف ضعف.و نُشرت هذه النتائج  اليوم  بمجلة العلاج الجزيئي -الأحماض النووية.

أوضح دكتورهايكينج باي، الباحث والمشارك الأول والزميل السابق  بمعهد ويس للتطور التكنولوجي: “تُعتبر تلك الأحماض النووية الريبوزية الجديدة ومزدوجة الشريط خيارًاعلاجيًا فعالاً لكوفيد 19، وذلك لأن العدوى بكل من سارس-كوفيد 2  تُنتج استجابة مناعية غير متزنة والتي تؤدي إلى تثبيط استجابة الإنترفيرونات وزيادة مقاومة الالتهابات”.

وتابع بقوله: “ومع زيادة مستوى الإنترفيرون1 تزداد قدرة أحماضنا  النووية الريبوزية مزدوجة الشريط (dsRNAs) على تصحيح هذا الخلل ومن ثم يمكن استخدامها في علاج العديد من الأمراض الفيروسية الأخرى”.

الاكتشاف المذهل، والتحريات الممنهجة

لمدة سنوات، طور”باي وأعضاء آخرين في ويس والمدير المؤسس لمختبر دون اينغبر” علاجات جديدة لأمراض فيروسية باستخدام منهجهم على رقاقات الأعضاء البشرية. قبل 2020، عمل الفريق على معرفة الجينات بخلايا الرئة البشرية المنظمة لاستجابتها للإصابة “بإنفلونزا أ”، والذي كان في ذلك الوقت الفيروس الأكثر إثارة للقلق من الناحية الوبائية.  

بدأوا باستخدام تقنية “كريسبر- كاس 9 ” لمعرفة جينات العائل والتي من المحتمل أن تُثبط انتشار فيروس الإنفلونزا. واحد من أبرز المرشحين من تلك التقنية كان جين يسمى (DGCR5) والذي ينتج تسلسل طويل وغير مشفر من الحمض النووي الريبوزي وليس بروتيًنا.

ولمعرفة كيف أثّر جين (DGCR5) على معدلات العدوى، قاموا بتفكيك الجين عن طريق تخليق ثلاثة أشرطة صغيرة مزدوجة ومختلفة ومتداخلة من الحمض النووي الريبوزي (siRNA) لعرقلة التعبير الجيني، ثم نقل (siRNA) لخلايا الرئة المزروعة مخبريًا.

وجد الباحثون أن هذا المزيج يُقلل مستويات جين (DGCR5) لأكثر من 80% ويُثبط الإصابة بالإنفلونزا “أ” بنسبة أكثر من 90%. وبناءً على هذه النتائج، بدأوا باختبار شريط (siRNA) بمفرده وآخر مضاف له جين (DGCR5).

وما أثار دهشتهم، هو أن تسعة من ضمن عشرة من (siRNAs) التي خلقوها قلصت التعبير الجيني لجين (DGCR5) بشكل ملحوظ، بينما واحد فقط هو من ثبط الإصابة الفيروسية، لذلك يبدو أن نشاط الجين (DGCR5) لم يكن المحرك لمعدلات الإصابة الفيروسية.

عندما قاموا بفحوصات أكثر، تأكدوا أن هذا التسلسل الخاص من (siRNA) يقوم بتنظيم العديد من الجينات المشاركة في مسارات الإشارات الخاصة بالإنترفيرون. وأوضحت دراسات إضافية أن (siRNA) ينشط واحدة فقط من تلك المسارات الثلاثة الخاصة بالإشارة التي تُزيد إنتاج الإنترفيرون والمعروف بمسار الجين الأول المحفز لحمض الريتيونيك (RIG-I)، والذي يعتبر مكون أساسي للاستجابة المناعية الفطرية.

بدأ الباحثون في الشك بأنهم اكتشفوا فئة جديدة من الأحماض الريبوزية مزدوجة الشريط (dsRNAs) والمحفزة للجهاز المناعى من خلال آلية عمل لم تكن معروفة من قبل.

بدأوا بالعمل بشكل منهجي بتخليق واختبار أكثر من مئتي تباين بالتسلسل الأصلي لحمض (dsRNAs)  ليستنبطوا تلك الآلية، ثم حددوا شريطًا من النيوكليوتيدات المسمى بموتيف والذي وُجد باستمرار في أحد نهايات (dsRNAs) المميز بنشاط تحفيزي عالِ للانترفيرونات، وذلك الشريط المُكون من القاعدة النيتروجينية المسماه بالسيتوسين (C) في أحد الأشرطة وثلاثة من القواعد النيتروجينية المسماه بالغوانين (GGG) في الشريط المقابل.

لذلك يوجد فائض قاعدتين نيتروجيتين من الغوانين (G) في نهاية كل حمض نووي ريبوزي مزدوج الشريط (dsRNA) حيث ترتبط قاعدة السيتوسين (C) مع واحدة فقط من الثلاث قواعد من الغوانين (G).

ومع تواجد أعداد كبيرة من (dsRNA) فإن الفائض من قواعد الغوانين في أحد المركبات يمكنه الارتباط بمثيله من قواعد الغوانين في المركب الآخر من خلال ظاهرة غير معتادة تسمى اقتران هوغستن للقواعد G-G.

وذلك يُنتج ثنائيات من (dsRNA) والتي ترتبط بفاعلية عالية بالجين الأول المحرض لحمض الريتيونيك (RIG-I) فينشط ذلك الجين، ومن ثم استجابة الإنترفيرون.

قال دكتور لونغ لانغ سي الباحث والمشارك الأول والزميل السابق بمعهد ويس للتطور التكنولوجي: “كان ذلك مثيرًأ للاهتمام بالنسبة لنا، حيث أوضحت الدراسات السابقة أن جين (RIG-1) ينشط بالنهايات غير الناتئة من الثنائي (dsRNAs)، (أي ليس بها أى أطراف معلقة) وذلك لأن وجود أي نوع من الأطراف المعلقة يمنع ارتباط جين (RIG-1)”.

وأضاف: “لكن وُجد أن ذلك الارتباط الفريد بين G-G يخلق بفاعلية كبيرة نهايات غير ناتئة من (dsRNAs) والتي بدورها تُنشط بنفس الفاعلية جين (RIG-I). لذلك في تلك الحالة، فإن الأطراف المعلقة عامل جوهري في نشاط حمضنا النووي الريبوزي مزدوج الشريط الجديد”.

من الإنفلونزا لكورونا وما بعدها

لمعرفة مدى فاعلية اكتشافهم الجديد للحمض النووي الريبوزي مزدوج الشريط على الخلايا الحية، اختبر الباحثون واحد منهم مباشرةً ضد المحفز المناعي المخلق الذي يُحاكي العدوى الفيروسية والمسمى poly (I:C) عندما طبقوا العلاجين على خلايا طلائية بشرية، وجدوا أن (dsRNA) يُنتج استجابة التهابية أقل لمقاومة الفيروس، بينما poly(I:C) الأكثر تحريضًا للالتهابات أحدث تغيرات واسعة في التعبير الجيني وأثرت تلك التغيرات على العمليات الحيوية الضرورية للوظيفة الطبيعية للخلية.

ولتحقيق المزيد من التقدم، اختبر الفريق (dsRNA) رقاقات حويصلات وشعب هوائية لرئة إنسان طُورت مسبقًا بمعهد ويس لاستنساخ أنسجة أعضاء الإنسان المعقدة ووظائفها بالمعمل.

أدخلوا (dsRNA) برقاقات سليمة، ووجدوا أن تأثير الإنترفيرون تزايد من 12-40 ضعف، ولكن عندما أضافوا (الإنفلونزا أ) لرقاقات الأعضاء وجدوا أن (dsRNA) ثبط الإصابة بنسبة تتراوح من 80-90%.

وما حدث أن كورونا انتشرت وبائيًا، وتحول تركيز الفريق من الإنفلونزا إلى سارس وكوفيد 2 وفيروسات ذات صلة بكوفيد، كسارس كوف وميرس كوف، وفيروس البرد المعروف (HCoV-NL63).

حينها (dsRNA) أحدث تغيرات في الخطوات، حيث ثبط عدوى ميرس كوف وفيروس البرد المعروف في خطوط خلايا الثدييات المأخوذة من القردة بنسبة تزيد عن 90% وكذلك سارس كوف بأكثر من ألف ضعف. وثبط أيضًا عدوى سارس كوف 2 في خطوط الخلايا الطلائية للإنسان بنسبة مذهلة تصل إلى 99.99%.

اُستكملت تلك الدراسات بالتعاون مع مجموعة ماثيو فريمان من جامعة ماريلاند للطب وبنيامين تينوفر من مدرسة ايكهان الطبية بمونتن سيناي (تسمى الآن غروسمان الطبية بجامعة نيويورك).

وفي النهاية، اختبروا (dsRNA) على نموذج للفئران المصابة بكوفيد-19 بالتعاون مع دونغ يانغ وكوللين جونسون الأطباء بمركز العلوم الصحية بجامعة تينيسي. عندما أصابوا الفئران المُعالجة بسارس كوفيد 2، قلص (dsRNA) الحمل الفيروسي لأكثر من ألف ضعف مقارنةً بالفئران التى عُولجت بتسلسل (dsRNA) المشفر.

 أفاد كلٌ من الأستاذ الدكتور دون انغبر، وأيضًا جودا فولكمان أستاذ البيولوجية الوعائية بكلية الطب بهارفرد ومستشفى بوسطن للأطفال، وهانس جورج ويس مدرس بجامعة هارفرد للهندسة المستوحاه بيولوجيًا، و جون بولسن بكلية الهندسة والعلوم التطبيقية:

“أوضح كوفيد 19 بشكل مؤلم أننا نحتاج لعلاج واسع المدى بإمكانه تخفيف العدوى الناتجة عن مجموعة متنوعة من الفيروسات بدلُا من تطوير علاج مخصص لكل مرض عند ظهوره، وتابع قائلاً: “متفائل بأن تقنية العلاج باستخدام الحمض النووي الريبوزيذو الخواص الكيميائية والفيزيائية سهلة التصنيع على نطاق واسع، ستصبح اتجاه عالمي لمحاربة الأوبئة المستقبلية”.

بالإضافة لعلاج الفيروسات، فإن (dsRNA) الجديد يمكنه علاج العدوى البكتيرية والفطرية والطفيلية وحالات أُخرى، كالسرطانات وأمراض المناعة الذاتية المستفيدة بزيادة إنتاج الإنترفيرونات. ويمكن أيضًا استخدامه كمساعد لتعزيز كفاءة اللقاحات الأخرى.

أوضح المؤلفون أنه من المهم للدراسات المستقبلية تحديد الوقت المناسب للعلاج؛ حيث إن التأخير في تنشيط الإنترفيرونات في أي عدوى يُمكن أن يؤدي إلى زيادة الالتهابات. كما يجب بحث إمكانية إدخال (dsRNA) مباشرةً لمجرى التنفس العلوى (على سبيل المثال عن طريق جهاز استنشاق) لتقليل تنشيط الجهاز المناعي.

المصدر: https://medicalxpress.com

ترجمة: د. ريهام الكاشف             

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!