لماذا الحيوانات الأكبر حجمًا أقل استهلاكًا للطاقة؟

لماذا الحيوانات الأكبر حجمًا أقل استهلاكًا للطاقة؟

11 سبتمبر , 2022

ترجم بواسطة:

عبد الله يحيى

دقق بواسطة:

زينب محمد

إجابة جديدة للغز ممتد من قرون ماضية.

حينما نفكر في “كشف أسرار الكون”، غالبًا ما ينزح خيالنا للتفكير في علم الفيزياء؛ كالتفكير في رواد الفضاء وهم يُمعنون النظر في المجرات البعيدة من خلال التلسكوبات، أو علماء التجارب وهم يفككون الذرات لقطع صغيرة في المسارع النووي الكبير(مُعجل جسيمات يوجد بالقرب من مدينة جينيف).

وعندما نحاول، نحن علماء الأحياء، كشف وحل أسرار الكون، نلجأ كذلك للبحث في الفيزياء. إلا أن بحثنا الجديد، المنشور في مجلة “ساينس”، يؤكد أن الفيزياء ربما لا تملك دائمًا إجابات عن الأسئلة الخاصة بعلم الأحياء.

تساءل العلماء على مدار قرون عن سبب كون الحيوانات ضخمة الحجم تحرق طاقة أقل وتستهلك طعام أقل من الحيوانات ضئيلة الحجم. لماذا يستهلك الذَباب (بالغ الصغر) طعام يعادل ثلاثة أضعاف وزن جسمه، بينما يستطيع حيوان هائل الضخامة، كالحوت الباليني، الاكتفاء بنظام غذائي يومي يعادل من 5 إلى 30% من وزنه الكلي؟!

في حين اعتمدت الجهود السابقة، في تفسير تلك العلاقة، على علوم الفيزياء والرياضيات، إلا أننا نعتقد، في هذه الدراسة، أن الحل الحقيقي يكمُن في دراسة التطور. وهذه العلاقة هي ما تزيد من إمكانية تكاثر الحيوان لأقصى قدر ممكن.

إلى أي درجة تساهم القيود الفيزيائية في تشكيل الحياة؟

يرجع أقدم تقسير لهذه العلاقة غير المتجانسة بين التمثيل الغذائي وحجم الجسد إلى ما يقارب 200 سنة مضت. في عام 1837، زعم العالمان الفرنسيان بيير ساروس وجين فرنسوا، أن تمثيل الطاقة الغذائية يجب قياسه بالمقارنة مع السطح الخارجي للجسم بدلاً من كتلة الجسم أو حجمه.

ذلك لأن التمثيل الغذائي يُنتج طاقة حرارية، وكمية الحرارة التي يُمكن لحيوان ما أن يستنزفها تعتمد على سطحه الخارجي. وخلال 185 عامًا من أطروحة ساروس وفرنسوا، عُرضت العديد من التفسيرات البديلة لمقياس التمثيل الغذائي الملحوظ.

ويُعد أشهر تلك التفسيرات، هي ما قدمه الباحثون الأمريكيون جيوف ويست وجيم براون وبراين انكويست في عام 1997، حيث صنعوا نموذج يوضح طريقة تنقل المواد الغذائية الأساسية من خلال شبكة من القنوات المتفرعة، تشبه جهاز الدورة الدموية. أفرد الباحثون في تفسيرهم أنهم يقدمون قاعدة نظرية ميكانيكية تساهم في فهم الدور المركزي لحجم جسم الحيوان في كل جوانب علم الأحياء.

يعتبر هذان التفسيران متماثلان فلسفيًا، تمامًا كالعديد من المقاربات الأخرى التي قُدمت خلال القرن الماضي بهذا الشأن. إنها تفسيرات تحاول حل مشاكل بيولوجية عن طريق استدعاء الحلول الفيزيائية والرياضية.

التطور يجد الحل

إن الكائنات الحية غير قادرة على مخالفة قوانين الفيزياء، إلا أن نظريات التطور أثبتت كفاءتها المذهلة في العثور على سُبل تُمكنها من التغلب على قوانين الفيزياء والرياضيات. قررنا في بحثنا الجديد أن نُعاين نتيجة ما سيحدث للعلاقة بين التمثيل الغذائي وحجم الحيوان إذا ما تجاهلنا مثل تلك القوانين الفيزيائية والرياضية.

ولذلك طورنا نموذج رياضي يوضح كيف تستهلك الحيوانات الطاقة طوال فترة عمرها. وبداخل ذلك النموذج، تُكرس الحيوانات استنزاف طاقتها – في بداية حياتها – في عملية نمو أجسادها، ومن ثم في مرحلة البلوغ تُخصص كميات كبيرة من الطاقة داخلهم من أجل التكاثر والإنجاب.

استخدمنا ذلك النموذج في تحديد ماهية الخصائص التي ينتج عنها القدرة الإنجابية الأعلى بالحيوانات على مدار حياتهم، لأنه في النهاية يُمثل التكاثر النقطة المحورية في هذا الشأن وفقًا للمنظور التطوري.

اكتشفنا أن الحيوانات التي يٌتوقع لها النجاح الأكبر في عملية التكاثر، هي تحديدًا تلك الحيوانات التي تُظهر نوع الاختلال الحاصل ما بين كمية التمثيل الغذائي وحجم الجسم الذي نلحظه في واقعنا. ويؤكد ذلك الاكتشاف أن التمثيل الغذائي غير المتناسب لا يُعد نتيجة حتمية لقوانين فيزيائية ورياضية، بل ينتج الانتخاب الطبيعي ذلك النمط لأنه مفيد في التكاثر الأبدي لتلك الحيوانات.

البرية غير المستكشفة

يقول عالم التطور الأمريكي-الروسي جملته الشهيرة: “لا شيء يبدو منطقيًا في علم الأحياء إلا في ضوء قوانين التطور”.

توضح اكتشافاتنا، التي تفيد بأن حل معضلة التمثيل الغذائي غير المتناسب يمكن أن يأتي بمنأى عن القيود الفيزيائية، أننا كنا نبحث عن الإجابات في المكان الخاطيء. ويطرح ذلك سؤالاً مهمًا عن سبب رغبتنا التاريخية في تفسير المعضلات البيولوجية عن طريق القواعد الفيزيائية. ربما يحدث ذلك لشعورنا بالراحة العلمية في المنطقة الآمنة التي توفرها التفسيرات الفيزيائية العالمية أكثر من الدروب البيولوجية غير المستكشفة بنسبة كبيرة والكامن بداخلها تفسيرات تطورية.

المصدر: https://phys.org

ترجمة: عبدالله يحيى عبدالمؤمن

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!