الإنسانية الضاحكة

الإنسانية الضاحكة

23 أكتوبر , 2022

ترجم بواسطة:

رحاب الدوسري

دقق بواسطة:

زينب محمد

عندما ذهبت في إحدى الأمسيات إلى عرض كوميديّ، كان المهرجون يصطدمون في بعضهم جيئةً وذهابًا، فيضحك الحاضرون لكن ذلك لم يدفعني لضحك، فقد ادعيت الضحك لمسايرة الجميع.

ودعاني ذلك إلى التساؤل عن ماهو دافع ضحك هؤلاء، وفي الوقت ذاته استنتجت أن هؤلاء المهرجون يتصرفون تصرفاتٍ تدفع المشاهدون للضحك،  لكن لماذا هذا المشهد بالذات دافع للضحك عن غيره من المشاهد الأخرى؟ أن ثمة غريزة غامضة تجعل هؤلاء المهرجون غالبًا يدركون أدق نتائج علم النفس، فيتصرفون تلك التصرفات وهم على يقين أنها ستدفع الحاضرون للضحك.

فالفكاهة أو الضحك هي حالة إنسانية واجتماعية، منها تكوّن تواصلاً وتفاعلاً مع الناس، وهذا مايعزو حقيقة في ادعائي بالضحك مع مما حولي، فعندما  تعود إلى ذكرياتك المضحكة ستلاحظ أنها غالبًا ماتكون مع الجماعة وقلما تضحك منفردًا، وحتى حينما تكون منفردًا ستحضر علاقة اجتماعية في ذهنك للحظاتك المضحكة، وهذا ما أخبرنا به  الفيلسوف الفرنسي برجسون.

أما حينما نبحث عن ما سبب الضحك؟ وما هيئة الضحك؟ وما مصدرها؟ سنجد أن الأمر أكثر تعقيدًا وصعوبة مما نظن، فليست هناك نظرية تجيب إجابة مرضية، فأيًا ماكان القول في تعريف الضحك وتعليله، فمن أصح وأدق الأقوال مع جميع التعريفات والنظريات قول برجسون: “أنها ملكة إنسانية، فلا يضحك إلا إنسان، ومامن شيء يضحكنا إلا أن يكون “إنسانيًا” في صورة من صوره، ولو على سبيل التشبيه”.

وعندما نلتف نحو الأدب العربي نجد التوحيدي يتحدث في كتابه المقابسات فيقول: “الضحك قوة ناشئة بين قوتي النطق والحيوانية، وذلك أنه حال للنفس باستطراق وارد عليها”.

أما عن  ذات المشهد، فحينما يكون هنالك خطيب في شدة حماسه وحديثه عن الفضائل والأخلاق وفجأة يعطس فيضحك المستمعون أو المشاهدون، فهذا ليس وضعًا طبيعيًا إذ حصلت حالة تناقض فجأة بين الجد والمزاح، وتحكم جسده على إرادته. أوعندما يمشي شخص ثم يصيب عامودًا دون أن يعي وجوده فيضحك المشاهدون، إذ أن الوضع الطبيعي والإنساني هو الابتعاد عن الخطر، وهنالك تعريف يوضح بشكل أكبر المقصود وهو” لكي يكون شيئًا ما مضحكًا. ينبغي أن يكون بين العلة والنتيجة عدم انسجام”. مسيو ديلاج

والمضحك يختلف باختلاف ديموغرافية الفرد وخصائصه العقلية والمعرفية وحتى الجسمية، كقول العقاد: “هي فوارق بين الضاحكين وليس في أنواع الضحك في الصميم”.

لكن هنالك أسماء تجمع الضاحكين وأنواع الضحك ومنها “جحا” بل يجمع الأمم الشرقية والغربية، فقد ترجمت حكاياته وقصصه الكوميدية في صور شتى، انتشرت قصص جحا وتشكلت بتشكل البيئة واللغة  لما تضمنته من مواقف طريفة، وساخرة، وفيها مسحة ذكاء، ولا نبالغ في قول أن غالبية دول العالم لها “جحاها” الخاص بها، الذي ينسجم مع ظروف وأسلوب معيشتها، فستلاحظ عندما تروى عند الأوروبيين أو الفرس أو العرب، فكل رواية لها خصائصها في تغيير أسماء الأماكن أو الحكام، أو بعض التصرفات المناسبة مع عادات وتقاليد كل بيئة.

المصادر:

  • العقاد،عباس.جحا الضاحك المضحك.٢٠١٢.مصر.مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة.
  • برجسون.هنري.١٩٢٤.الضحك البحث قي دلالة المضحك.مكتبة الأسرة.
  • عبدالحميد.شاكر.٢٠٠٣.الفكاهة والضحك.عالم المعرفة.

 بقلم: رحاب الدوسري

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!