المرء في ارتحاله إلى مواطن أخرى

المرء في ارتحاله إلى مواطن أخرى

5 سبتمبر , 2022

ترجم بواسطة:

رحاب الدوسري

دقق بواسطة:

زينب محمد

غريب ذلك الذي ينتاب المرء وهو ينظر من شاطئ قارة إلى قارة أخرى! إنه يعادل شعور المرء وهو يقف على شاطئ حضارة لينظر إلى شاطئ حضارة أخرى!

فالقارات لاتمثل فقط كتلاً من اليابس في محيط من الماء، حيث تمثل كل منها كتلة حضارية تختلف عن الأخرى“. عبدالعظيم رمضان.

لقد كنت أفكر بتعجبٍ حول السفر، عندما تركب الطائرة التي اُخترعت في زمن السرعة، وتحلق ساعة، ساعتان، إلى مكان قريب منك، وحين تصل ترى عالم آخر مختلف كليًا عنك، ترى بشر مثلنا لكن ليس بينك وبينهم تشابه، وتتعامل مع الأمور بكينونتك أنت، بجذورك من تاريخ وثقافة، أن تنتقل إلى عالم فسيح لايمط بعالمك بصلة، أن تتخلص من مكانك المسيطر إلى أماكن أنت تسيطر عليها.

إن المدينة الواحدة شرقها وغربها وجنوبها يختلفون عن بعضهم، فما بالك بالدول وحدودها.

البعض منا يستقر في عالم مختلف عنه، والبعض الآخر لايفيئ حتى يرجع لموطنه الأول، البعض يريد الهروب، أو أن يبدأ من جديد، أو في منتصف أمرٍ ما للمضي، وحتى أن يكون على مشارف نهاية من النهايات.

دوافع السفر لانهاية لها، فالبعض يريد أن يختلي بذاته، ويتعمق بأغوارها، والبعض يريد أن يتعمق بأغوار الآخرين، فكلٌ له غاية في سفره.

وأطروحات السفر لانهاية لها فهناك مايسمى فن السفر كما أسماه الفيلسوف “الان دوبوتون” ناسجًا فلسفته الخاصة على السفر بقالب فني في رحلاته الشخصية، والسفر والفلسفة مرتبطان ببعضهما البعض، فالمسافر تدفعه الرغبة في معرفة عوالم أخرى، وكذلك الفيلسوف في تنقله يستلهم أفكاره مما يراه من اختلاف وغرابة، وجميعهم تدفعهم رغبة التزود بالمعرفة، والسفر يساعد الفلاسفة على تطوير أسئلة جديدة؛ أو إيجاد إجابات تخفف معضلاتهم، ومن ذلك المنطلق فقد أثرت الفلسفة والسفر كلاهما على الآخر.

لكن النقطة التي أريد الوصول إليها، هو ما مدى تغير الفرد حين انتقاله من مكان إلى مكانٍ آخر، مدى تشربه لتلك الثقافه المضادة حتى يكون جزءً منها، فمهما كان جزء منها فلابد لجذروك صوتٌ لها وحنينٌ بين الحين والآخر.

فكما قالت الروائية أنيتا ديساي: “أينما تذهب تصبح جزءًا منك بطريقة ما”.

 لا يشاهد جميعنا العالم الآخر من وجهة النظر الموروثة منذ قديم الزمان، كالتي عبّر عنها الدكتور محمد حسنين هيكل بشكل أعمق في كتابه الرحلات، أو كرحلات المؤرخ عبدالعظيم رمضان، والكثير منهم ممن يراكم فكره مستفيدًا من الحضارات  الأخرى، يأخذ ويترك، فالاختلافات الشخصية من حيث التكوين النفسي والثقافي للمسافر والمهاجر حتمية، ففلاسفة أثينا ينظرون للطبيعه وأساليب الحكم  استنادًا إلى الحضارات المصرية الفرعونية، مدركين أن حضارة بلادهم هي مقابل ذلك.

 فالمرء مهما ارتحل لابد له من موطن يستند إليه فكره وثقافته وزاوية رؤيته للأمور، وحتى يجعل من نفسه ممتلئًا بعز وفخر مما أنتمى إليه عبر قراءاته المستمرة عن تميز العالم العربي رغم معاناة ذلك العالم، بل لابد لأي مقيم أن يركن عقله عن طريق قراءات يتثبت بها عند إقامته لمواطن أخرى، وأن يجعله المأوى عند الخلل وتشتت الهوية التي حتمًا ما ستواجهه، ولابد للمرء عند ارتحاله حنينٌ  لجذوره التاريخيه.

المصادر:

بقلم: رحاب الدوسري

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!