اخْتلال التوازن الكيميائي في الدماغ: هل هذا هو سبب الاكتئاب الحقيقي؟

اخْتلال التوازن الكيميائي في الدماغ: هل هذا هو سبب الاكتئاب الحقيقي؟

9 أغسطس , 2022

ترجم بواسطة:

ريغي وفاء

دقق بواسطة:

أماني نوار

لا ندري كيف تعمل مضادات الاكتئاب.

النقاط المفتاحية

  • ليس هناك أي دليل يثبت أن سبب الاكتئاب هو اضطرابات السيروتونين.
  • يتناول العديد من الناس مضادات الاكتئاب ظنًا منهم أنهم مصابون به لأسباب كيميائية. البحوث لا تدعم هذا الاعتقاد.
  • ليس هناك دليل يدعم فكرة أنّ مضادات الاكتئاب تعمل على رفع مستويات السيروتونين.

يعدّ الاكتئاب الحاد من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا، حيث يؤثر على ما يزيد عن 23 مليون شخصًا بالغًا ومراهقًا على حدٍ سواء كل سنة في الولايات المتحدة الأمريكية. كما أن له تبعات اقتصادية بتكاليف مئات المليارات ويعدّ دافعًا رئيسيًا للانتحار.

لطالما كان هناك جدالٌ حاد عن سبب الاكتئاب. ومع ذلك، يوجد تفسير شائعٌ ينسب فيه السبب إلى “اختلال التوازن الكيميائي” في الدماغ. ظهرت هذه الفكرة في أواخر الثمانينيات مع ظهور بروزاك Prozac، وما لم يكن بداعي المصادفة أنه دواء مفيد على ما يبدو في علاج الاكتئابِ بواسطة زيادة مستويات الناقل العصبي للدماغ “السيروتونين”.

لاقى هذا الدواء دعمًا قويًا من طرف صناعة الأدوية، بالإضافة إلى المنظمات ذات الصيت الطيب مثل: الجمعية الأمريكية للطب النفسي. أصبحت هذه هي القصة السائدة فيما يتعلق بالاكتئاب، منذ ذلك الحين، تقبّلها الشعب الأمريكي في الولايات دافعين المزيد والمزيد من الناس للتفكير في أن صعوباتهم النفسية ما هي إلا اختلالات في عمليات الدماغ الكيمائية. إن علاج الhكتئاب بدوره يعتمد بشكل أكبر على مضادات الاكتئاب التي تعدّ، على نطاق واسع، التدخل المتبع الأول والأفضل.

ظهرت فكرة أن الاكتئاب هو ناتج اختلال التوازن الكيميائي للدماغ -وتحديدًا انخفاض مستويات السيروتونين- بالتالي يمكن علاجه بشكل فعّال بالأدوية التي تعيد ذلك التوازن لفترة من الزمن لتغدو الفائز من جميع النواحي. قدمت إجابات واضحة للأطباء والمرضى الذين يعانون (شرحًا مزخرفًا للأعراض ودواءً من السهل الحصول عليه في شكل حبوب) فتكسب شركات الأدوية الأموال.

 ظهرت مشكلتان غير بديهيتيْن قبل مدة فيما يتعلق بهذه القصة الواعدة. أولاً، لم تكن الأدوية بنفس الفاعلية في علاج الاكتئاب مثلما تأملوا وروجوا سابقًا. لم يكن الدواء ناجعًا لأكثر من نصف المرضى ووجد الكثير من المستفيدين أن الراحة غير مكتملة بل يصاحبها آثار جانبية مؤلمة. فضلًا على ذلك، أظهرت البحوث أن تأثيرات الأدوية غالبًا لا تكون أفضل من تلك الناتجة عن العلاج الوهمي ولا تؤدي إلى نمط حياة أفضل على المدى الطويل. لخصت مراجعة لمنشورات عام 2010 ما يلي : “تشير التحليلات التلوية لتجارب إدارة الغذاء والدواء إلى أن مضادات الاكتئاب فعّالة بشكل هامشي فقط مقارنةً بالعلاجات الوهمية وتوثق تحيز النشر العميق الذي يضخم فعاليتها…. الخلاصة: خَلقت النتائج التي تمت مراجعتها جدلًا لإعادة تقييم المعيار الحالي الموصى به لعلاج الاكتئاب”. الأدوية المضادة للاكتئاب ليست علاجًا سحريًا.

  ثانيًا، فشل فرضية “اختلال التوازن الكيميائي”، فكرةُ أن انخفاض السيروتونين يسبب الاكتئاب وأن المضادات تعمل على رفع تلك المستويات باءت بالفشل عندما لم يلحقها إثبات تجريبي. تشعب البحث في ارتباط السيروتونين بالاكتئاب على مدى العقود الماضية إلى خطوط استقصائية متعددة. قارنت الدراسات بين مستويات السيروتونين ومنتجات السيروتونين- وكذا الاختلافات في الجينات المشاركة في نقل السيروتونين- للأشخاص المصابين بالاكتئاب والأشخاص غير المصابين به. وسعت دراسات أخرى على خفض مستويات السيروتونين بشكل مصنع (عن طريق حرمان وجباتهم الغذائية من الأحماض الأمينية اللازمة لصنع السيروتونين) بهدف وضع رابط بين انخفاض السيروتونين والاكتئاب.

قامت جوانا مونكريف وزملاؤها من جامعة لندن سنة 2022 بإجراء مراجعة شاملة (مراجعات للتحليلات التلوية ومراجعات أخرى) للأدلة المتراكمة في جميع خطوط التحقيق المذكورة أعلاه. كانت الاستنتاجات واضحة: “لا تقدم جميع جوانب الرئيسية لأبحاث السيروتونين دليلاً ثابتًا عن وجود ارتباط بينه وبين الاكتئاب، ولا وجود لتعميم الفرضية القائلة بأن الاكتئاب ناجم عن انخفاض نشاط أو تركيزات السيروتونين”.

قالت المؤلفة الرئيسة جوانا مونكريف: “بإمكاننا القول بأمان بعد قدر كبير من البحوث التي أجريت على مدى عدة عقود، أنه لا يوجد دليل مقنع على أن الاكتئاب ناجم عن اضطراب السيروتونين، لاسيما بسبب انخفاض مستويات السيروتونين أو انخفاض نشاطه. يأخذ كثير من الناس مضادات الاكتئاب لأنهم دُفعوا إلى الاعتقاد بأن اكتئابهم له سبب كيميائي حيوي، لكن هذا البحث الجديد يشير إلى أن هذا الاعتقاد لا يستند إلى أدلة.

 وجدت المراجعة صلة وثيقة بين أحداث الحياة الصادمة والمعاكسة وظهور الاكتئاب، مما يشير إلى احتمال أن الضغط النفسي للمحيط يعتبر عامل من عوامل ظهور اضطراب أكثر خطورة من عمليات الدماغ الداخلية. توضح مونكريف أن: “أحد الجوانب المثيرة للاهتمام في الدراسات التي فحصناها هو مدى قوة تأثير أحداث الحياة المعاكسة في الإصابة بالاكتئاب. مما يشير إلى أن الحالة المزاجية السيئة هي استجابة لحياة الناس ولا يمكن اختزالها في معادلة كيميائية بسيطة”.

  نصل من كل ما سبق إلى نتيجتينِ متعلقتين بالأشخاص العاديين. أولًا، كن على دراية أن مضادات الاكتئاب التي قد تكون حلًا ناجعًا بالنسبة لك لن تكون كذلك بنسبة للجميع وأننا لا نعرف فعلاً كيف تعمل. إن أخبرك أي شخص عكس ذلك فإنه يكذب إما عليك أو على نفسه (أو كلاهما). ثانيًا، إذا سمعت أحد المتخصصين الطبيين يستخدم مصطلح “اختلال التوازن الكيميائي” لشرح الاكتئاب، فأنت تسمع رواية خيالية (أو عرضًا ترويجيًا)، وليست حقيقة علمية. لذلك ابحث عن رعاية صحية أفضل.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: وفاء ريغي

تويتر: @righi_wafa27

مراجعة وتدقيق: أماني نوار

تويتر: amani_naouar


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!