رياح الثقب الأسود لم تعد كما كانت

رياح الثقب الأسود لم تعد كما كانت

8 يونيو , 2022

ترجم بواسطة:

سارة عبد الستار

خلال أول بليار سنة من الكون، كانت الرياح المنبعثة من الثقوب السوداء الهائلة في مراكز المجرات أكثر تكرارًا وأقوى بكثير من تلك التي لوحظت في مجرات اليوم، بعد حوالي 13 بليون سنة. كانت هذه الرياح قوية جدًا لدرجة أنها أبطأت نمو الثقوب السوداء الهائلة التي تنشأ منها. هذه هي نتائج دراسة قادها ثلاثة باحثين من المعهد الوطني الإيطالي للفيزياء الفلكية (INAF) في تريست، والمنشورة في مجلة الطبيعة (Nature).

ويستند هذا العمل إلى ملاحظات 30 كوازارًا (أجسام مشعة) لوحظت بالتلسكوب الكبير جدًا (VLT) في مرصد بارانال ESO في تشيلي. تعتبر الكوازارات أجسام ساطعة للغاية، شبيهة بالنقاط في قلب المجرات البعيدة، والتي تنشأ انبعاثاتها من النشاط المكثف للثقوب السوداء المركزية الهائلة التي تمتص المادة المحيطة بها. وقد رصدت المجرات المضيفة لهذه الكوازارات منذ الفجر الكوني، عندما كان الكون يتراوح بين 500 مليون و1 بليون سنة.

تقول مانويلا بيسشيتي، باحثة بمعهد (INAF) في ترييست والمؤلفة الأولى للدراسة الجديدة: “لأول مرة، قمنا بقياس جزء الكوازارات عندما كان الكون في بداياته وكان يظهر رياح الثقب الأسود. على عكس ما نلاحظه في الكون الحالي، اكتشفنا أن رياح الثقب الأسود عندما كان الكون في بداياته متكررة جدًا، ولها سرعات عالية تصل إلى 17 % من سرعة الضوء، وتضخ كميات كبيرة من الطاقة في المجرة المضيفة”.

حوالي نصف الكوازارات التي تمت ملاحظتها في هذا البحث تظهر رياح الثقوب السوداء، وهي أكثر تكرارًا وأقوى بمقدار 20 مرة من تلك المعروفة في الكوازارات عندما كان عمر الكون حوالي 4 بليارات سنة.

تضيف كيارا فيروجليو، الباحثة المشاركة في الدراسة في تريستا: “وتظهر عمليات رصد الثقوب السوداء عندما كان الكون في بداياته أنها كانت تنمو أسرع بكثير من المجرات المضيفة لها، بينما في الكون المحلي، نعلم أن الثقوب السوداء والمجرات تتطور معًا. هذا يعني أن آلية ما يجب أن تكون قد تصرفت في مرحلة ما في الكون، مما أدى إلى إبطاء نمو الثقب الأسود. مكنتنا ملاحظاتنا من تحديد هذه الآلية في رياح الثقب الأسود التي نتجت عندما كان عمر الكون 0.5 إلى 1 بليون سنة”.

وبالتالي، فإن الطاقة التي حققتها الرياح كانت قادرة على وقف تراكم المزيد من المواد على الثقب الأسود، مما يؤدي إلى إبطاء نموه وبدء مرحلة “التطور المشترك” بين الثقب الأسود والمجرة المضيفة له.  يضيف بيشتي: “سمحت لنا هذه الدراسة بتحديد الحقبة في تاريخ الكون التي بدأ خلالها تأثير رياح الثقب الأسود مهمًا. هذا له تأثير كبير على معرفتنا بالمراحل الأولية لنمو الثقوب السوداء والمجرات المضيفة لها، مما يضع قيودًا قوية على النماذج التي تصف تكوين المجرات الأولى”.

وهذا اكتشاف غير متوقع على الإطلاق، أصبح ممكنًا بفضل البيانات عالية الجودة من أداة إكس شووتر (XShooter) المثبتة على تلسكوب (VLT) في إطار برنامج (ESO) كبير مع حوالي 250 ساعة من الملاحظات.

وتوضح المؤلفة المشاركة فالنتينا دودوريكو من معهد (INAF) في تريست، والمنتسبة إلى جامعة (Scuola Normale Superiore) في بيزا والمحقق الرئيسي لبرنامج المراقبة الذي تستند إليه الدراسة: “تعتبر الكوازارات من بين أكثر الأجسام سطوعًا والتي يمكن ملاحظتها في الكون المبكر، ولكن نظرًا لبعدها، فهي باهتة جدًا من حيث الحجم المرصود. لقد سمح لنا الاستثمار الكبير للوقت المخصص لمراقبة هذه الأشياء والقدرات الفريدة لأداة إكس شوتر من حيث الكفاءة وتغطية الطول الموجي وقوة التحليل بالحصول على أطياف جيدة جدًا مما أتاح هذه النتيجة المثيرة للاهتمام”.

تضيف أندريا فيرارا أستاذة في جامعة  Scuola Normale Superiore (SNS) والمؤلفة المشاركة للدراسة: “كانت لدينا مؤشرات منذ بضع سنوات على أن كتلة الثقوب السوداء أكبر بمليار مرة من كتلة الشمس … ويمكن أن تطلق رياحًا قوية تتحرك بسرعة تعادل 20 % من سرعة الضوء في محيطها. واليوم، أصبح لدينا تأكيد على ذلك بفضل البيانات التي تم الحصول عليها باستخدام تلسكوب أوروبي من قبل فريق يتمتع ببصمة وقيادة إيطالية قوية. وقد ساهمت دراسات الجامعة في تفسير الجانب النظري. إن اكتشاف هذه الرياح المجرية المذهلة في مثل هذا التوقيت،  يمكن أن يكون له آثار هائلة وغير مستكشفة حتى الآن على ولادة وتطور مجرات مثل مجرتنا. وسنتناول هذه الأسئلة باستمرار هذه الدراسة”.

ولم يكن البرنامج مصممًا في الأصل لتحقيق هذا الهدف العلمي، بل لدراسة الغاز بين المجرات في المقام الأول في بداية الكون. وعلى أساس المعلومات الواردة من المزيد من الكوازارات القريبة، كان يُعتقد أن مثل هذه الرياح نادرة. يقول دودوريكو: “لحسن الحظ، اعتدنا أن نقول هذا، لأن هذه الميزات تعمل على تعقيد إعادة بناء انبعاثات الكوازار الجوهرية، وكانت غير مرغوب فيها من قبل علماء الفلك.  ولكن في تعاوننا الذي يدرس الوسيلة بين المجرات على طول خط البصر. بشكل غيرمتوقع، وجدنا أن هذه الرياح شائعة جدًا في بدايات الكون، مما أدى إلى تعقيد تحليلنا ولكنه أتاح لنا الفرصة لاكتشاف نتيجة مهمة للغاية”.

المصدر: https://phys.org

ترجمة: سارة عبد الستار

تويتر: @SaraSatar6

مراجعة وتدقيق: د. فاتن ضاوي المحنّا

تويتر: @F_D_Almutiri


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!