الحال بالنسبة للعلاج بالقراءة

الحال بالنسبة للعلاج بالقراءة

9 مايو , 2022

ترجم بواسطة:

ياسمين العلي

دقق بواسطة:

سراء المصري

تظل الكتب تدخلًا فعالًا للغاية في ظل التطور العلاجي

يوجد حاليًا اهتمام واسع النطاق بتوفير تدخلات صحية عقلية قابلة للتوسع، مما يعني التدخلات التي يمكن توفيرها بكفاءة للعديد من الأشخاص في آن واحد، والتي تكون بشكل مثالي ذات تكلفة منخفضة نسبيًا. وهنالك عدة عوامل لذلك، بعضها اقتصادية بينما بعضها الآخر أخلاقي. أحد هذه العوامل هو أن الصحة العقلية قضية صحية عالمية رئيسية، ولا يوجد ما يكفي من الممارسين تقريبًا لتقديم العلاج الفردي لجميع من يحتاجون إليه.

عندما يفكر الكثير منا في مسألة التوسع، فإننا نفكر في التقنيات الجديدة. كالتطبيقات التي توجّه شخصًا ما من خلال التأمل، أو التي تربطه بمعالج (بشري)، أو حتى تلك التي تستفيد من الذكاء الاصطناعي لتوفر تفاعلًا يشبه العلاج مع معالج نفسي حقيقي. هذه التقنيات مثيرة للغاية، ولكن من الممكن أن تلقي جاذبية الحداثة بظلالها على فائدة التقنيات القديمة.

تُعد الكتب على وجه الخصوص تقنية قديمة (نسبيًا)، ثبت أنها تدخُّل فعال للغاية. نص أساسي هنا هو Feeling Good: The New Mood Therapy والذي نُشر في عام ١٩٨٠م من قِبل الطبيب النفسي ديفيد بيرنز، يقدم هذا الكتاب القارئ إلى العلاج السلوكي المعرفي لعلاج الاكتئاب، ولقد شهدت العقود اللاحقة تقديم إرشادات العلاج المعرفي السلوكي لمجموعة من الحالات، بالإضافة إلى إرشادات تعتمد على طرائق أحدث، مثل العلاج السلوكي الجدلي والعلاج بالقبول والالتزام. لقد جعلت كتب كهذه العلاج بالقراءة، والذي يُعنى به تعيين قراءات منظمة بدلاً من العلاج المكثف، خيارًا علاجيًا متاحًا بشكل واقعيٍ للكثيرين.

بالرغم من وجود هذه الثروة من المصادر، إلا أن فكرة أن الكتب وحدها يمكن أن تكون لها آثار جوهرية على الصحة العقلية لم يتم تبنيها بسهولة دائمًا. في الواقع، استخدَمت بعض الدراسات الدقيقة المبكرة الخاصة بالعلاج بالقراءة في الثمانينات هذا العلاج كمجموعة تحكم يمكن مقارنة أشكال العلاج الأكثر كثافة بها. واتضح بعد ذلك أن نتائج التحكم كانت بمثل جودة نتائج العلاج الفردي والجماعي – لم يعد ذلك لكونهما غير فعالين، وإنما لكون العلاج بالقراءة فعالًا للغاية.

أكدت الدراسات اللاحقة هذه النتائج المبدئية المفاجئة، كما تعد الأدلة على فعالية هذه التدخلات بناءً على أي معيار معقول قوية جدًا. يقارن أحد التحليلات البعدية لعام ٢٠٠٤ آثار علاج الاكتئاب بالقراءة – أي تعيين كتاب خاص بالعلاج المعرفي السلوكي وبتدخل ضئيل جدًا من قبل المعالج النفسي – بتأثيرات العلاج المعرفي السلوكي التقليدي. وقد وجد المؤلفون أن حجم تأثير العلاج بالقراءة (بالنسبة إلى عدم العلاج) كبير، وفي الواقع هو تقريبًا بنفس حجم تأثير العلاج المعرفي السلوكي التقليدي، ومن الملفت أن المؤلفين لم يجدوا أي فائدة إضافية عندما اُستكمل العلاج بالقراءة بالعلاج الجماعي. فعلى ما يبدو، العلاج بالقراءة هو المحرك الرئيسي لهذا التأثير. كما تميل بعض الدراسات الأخرى إلى إيجاد آثار إيجابية للعلاج بالقراءة بالرغم من وجود خلافات حول حجم ومصدر هذه التأثيرات.

يقدم هذا البحث دعمًا يمكن الدفاع عنه لإدعاء أود تسميته “فرضية الكتاب”.

فرضية الكتاب

بالنسبة لبعض حالات الصحة العقلية الشائعة، يمكن أن يكون تخصيص كتاب مناسب للمريض، بالإضافة إلى الحد الأدنى من الإشراف بنفس فعالية العلاج النفسي الفردي.

يمكننا أن نختلف بشكل معقول حول تفاصيل فرضية الكتاب. فعلى أي من حالات الصحة العقلية تنطبق هذه الفرضية؟ (يوجد مبرر جيد لها فيما يخص الاكتئاب الطفيف، ولكنها ستكون غير مقنعة بالنسبة للحالات العقلية الأكثر خطورة). وما مقدار الإشراف الذي يمكن اعتباره الحد الأدنى؟ وتحديدًا، ما مدى تقارب الفعالية ما بين العلاج بالقراءة والعلاج الفردي؟ كل هذه الأسئلة تتركها فرضية الكتاب مفتوحة.

ولكن حتى في هذا المستوى من العمومية، فإن ثبوت حقيقة شيء، مثل فرضية الكتاب، ستكون له آثار جذرية على ممارسة الصحة العقلية وتقييمها.

أولًا، يجب أن تجعلنا فرضية الكتاب أكثر تشككًا في قيمة أشكال العلاج النفسي ذات الطابع الخاص والشخصي للغاية. لقد سمعت محللين نفسيين وقورين يتحدثون بازدراء عن العلاج “المنهجي”، ولكن كوننا منهجيون هو أمر جيد في حال كنا نود تقديم الرعاية الصحية النفسية لكل من يحتاجها، حتى أنه سيكون من الأفضل لو أن كل ما نحتاجه هو المنهج بذاته.

ثانيًا، فرضية الكتاب ذات صلة وثيقة بتقييم بعض التقنيات الحديثة المذكورة في الأعلى. غالبًا ما تتم مقارنة التطبيقات والتقنيات الأخرى بالعلاج الفردي؛ وبالمقارنة، يقال أنها تقدم لرعاية الصحة العقلية طرقًا قابلة للتطوير وأكثر فعالية من حيث التكلفة. ولكن هذه ليست دائمًا المقارنة الأكثر بروزًا. الكتب أيضًا رخيصة نسبيًا وسهلة التوزيع. وبالتالي، ربما لن يكون السؤال الأكبر بالنسبة لتقنيات الصحة العقلية الحديثة هو ما إن كانت أفضل من المعالج النفسي، وإنما ما إن كانت أفضل من الكتاب.

ثالثًا، بالنسبة لأولئك المهتمون منا بمعالجة مشكلة الصحة العقلية العالمية، قد تكون الكتب مصدرًا مستهان به. تعد فعالية العلاج بالقراءة بالنسبة للصحة العقلية واقعًا ملحوظًا يصحح عدم التناسق الكبير بين علاج الصحة العقلية وجوانب أخرى من أعباء الصحة العالمية، وتقترح فرضية الكتاب أنه يجب علينا الاستفادة من ذلك بقدر المستطاع (من خلال طرق كالنشر والتوزيع والترجمة).

العلاج بالقراءة ليس علاجًا لكل شيء. ويعود ذلك لكون فرضية الكتاب لا تزال مجرد فرضية. توجد دراسات داعمة لهذه الفرضية، ولكنها لا تزال مجالًا بحاجة إلى المزيد من الدراسة. ومن ناحية أخرى، حتى ولو كان العلاج بالقراءة فعالًا للغاية، لا يمكن أن يكون حلًا عالميًا، ويعود ذلك لسبب بسيط هو أن معدل الإلمام بالقراءة والكتابة عالميًا يبلغ حوالي ٨٥٪؜ فقط، كما أنه أقرب إلى ٦٠-٧٠٪؜  في العديد من الدول النامية. يعني هذا أنه حتى ولو ثبتت صحة شكل قوي من أشكال فرضية الكتاب، سيؤدي العلاج بالقراءة إلى استبعاد العديد من الأشخاص.

ومن وجهة نظر أخرى، لو كان أحد أشكال فرضية الكتاب صحيحًا، فإن العلاج بالقراءة لديه القدرة على مساعدة عدد كبير من الأشخاص الذين لا يتلقون حاليًا أي علاج على الإطلاق. ولدى كل شخص مهتم حقًا بالتوافر المحدود للرعاية الصحية العقلية في كل من الولايات المتحدة الأمريكية والعالم سببًا وجيهًا للتفكير بجدية في المزايا الكثيرة للعلاج بالقراءة.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: ياسمين علي العلي

تويتر: @YATransl

مراجعة: سراء المصري


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!