غالباً ما تقوم الناس بممارسة بعض الطقوس المختلفة قبل التوجه إلى الفراش، للاستعداد للنوم المريح ليلاً، مثل الاستحمام بمياه دافئة، أو ممارسة تمارين اليوغا الليلية، لكن ماذا عن التقليد القديم وهو تناول كوب من الحليب الدافئ قبل الاستلقاء تحت الأغطية؟

هل هناك أي دليل علمي يثبت أن تناول كأس كبير من الحليب الدافئ سوف يجعلك تغفو؟

مكونات الحليب وفوائده في مساعدتنا على النوم

 ذكر الخبراء في “live science” : “الإجابة متعددة الأوجه. الحليب غني بالأحماض الأمينية التي تشكل وحدات بناء البروتين، مما قد يعزز النوم بطرق مختلفة، إضافةً إلى ذلك، إن كان تناولك لكأسٍ من الحليب الدافئ يعمل على تهدئتك فهذا قد يساعدك على تهيئة الوضع والتمكن من النوم العميق ليلاً”.

الشعور بالنعاس يعود لسبب واحد وهو أنه يذكرك بالشخص اللطيف الذي كان يعطيك الحليب عندما كنت صغيراً.

ويقول مايكل بريوس، وهو طبيب نفسي تحليلي، الحاصل على شهادة البورد، والمتخصص في مجال النوم في كاليفورنيا ومؤلف برنامج “ليلة سعيدة: برنامج الأربعة أسابيع لطبيب النوم من أجل نومٍ وصحةٍ أفضل” Good Night: The Sleep Doctor’s 4-Week Program to Better Sleep and Better Health. وقال إن الصحبة الهادئة قد تساعد على تخفيف القلق قبل النوم.

ما علاقة السيروتونين بالنوم؟

على مستوى الجزيئات، فإن ” التريبتوفان” الموجود في الحليب يتميز بخصائص تحفيزية للنعاس، وهو حمض أميني أساسي. وهذا يعني أن الجسم لا ينتجه، لذا يجب الحصول عليه من الوجبات الغذائية حسب ما صرّحت به مكتبة الطب العالمية. عندما تتناول “التريبتوفان” من خلال شرب الحليب وأكل الأطعمة مثل البيض، والديك الرومي، والسمك، وفول الصويا، أو الفول السوداني فإن جسمك يستفيد منه مع العناصر الأخرى في تحفيز”سيروتونين الدماغ الكيميائي” الذي بدوره يتحول إلى هرمون” الميلاتونين” المساعد على النوم.

الدماغ عادةً يفرز مادة الميلاتونين لمواجهة حالة الظلام كما يشارك في ضبط إيقاع ساعة الجسم البيولوجية أو ساعته الداخلية ذات الأربع وعشرون ساعة، تبعاً لدراسات عام 2017 في صحيفة Current””، ومن ناحية أخرى حسب علم الأدوية العصبية، فإن السيروتونين معروف ب”هرمون السعادة” ومحفز للنوم واليقظة، وفقاً لمقالة نشرت في صحيفة أبحاث علاج النوم عام 2002.

هل تناول كميات كبيرة من التريبوتوفان يساعدنا على النوم سريعاً؟

تقول النظرية، تناول الطعام وشرب الحليب الغني بالتريبتوفان يمكننا من الشعور بالنعاس؛ لأن الجسم يحوله للهرمونات التي تعزز النوم. لنفس السبب هنالك أسطورة شعبية تفيد بإن تناول الطعام الغني بالتريبتوفان، مثل ديك الرومي، يسبب شعورك بالنعاس بعد الانتهاء من تناول الطعام. لكن واقعياً يجب  تناول الكثير من التريبتوفان أكثر من الموجود في كأس الحليب أو ما يمنحه الديك الرومي لجعل الإنسان يشعر بالنعاس.

وأفاد بيروس لدورية ” Live science”: ” إن كنت تشرب حوالي 2 غالون (7/6 ليترات) من الحليب، هذا قد يجعلك تشعر بالنعاس وسوف تمرض بشدة من شرب هذه الكمية الكبيرة، وخصوصاً إن كان حليب كامل الدسم والذي يساوي ضعف كمية السعرات الحرارية الموصى بها للبالغين”.

حتى لو قلل الشخص هذا القدر من الحليب، فلن تتضح الرؤية فيما يتعلق بما إذا كانت الجرعات العالية من التريبتوفان كافية لتجعلهم يشعروا بالنعاس أم لا.

الحليب يحتوي على مكونات أخرى تتنافس لتدخل دماغنا من خلال الدم

ويتفق لين زنغ ومومينغ جاو، علماء التغذية في جامعة جنوب الصين للتكنولوجيا، أن تأثير التريبتوفان في الحليب المحفز للنوم محدود. يتبارى التريبتوفان مع أحماض أمينية محايدة كبيرة أخرى، مثل الليوسين، والإيزولوكين، والتيروسين، والفينيل ألانينن، والفالين لعبور الحاجز الدموي – الدماغي لإحداث أي تأثير يساعدك على النوم.

مصادر “التريبتوفان”

تتمثل مصادر التريبتوفان فيما يلي:

• الحليب.
• التونة المعلبة.
• الديك الرومي.
• الفروج.
• الشوفان.
• الفستق.
• البذور.
• الخبز.
• الشوكولاتة.
• الفواكه.

ولأن “التريبتوفان” أحد أقل الأحماض الأمينية وفرة في الحليب، فقد يتم استخلاصه من الأحماض الأمينية الأخرى عند محاولة اجتياز الحاجز الدموي الدماغي

هل هناك مكون آخر بالحليب قد يساعدنا على النوم؟

ثمة تنبيه: تشير الأبحاث الأخيرة التي أجراها زنغ وزهاو على الفئران إلى أن المكونات الأخرى في الحليب يمكن أن تفسر لماذا يبدأ العديد من الناس بالتثاؤب بعد تناول كوب من الحليب وفي الأبحاث التي اشتركوا في تأليفها، والتي نُشرت على الإنترنت في سبتمبر/أيلول 2021 في مجلة الكيمياء الزراعية والغذائية، تبين أن أحد مكونات الحليب المعروف باسم “هيدروكربون التريبسين” له تأثيرات معززة للنوم في الفئران. يمكن العثور على مئات من الببتيدات – سلاسل من الأحماض الأمينية- في CTH، وقد ذكرت بعض الدراسات البشرية أن تناولها يمكن أن يحسن القدرة على النوم بشكل أسرع وكذلك كيفية النوم، أو القدرة على النوم وسط ضوضاء بسيطة.

يرتبط البيبتدات مع مستقبلات GABA-A، وهي مستقبلات في الدماغ تساعد على قمع الإشارات العصبية وتعزيز النوم ، وفقاً لما ذكره البحث. وقال زنغ: “وجدنا أن البيبتدات في CTH يمكن أن تطيل بشكل ملحوظ من مدة النوم [المسكّن] للفئران”. أعطى فريق البحث الفئران البيبتدات التي يتم إطلاقها بطبيعة الحال عندما يتم هضم CTH. واحدة من البيبتدات تسمى YPVEPF ، تبين أن لها تأثيرات منومة واضحة. فقد زاد عدد الفئران التي نامت بشكل أسرع بنحو 25% ومدة نوم الفئران بأكثر من 400% مقارنةً بفريق المراقبة، وفقاً لبيان صادر عن الجمعية الكيميائية الأميركية.

هل يجب أن يكون الحليب دافئاً كي يساعدنا على النعاس؟

بالنسبة لدرجة حرارة الحليب، لا توجد أي دراسات تشير إلى أن الحليب يجب أن يكون دافئاً كي تحدث أي من تأثيراته النفسية أو الجسدية

 وعندما سئل زنغ عن ذلك، أفاد قائلاً: “إن دفء الحليب قد يساعد على رفع درجات حرارة جسمنا من الداخل، مما يزيد من دورتنا الدموية لاسترخاء الجسم”. ولكن المركبات في الحليب، مثل التريبتوفان في CTH، ترتبط مع مستقبلات GABA-A حتى لو كان بارداً.

هل شرب الحليب الدافئ وحده كافِ للشعور بالنعاس؟

يمكنك أيضاً إلى جانب شرب كوب دافئ من الحليب ممارسة نشاطات أخرى، مثل التمارين الخفيفة قبل النوم، والتي تلعب أيضاً دوراً في شعورك بالنعاس. كما أنه ليس هناك حل سريع ومؤكد لنسبة 30% منا الذين يكافحون للحصول على قسطٍ كافٍ من النوم.

هناك أنواع مختلفة من أدوية النوم متوفرة كل منها يعمل بشكل مختلف لمساعدتنا على النوم. البعض يقمع النشاط في الجهاز العصبي المركزي، بينما البعض الآخر يقمع الهرمونات التي تجعلنا نشعر بالنشاط، حيث يقول بريوس: “هناك أكثر من 30 مسكن مختلف، لكل منها آلية عمل متميزة”.

الأمر يستحق تجربة مختلف الطرق، مثل تجنب الكافيين قبل النوم أو إطفاء أجهزتك الإلكترونية التي تشعُ الضوء الأزرق المعروف الذي يبقيك متيقظاً، لتشعر بالنعاس.

المصدر: https://www.livescience.com

ترجمة: آلاء جاموس

مراجعة وتدقيق: زينب محمد