فيروس كورونا: توافد المصابين إلى المستشفيات يُهدّد الصحة العقلية للأطباء

فيروس كورونا: توافد المصابين إلى المستشفيات يُهدّد الصحة العقلية للأطباء

4 مارس , 2022

ترجم بواسطة:

إكرام الدعاسي

دقق بواسطة:

هبة عبد المحسن

يُسكِّن الأطباء أوجاعنا ويرشدوننا كلما استنصحناهم فنحن نأتمنهم على صحتنا فاسحين المجال لدرايتهم وخبرتهم لإنقاذنا. فيقومون بالعمليات المستعصية على الرغم من الحالة الحرجة للمريض.

و مع ذلك، لا نثمِّن هذه المهنة الفريدة من نوعها ولا نقدِّر المشَقّة التي يكابدها الطبيب الكفء وتأثيرها على صحته العقلية.

  بيّنت مراجعة حديثة أجراها معهد بلاك دوج وجامعة نيو ساوث ويلز في سدني ونُشرت في مجلة ذا لنست أن الانتحار بات يهدد حياة الأطباء أكثر فأكثر .

وقد وردنا أن الصحة العقلية للربع من ثلث الأطباء اعتلت أثناء السنوات الأولى من التدريب.

أفاد الباحثون بأن مشكلة الصحة العقلية هي مشكلة قائمة قبل ظهور فيروس كورونا، ولكن تبرهن الأدلة الجديدة أن هذا الوباء أوجد مشاكل كثيرة للصحة العقلية.

 يبدو أن الطبيبات هنّ الأكثر عرضة للانتحار من النساء الأخريات عموماً مما يجعلهنّ في خطر بصفة خاصة وذلك حسب ما اقترحته المراجعة.

قال صامويل هارفي، الأستاذ و المؤلف الرئيسي للدراسة  ومدير برنامج الصحة العقلية في معهد بلاك دوج وجامعة نيو ساوث ويلز : ” ما أعوزنا في زمن كورونا إلى مبادرات وتدابير تحمي الصحة العقلية وتحسِّنُها، لذا لا تكفي مساعدة الأفراد فحسب وإنما تقتضي الحاجة إعانة منظماتهم والنظام الصحي الذي يمثلونه كذلك”.

إن مشكلة الصحة العقلية مشكلة هامة للغاية، نظراً لخطورة وباء كوفيد-19 والدليل على ذلك ما تشهده حالياً مناطق عديدة في أستراليا.

إذ نعوِّل في خضم هذه الأزمة على الصحة العقلية للأطباء وللموظفين الآخرين للرعاية الصحية.

وأردف قائلاً: ” تجمع هذه المراجعة للمرة الأولى منذ بداية الوباء نتائج البحث المتعلِّق بالصحة العقلية للأطباء وتُقدِّم إطاراً جديداً للأنظمة الصحية وأرباب العمل كي يتمكنوا من معالجة المشكلة”.

سر يضمره الأطباء

جرت محادثات مماثلة بشأن الصحة العقلية في مهن أخرى فنذكر على سبيل المثال المحادثات التي أُجريت مع المحامين والمتدخلين الأوائل والمدرسين.

وتُولِّد هذه المهن بطبيعتها أضراراً نفسية مما يفضي في ارتفاع معدل اعتلال الصحة العقلية المُذاعِ في هذه القطاعات.

قال الباحثون إن الهلع اشتدّ في الأوساط الطبية بعد بروز المجموعات الانتحارية المتكونة من أطباء مما يحيل إلى دراسة مدى قابلية هذه المهنة للتأثر بمثل هذه الأزمة. 

أردف الأستاذ كيمبرلي دين وهو المؤلف المشارك في الدراسة ورئيس قسم الطب الشرعي للصحة العقلية في جامعة نيو ساوث ويلز قائلاً: ” لقد انكشف السر الذي كان يضمره الأطباء وهو الآن قيد التحقيق ويتم التعرّف على أهميته أكثر فأكثر .

يمثل الأطباء عماد نظام الرعاية الصحية إذ نجدهم في الواجهة يذودون عن حمانا وبما أننا في زمن كورونا تزداد حاجتنا إليهم أكثر من أي وقت مضى وإلى مهمتهم التي تتطلب الدعم والقدرة على التكيف مهما حصل. 

 لقد بثّت الأدلة الجديدة فينا الجزع بما أنها تبيّن أن الوضع قد يسوء أكثر فأكثر في الأيام القادمة.

في المقابل لابد أن يتحلى الطبيب بالتحدي ويتسم بالعمل الدؤوب كالمعتاد.

وقد تكون بعض العوامل حامية ووقائية بالنسبة إليه كالصحة العقلية و الأمن الوظيفي .  يبدو أن بعض العوامل الضامنة لسلامة الصحة العقلية للطبيب كالأمن الوظيفي، واستقلالية صنع القرار، والاستقلالية المادية نال منها الوباء كثيراً فلم تعد متوفرة.

قال الأستاذ دين إن الدراسات الجديدة بشأن البلدان التي سجلت حالات إصابة عديدة بوباء كوفيد-19 تبين أن قرابة نصف الأطباء يبلّغون عن أعراض الاكتئاب والقلق البادية عليهم وهو أمر مثير للريبة.

نحيط علماً  بآثار الصحة العقلية طويلة المدى بالرجوع إلى الأوبئة السابقة إذ يمكن أن تبدو هذه الآثار على 10 بالمائة من الأطباء المصابين.  

ركزت الدراسة على أهمية هذه المسألة إذ لم تقتصر على رغبة الأخصائيين في الميدان المتمثلة في رعاية زملائهم فحسب بل شخّصت ما يحتاجه النظام الصحي في أي بلد ألا وهو قوة عاملة وسليمة من الأطباء.

وتشير المراجعة تأكيداً على ذلك إلى الدراسات المرتقبة التي بدورها تبيّن أن الأطباء المصابين بالاكتئاب يرتكبون أخطاء علاجية أكثر بست مرات من الطاقم الطبي السليم.

 إن اعتلال الصحة العقلية للأطباء وسوء استخدام الدواء يعدان سببان رئيسيان لضعف استفسارات المنظمين الطبيين.

اقترحت الدراسة أن الأطباء المصابين بأمراض الصحة العقلية لا يقدمون على طلب المساعدة، مثل العاملين باختصاصات أخرى.

فنجدهم في حيرة من أمرهم خشية من مشاكل تتعلق بالسرية و بعواقب افصاحهم عن مرضهم على حياتهم المهنية والتسجيل الطبي والترخيص وضيق الوقت.

كما أن الأطباء يعتقدون أنهم قادرين على معالجة أنفسهم معالجة ذاتية.

 بيّنت الدراسات السابقة أن إصابة الأطباء بأمراض الصحة العقلية أوجدت وصمة العار الذاتية بشكل كبير وتقتات هذه الوصمة على الآراء والمخاوف.

تعتبر الأغلبية أن الطبيب شخصا منيعا ومحصّناً من الأمراض ويخشى الأطباء لو أصيبوا بأمراض الصحة العقلية التمييز بينهم وبين الأطباء الأصحاء وأن تُطاردهم وصمة العار الثقافية في المهنة.

لذا يتوانى الأطباء عن طلب يد المساعدة والتعافي.

بيّنت الأدلة الجديدة وجود علاقة بين مجال التخصص وخطر الانتحار وأشارت مراجعة سابقة أجريت سنة 2019 إلى أن أطباء التخدير والأطباء النفسيين والأطباء العاميين والجراحين العاميين أكثر عرضة للانتحار من المختصين الآخرين. ولكننا نترقب أبحاث جديدة لإثبات صحة ذلك.

ونحن نجهل كذلك ما إذا كانت هذه النتيجة تُعزى إلى اعتلال الصحة العقلية لهؤلاء المتخصصين أو لأن وسائل العلاج التي يستخدمونها يمكن أن تفتك بحياة الإنسان في حالة سوء استخدامها والحال أنها متاحة لهم أو لعقبات أخرى تمنعهم من طلب يد المساعدة أو لكل هذه العوامل وعوامل أخرى.

الحاجة إلى المزيد من العون

غالباً ما تكون عوامل الخطر النفسية والاجتماعية النمطية في مكان العمل المتطلبات المفرطة للعمل، أو المتطلبات المتضاربة للعمل، وعدم الموازنة بين العمل والحياة الأسرية، وطول ساعات العمل، والخلافات بين الموظفين. وتحدث هذه العوامل اعتلالاً في الصحة العقلية للأطباء.

وثمة عوامل خطر أخرى بالنسبة للأطباء المبتدئين أثناء التدريب، بما في ذلك طول ساعات العمل، و ساعات الدراسة والامتحانات.

اقترح الباحثون نهجاً متسقاً لمبادرات مختلفة تمتد من الوقاية إلى التعافي والعودة إلى مكان العمل لإنشاء مكان عمل صحي في المجال الطبي.

ويتوجب تنفيذ ذلك على المستوى الفردي والتنظيمي .

رغم استخدام أطر عمل مماثلة في قطاعات أخرى مع المتدخلين الأوائل، مثال لحرص الباحثون على تخصيص إطار عمل للأطباء يتوافق مع الخصائص المميزة لنظام الرعاية الصحية والتدريب الطبي .

“بينما نقترح تعديلات على المستوى الفردي والتنظيمي وعلى مستوى الأنظمة تظل الحاجة إلى البحث عن أساليب أفضل وأنسب مُلحّة  وضرورية. إن تمكين الأطباء من طلب يد المساعدة والدعم بسرية تامة وفي أقرب وقت ممكن يعتبر حلاً للتخفيف من وطأة الأمراض العقلية أو تجنبها “.

قال الأستاذ هارفي : “وفي هذا السياق، عقد معهد بلاك دوج وجامعة نيو ساوث شراكة مع مجموعات أخرى لإنشاء مركز للصحة الإلكترونية، الشبكة الأساسية للمهنيين الصحيين لتحقيق الصحة العقلية والحصول على النصيحة الازمة ومفاد ذلك أن كل متخصص صحي في جميع أنحاء أستراليا يمكنه الحصول على دعم الصحة العقلية السريع والسري والمجاني “.

صرح الأستاذ دين أن أصحاب المصلحة المشاركين في تدريب الأطباء كالمعلمين مثلا يضطلعون بدور مهم في تغيير ظروف التدريب الطبي.

” تؤثر هذه المراجعة على العاملين في قطاع التعليم العالي لأن المهمة المناطة على عاتقنا تتمثل في تكوين الأجيال القادمة من الأطباء وتتمثل مهمة الجامعات ومعاهد البحث الطبي في تطوير واختبار الخدمات الصحية وتعديلات النظم الصحية مع ايلاء أهمية كبرى لاحتياجات الصحة العقلية للأطباء”.  

 المصدر: https://medicalxpress.com

ترجمة إكرام الدعاسي

تويتر: @IkramDaassi

 مراجعة: هبة عبدالمحسن الصريصري


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!