قمة السلم الوظيفي قد تقتلك

قمة السلم الوظيفي قد تقتلك

30 يناير , 2022

دراسةٌ حديثة تحذر المديرين التنفيذيين وغيرهم من كبار الإداريين أصحاب المناصب ذات الضغط الكبير قائلةً: «ضغط العمل قد يقلل من سنوات عمرِكمُ، ما يقودكم للموت أصغر من الموظفين المتوسطين».

يواجه المديرين التنفيذيين نظام عملٍ شاقُ ومتطلب، ومع ازدياد مقتضيات العمل يأخذ عمرهم في التناقص.

قاد توم نيكولاس، أستاذ إدارة الأعمال في جامعة هارفرد، دراسةً تاريخية رصدت أحوال ومعدل وفيات أكثر من ألف مدير وموظف في شركة جنرال إلكتريك-General Electric. وأظهرت الدراسة أن مديري الأعمال ذوي المناصب العالية يتوفون قبل الموظفين الاعتياديين بثلاث أو خمس سنوات في المتوسط في شركة جنرال تك، وتربط الدراسة سبب الموت بضغط العمل.

يقول نيكولاس أستاذ إدارة الأعمال، «ما بدأنا في إدراكه أن الحياة فوق القمة ليست بالهينة».

إن التبعات الصحية المضرة في المهن المحفوفة بالضغط آخذة في جذب انتباه رجال الأعمال، إذ لا يؤرقهم صحة موظفيهم فحسب بل وقدرتهم الإنتاجية كذلك. فقد أشارت الدراسة أن صحة الموظف مرتبطةٌ بالأداء.

وتتناقض نتائج دراسة نيكولاس مع دراسات وايت هال-Whitehall studies، وهي مبادرة بحث بريطانية بدأت في تعقب ورصد الموظفين الحكوميين الذين عملوا في منطقة وايت هال في لندن عام 1959م. إذ ينسبُ الباحثون في دراسة وايت هال سبب نقص العمر المتوقع للموظفين الحكوميين في المناصب المتوسطة، والذين يتوفون عادةً في سنٍ أصغر من رؤسائهم، إلى الضغط النفسي الناتج عن العمل في المناصب الثانوية.

من الأكثر تعرضًا للضغط: المديرين أم التابعين؟

يقول نيكولاس أنه أراد في البداية أن يعرف هل باستطاعته إعادة نتائج دراسة وايت هال على منظمة أكبر. وقد تفاجئ من أن نتائج دراسته تلقي بظلال الشك على فكرة دراسة وايت هال القائلة إن الموظفين في المناصب الأقل هم أكثر عرضة للمعاناة من أعراض ضغط العمل.

فيقول: «هذه الدراسة تناقض نتائج دراسة وايت هال، فقد تبين أن كبار المديرين قد يكونوا عرضةً لمشاكل صحيةٍ أكثر».

وقد أظهرت الأبحاث السابقة نتائج متباينة من ناحية الروابط بين الضغط النفسي والمناصب العالية. ففي الأحياء، مثلًا، وجدت دراسة للجماعات الاجتماعية للحيوانات الرئيسية أن القردة القادة كانوا في بعض الأحيان أكثر ضغطًا، وفي بعضها أقل ضغطًا من القردة الأخرى في المناصب الأقل ضمن الجماعة.
وقد وجد الباحثون الدارسين للحيوانات الرئيسية أن السعي للمكانة من الممكن أن يحمل ضررًا للصحة على المدى الطويل.  

وقد وجدت الدراسات الحديثة لبيئات العمل أن المناصب التنفيذية لها آثارها الضارة، وتسبب غالبًا أمراض للجهاز القلبي والوعائي وجهاز المناعة. 

الحياة والموت في جنرال تك

اختار نيكولاس في بحثه أن يعود إلى عام 1930م ليفحص عمل وحياة المديرين في جنرال تك.

وقد اعتمد نيكولاس اعتمادً كبيرًا على سجل الموظفين في جنرال تك، والذي يحوي قائمة بكل المديرين تحت الهيكل التنظيمي للشركة. كما استخدم بياناتٍ من الإحصاء السكاني الأمريكي وبعض الوثائق العامة والخاصة كذلك، ليحدد الحالة الاجتماعية والمهنية للمديرين في حياتهم الوظيفية، بدءً من قيمة منازلهم وحتى الترقيات التي تلقوها.  

ويشير نيكولاس أن جنرال تك كانت معروفةً بتقديمها امتيازاتٍ صحية قوية ومتميزة عن غيرها لموظفيها عام 1930 وما بعده. لكن الشركة أيضًا كانت غارقة في فضيحة تحديد أسعار في مطلع الستينيات، ما أدى لفضح بعض الإداريين علنا أو طردهم أو سجنهم أو إنزالهم مرتبة أقل-كل ذلك سبب ضغطًا شديدًا على أصحاب الدرجات العالية في الشركة.

وبعد أن جمع نيكولاس قاعدة بيانات للحالة الاجتماعية المقدرة والمستويات الإدارية للمديرين في شركة جنرال تك، أعاد تطبيق بياناته على نماذج إحصائية عديدة.

فوجد نيكولاس أن نسبة الوفاة لأصحاب المناصب العالية في جنرال تك كانت أعلى بنسبة 1.4 من الموظفين ذوي المناصب الأقل. بالنسبة للأشخاص الأكبر من 30 سنة عام 1930 ارتبط وجودهم في المناصب العالية للسلم الوظيفي بحياة أقصر بنسبة 3.9 سنة. أما الأشخاص الأكبر من 40 سنة عام 1930م فقد قدر نيكولاس لهم بحياة أقصر  نسبة  3.3 سنة.

ويختتم نيكولاس دراسته قائلاً: « بغض النظر عن التشابه بين موظفي جنرال تك وموظفي وايت هال من ناحية العرق، والحياة، والتعليم، وبيئة العمل، وانخفاض معدلات تبديل الموظفين، والصحة. فإني أجد أن الموظفين أصحاب المكانة العالية في جنرال تك أكثر عرضةً لنقص العمر».

ضغط العمل يختلف من مكان لآخر

هل على المديرين التنفيذيين والإداريين الكبار أن يقلقوا من تلك النتائج؟
يقول نيكولاس الإجابة: نعم ولا.

يمضي نيكولاس فيقول: « مع أن الآثار الضارة للمناصب الرفيعة في شركة جنرال تك قد تقلق بعض من يعمل في مناصب رفيعة أيضًا في شركة أخرى، فليس كل صناعة أو منظمة تنطبق عليها النتائج نفسها. فالضغط الإداري للعمل يختلف من شركةٍ لأخرى ومن صناعة لأخرى ومن قطاعٍ عام لآخر خاص».

«إننا نتعامل مع أمور معقدة».
ويحرص نيكولاس على أن يبين أن بحثه لا يزعم أن الوظائف الإدارية والرفيعة أكثر خطورة من المناصب الأخرى كالوظائف المكتبية المرهقة جسديًا.
«لا أحد يقول إن وظائف المديرين التنفيذيين أكثر خطورة من حمال الخشب مثلاً».

ويضيف، تشير بعض الدراسات أن بيد كبار الإداريين تخفيف ضغط العمل بعيش حياةٍ متوازنة، تقوى فيها العلاقات الاجتماعية والأنظمة الداعمة. ويدرس العلماء حالياً طرق أخرى لتخفيف ضغط العمل.
لابد من مزيدٍ من الأبحاث لنحدد حجم الضغط وآثره على مختلف الموظفين، ولنعرف هل تنطبق نتائج هده الدراسة على منظماتٍ أخرى.

«علينا أن نكثف العمل، لنعرف ما يسبب المشاكل الصحية. الخطوة القادمة لنا أن نبحث وندرس شركاتٍ ومنظماتٍ أخرى لنفهم ما يحدث».

المصدر: https://hbswk.hbs.edu

ترجمة: عبدالرحمن نصرالدين

مراجعة: د. فاتن ضاوي المحنّا

تويتر: @F_D_Almutiri


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!