crossorigin="anonymous">
16 أغسطس , 2021
يعد مرض الزهايمر المسبب الأشهر للخَرَف، فهو يتلف تدريجياً الذاكرة والقدرة على التفكير والسلوكيات حتى يصل في النهاية لإتلاف القدرة على تنفيذ مهام الحياة اليومية.
وفي ظل بحث العلماء عن العلاج، أخذنا ندرس أكثر عن العوامل البيئية والوراثية التي تساهم في زيادة مخاطر الإصابة بالزهايمر والخرف في وقت متأخر.
وأخذتُ أبحث أنا وزملائي، من قسم علوم الطب الوقائي وعلم الأعصاب وعلم الشيخوخة، عن دور تلوث الهواء الخارجي على وجه الخصوص.
وقد أصبح بحثنا الذي أجريناه عام 2017م أول دراسة في الولايات المتحدة تستخدم بيانات كلاً من الإنسان والحيوان لتكشف أن عملية شيخوخة الدماغ المصحوبة بتلوث الهواء قد تزيد خطر الإصابة بالخرف. وتكشف أحدث دراساتنا أن النساء اللاتي عشن في أماكن يرتفع فيها مستويات الـ PM2.5-وهي المادة الجزيئية الدقيقة التي تنبعث من الشاحنات والمصانع-قد عانوا من فقدان الذاكرة وتقلص في الدماغ مشابه لمرض الزهايمر، وهو أمرٌ لا يظهر عند النساء اللاتي تعشن في مناطق ذات هواء أنقى من هذا.
كل تلك النتائج تشير للسبيل نحو تجنب أحد عوامل الإصابة بالزهايمر: وهو أن نقلل تعرض الإنسان لمادة الـ PM2.5. لكن يا للأسف فالقول أسهل من الفعل.
تتكون مادة الـ PM2.5، المعروفة أيضاً بالسخام، من جزيئيات من المواد الكيميائية لا ترى بالعين المجردة، وعوادم السيارات، والدخان، والغبار ومواد ملوِثة أخرى تتطاير في الهواء. ويُقدر أن واحد من كل ستة أمريكيين يعيش في مقاطعاتٍ تحوي مستويات غير صحية من تلوث الجسيمات.
ولا زلنا نبحث إذا ما كان لمادة الـ PM2.5دورٌ في تعجيل عمليات شيخوخة الدماغ في المرحلة قبل العلاجية -وهي المرحلة “الخفية” من المرض التي تكون قبل ظهور أي عرض لمرض الزهايمر أو الخرف.
وقد اكتشفنا، في دراسة أجريت عام 2017م هي الأولى على مستوى البلاد التي تهدف إلى الربط بين التعرض لمادة الـ PM2.5 والتدهور الإدراكي [العقلي]، أن النساء كبار السن عرضة مرتين للإصابة بتدهورٍ إدراكي بارز إذا عاشوا في أماكن يزيد فيها مستوى الـ PM2.5 عن معايير وكالة حماية البيئة الأمريكية مقارنة بمن لم يعش في هذه الأماكن. وقد تمكنا من تفسير عوامل أخرى للإصابة بالخرف كالتدخين وقلة الرياضة والعلاج الهورموني، وذلك لتعاوننا مع مبادرة صحة المرأة لدراسة الذاكرة التي قامت بدورها بمتابعة المشاركين عن كثب.
وفي دراسة جديدة أردنا أن نعرف كيف تتغير أدمغة كبار السن إذا تعرضوا لمستوياتٍ مختلفة من الـ PM2.5 في السنين التي تسبق ظهور أعراض الزهايمر. وقد تتبعنا في الدراسة 712 امرأة يبلغ متوسط أعمارهم 78 عاماً، ولم تكن تلك النساء تعاني من الخرف في بداية الدراسة، وقد خضعوا لأشعة التصوير بالرنين المغناطيسي لأدمغتهم على مدى خمسة سنوات متفرقة. وقد تمكنا، بعد أن جمعنا بيانات المراقبة التابعة لوكالة البيئة ومحاكاة جودة الهواء، من تحديد مستويات مادة الـ PM2.5في الأماكن التي عاش فيها الخاضعين للدراسة قبل أن يخضعوا لفحص الرنين المغناطيسي الأول.
فوجدنا أن النساء كبار السن كانوا أكثر عرضة للإصابة بتقلص في الدماغ مشابه لمرضى الزهايمر. وحين قارنا أشعة دماغ النساء التي تعشن في أماكن يرتفع فيها مستوى مادة الـ PM2.5 بأشعة دماغ النساء التي يعشن في ظل مستويات أقل من الـ PM2.5وجدنا أن خطر الإصابة بالخرف ازداد بنسبة 24% على مدار الخمس سنين. ومما يثير القلق أن تلك التقلصات في الدماغ قد ظهرت لدى نساء لا يعانين من مشاكل في الذاكرة. وقد كان التقلص في أدمغتهم أكبر إذا عاشوا في أماكن يرتفع فيها مستوى مادة الـ PM2.5في الهواء الطلق، حتى وإن كانت تلك المستويات موافقة لمعايير وكالة حماية البيئة.
ومؤخراً، فحص باحثون في إسبانيا أشعة دماغية للتصوير بالرنين المغناطيسي لأشخاص يتمتعون بالصحة يواجهون خطر الإصابة بالزهايمر، ووجد الباحثون علاقة بين التعرض للهواء الملوث وبين تقلص حجم وسماكة بعض مناطق الدماغ التي يُعرف بأن الزهايمر يؤثر عليها.
وقد فحصنا أيضاً الذاكرة العرضية التي تحتوي ذكريات أحداث معينة ويؤثر فيها مرض الزهايمر مبكراً. فإذا كان تدنِ الذاكرة العرضية متعلق بالعيش في أماكن تزداد بها مادة الـ PM2.5هل يمكننا أن نثبت بالأدلة أن هذا التدهور الإدراكي هو نتيجة تقلص حجم الدماغ تمامًا كتقلصه في حالة الزهايمر؟
وقد أتاحت لنا بيانات مبادرة صحة المرأة لدراسة الذاكرة، وأشعة التصوير بالرنين المغناطيسي القديمة أن ندرس التغيرات التي تحدث عبر الوقت، لما يقارب الـ 1000 امرأة. فاكتشفنا أن حين تزيد مادة الـ PM2.5 في الأماكن التي عاشت فيها تلك النساء، يزيد أيضا تدنِ الذاكرة العرضية. ويمكن أن يعزى سبب تدن 10% إلى 20% تقريباً من الذاكرة الأكبر إلى تقلص حجم الدماغ المشابه للتقص الي يسببه مرض الزهايمر.
ولأنه يُعتقد أن المرحلة “الخفية” لمرض الخرف تبدأ بعقود قبل ظهور الأعراض، فإن نتائج دراساتنا الحديثة تثير المخاوف من أن التعرض لتلوث الهواء خلال بداية أو وسط العمر، لا يقل خطورة عن التعرض له في آخر العمر أو قد يزيد.
وللجينات دورٌ أيضاً في الزهايمر، فقد أظهر بحثنا، أن جين الزهايمر الخطير المعروف بـ APOE4يتفاعل مع جسيمات الهواء لتعجيل عملية شيخوخة الدماغ. وقد وجدنا أن الخطر البيئي للإصابة بالزهايمر بسبب التعرض الطويلة لمادة الـ PM2.5، كان أعلى بمرتين أو ثلاث بين النساء اللاتي لديهن جينان من جين الـ APOE4، مقارنةً بالنساء اللاتي ليس لديهن هذا الجين.
وقد تقصى باحثون آخرون الترابط المحتمل بين ذلك الجين والبيئة. فلم تجد، إحدى الدراسات السويدية عام 2019، دليلاً قوي على وجود تفاعل بين الجين والبيئة. لكن وجدت دراسة أجريت في عام2020، مستخدمةً بياناتٍ جُمعت من سكان كبار السن في حيّان من أحياء نيويورك، علاقةً بين التعرض طويل المدى للتلوث وتدني المستوى الإدراكي، مع وجود معدلات تدنٍ أعلى عند الأشخاص الذين يحملون جين APOE4.
ويُلزم قانون الهواء النظيف، في الولايات المتحدة، وكالة حماية البيئة بتطوير معايير جودة هواء التي توفر حداً مناسباً من السلامة وذلك لحماية السكان ذوي الحساسية، كالأطفال وكبار السن.
وكان أمام الحكومة الأمريكية في عام 2020 الفرصة لتعزيز تلك المعايير، وهي خطوةٌ قال علماء وكالة البيئة أنها قد تنقذ الآلاف من حالات الوفاة المبكرة بسبب المخاطر الصحية كأمراض القلب مثلاً. ويطالب العلماء بوضع معايير أشد حزماً، مستشهدين بالمشاكل الصحية المرتبطة بمادة الـ PM2.5. على أن مدير وكالة البيئة أندرو ويلير (Andrew Wheeler) رفض ذلك في السابع من ديسمبر معلناً أن المعايير ستظل كما هي.
المصدر: https://medicalxpress.com
ترجمة: عبدالرحمن نصرالدين قنديل
تويتر: @abdonasr77
مراجعة: عائشة السويركي
اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية
اترك تعليقاً