كيف يكون التعلم ذاته سبباً للسعادة بدلاً من نيل المكافآت؟

كيف يكون التعلم ذاته سبباً للسعادة بدلاً من نيل المكافآت؟

14 مايو , 2021

ترجم بواسطة:

سماح الرفاعي

لم يكن يوماً هوسنا بالسعي نحو السعادة حديث عهدٍ كما يبدو. فقد دار الجدل بين أوساط الفلاسفة من أرسطو حتى جيرمي بنثام حول الأهمية البالغة لسعادة للفرد. هذا واقترح بنثام مبدأ يقول: ” إن الميزان الحقيقي لمعرفة الصواب من الخطأ هو تحقيق ذروة السعادة للسواد الأعظم من الناس”. ويشكل هذا النهج سياسات العديد من الدول التي تقوم بنشر تدابير السعادة للسكان.

ولكن تبين أنه من الصعf تحقيق الهدف المتمثل في زيادة سعادة المجتمع. إذ يُعزى هذا الأمر جزئياً إلى صعوبة تحديد العوامل الأكثر صلة بالسعادة. فعلى سبيل المثال، يعتقد الكثير من الناس أنهم سيكونون أسعد لو كان لديهم المزيد من المال فقط، إلا أن الفوز باليانصيب أو الحصول على علاوة مالية وما شابه ذلك من الأحداث غالباً لا يسعها إلا أن تؤثر تأثيراً مؤقتاً على السعادة. وفي المقابل، تفيد دراستنا الحديثة المنشورة في مجلة إيلايف أن عملية التعلم قد تؤدي دوراً يتسم بمزيد من الأهمية والاستمرارية.

وأشارت دراسة أخرى أجريت مؤخراً إلى أن العامل الرئيسي المسبب للسعادة فيما يخص نيل المكافآت، أن العبرة ليست بالمكافأة ذاتها بل بمدى توافق هذه المكافأة مع التوقعات التي نضعها. وبالتالي، لن تشعر أنك أسعد عند حصولك على علاوة مالية إلا إذا كانت أكبر مما تتوقع. ويطلق على هذا الاختلاف، بين المكافأة المتوقعة وبين الحقيقية، ” خطأ التنبؤ بالمكافأة “.

ويؤدي خطأ التنبؤ بالمكافأة دوراً أساسياً في عملية التعلم، وذلك لأنه يحفز الناس لتكرار السلوكيات التي أفضت إلى نيل مكافآت كبيرة وغير متوقعة. كما أنه يمكن الاستفادة منه لتجديد المعتقدات التي تكونت عن هذا العالم، وقد يكون ذلك مكافأة في حد ذاته. فعلى سبيل المثال، إذا حصلت على علاوة أكبر مما توقعت لبذلك جهداً مضاعفاً في التفاوض مع رئيسك في العمل، ستدرك حينها أنها طريقة مجدية تستحق أن تتمسك بها. كما من شأنها أن تشعرك أنك بالفعل استحققت ذلك.

فهل يعني هذا أن خطأ التنبؤ بالمكافأة مرتبط بالسعادة وليس لغرض المكافأة، بل أنه يساعدنا على فهم العالم بشكل أفضل من ذي قبل؟

التجربة

وفي دراسة أجريناها مؤخراً، وضعنا هذه الفكرة تحت التجربة، إذ قمنا بتصميم مهمة في ظروف لا تحتمل ارتباط المكافأة بحجمها، مما جعلنا قادرين على الفصل بين إسهامات التعلم وبين المكافأة في سبيل تحديد أسباب السعادة.

وكانت التجربة أن يلعب 75 مشاركاً لعبة يقوم فيها المشاركون باتخاذ قرار بشأن أياً من السيارتين سوف تفوز في السباق ودون معرفة مسبقة بمجريات التجربة. ففي الظروف ” الثابتة”، كانت نسبة الفوز لإحدى السيارتين دائماً 80%. أما في الظروف “المتغيرة”، فقد كانت نسبة الفوز لإحدى السيارتين 80% في أول عشرين محاولة. بينما كانت نسبة الفوز للسيارة الأخرى 80% في العشرين الثانية. ولم يُطلِع القائمون على التجربة المتطوعين على هذه الاحتمالات في وقت مسبق بل يتعين على المتطوعين اكتشاف ذلك من خلال المحاولة والخطأ أثناء ممارسة اللعبة.

 وفي كل محاولة، عُرض على المتطوعين المكافأة التي سوف يتلقونها في حال فوز السيارة التي اختاروها. وقد جرى تحديد الجوائز المحتملة للسيارتين بطريقة عشوائية. وفي هذه الحال، لابد من وضع كلاً من المكافآت المحتملة واحتمالات الفوز في عين الاعتبار لاتخاذ قرارات صائبة. (ولا شك أنك غالباً تريد أن تفوز بحصة كبيرة). ولكن لم يكن حجم المكافآت مفيداً في معرفة أي سيارة هى المرجحة للفوز في المستقبل.

وفي كل بضع محاولات، طُلب من المتطوعين أن يقوموا بتحريك مؤشر ليشير ذلك إلى مستوى سعادتهم الحالية، ولا عجب أن تجد المتطوعين أسعد حين فوزهم مقابل خسارتهم. وعند النظر إلى المتوسط، كانوا لا يزالون أقل سعادة في ظروف التجربة المتغيرة مقارنة بالثابتة. وينطبق هذا بشكل خاص على المتطوعين الذين عندهم أعراض اكتئاب.

ولكن المفاجأة الكبرى هى أن السعادة لا تعتمد على حجم المكافآت على الإطلاق. بل اعتمدت لحظات السعادة العابرة على الحصول على نتائج أفضل من المتوقع، ولهذا كان أداء السيارات أفضل مما توقع المشاركون. وبالتالي، ساعد هذا الأمر المتطوعين على تجديد معتقداتهم بغض النظر عن حجم المكافآت. وبمعنى آخر، شعر المشاركون بالارتياح لخوضهم في عملية تعلم طريقة اللعبة وليس لأجل مقدار المكافأة التي ظفروا بها.

فوائد التعلم

تشكل طريقة تعلمنا عن العالم أهمية بالغة نحو ما نشعر به وهى أهمية تتخطى المكافآت التي نتلقاها بشكل مباشر كما أشارت إلى ذلك نتائج التجربة. ويبدو الأمر منطقياً عندما تعتقد أن عملية التعلم مكافأة في حد ذاته سواء كان ذلك تعلم لغة أو حقائق تاريخية أو لعبة سودوكو أو لعبة حاسوب. وهذا يعني أن السعي لاقتناص فرص التعلم والاستمتاع بالتعلم لا يقتضي بالضرورة تحقيق مكسب مادي. ويدعم هذا الأمر أنك لن تجد شخصاً يستمتع بممارسة لعبة في غاية السهولة أو لعبة يستحيل حلها، ففي كلا الحالتين لا تقدم اللعبتان إلا النزر اليسير في سبيل فرص التعلم. وعلى العكس من ذلك، تجد أحدنا يستمتع بممارسة لعبة في غاية الصعوبة لإتقانها.

لذا، قد يكون من المهم لسعادتنا البحث عن فرص سانحة للتعلم بشكل منظم. وفي واقع الأمر، أوضحت البحوث أنه قد يضعف الدافع وراء ممارسة نشاط مجزٍ في حد ذاته – مثل العمل على حل مشكلة – وذلك عندما يُعرض في مقابله مكافأة (مثل مقابل مادي). وإذا ما نظرنا إلى أرض الواقع، سنجد أنه غالباً ما تكون المكافآت غير مضمونة وشحيحة، ولكن الجانب المشرق هنا هو أن التعلم يحمل في طياته القدرة على تعزيز السعادة. 

وإضافة إلى ما سبق، تثير الدراسة التي أجريناها تساؤلات مهمة مثل ما الذي يجعل بعض الأشخاص أسوأ في تعاملهم مع الأوضاع المضطربة مقارنة بغيرهم، مثل المصابين بالاكتئاب. وفي هذا الصدد، ثمة حاجة إلى إجراء المزيد من البحوث لفهم مالذي يجعل الأمور تجري على هذا النحو. ولبلوغ هذه الغاية، قمنا بتطوير تطبيق هاتف ذكي وأطلقنا عليه اسم (مشروع السعادة) وهو متاح للتحميل بشكل مجاني لغرض المساهمة في البحث العلمي المتعلق بالسعادة. 

ويتضمن هذا المشروع الضخم المسمى بعلم المواطن ألعاباً تعتمد على التعلم واتخاذ القرارات وإرسال تقرير عن مدى سعادتك أثناء ممارستها. وتساعدنا استطلاعات رأي مجهولة المصدر في فهم الاختلافات بين الناس وقد تساعدنا كذلك في تفسير ما يحدث في حالات شائعة مثل القلق والاكتئاب. ولا يزال هناك الكثير لتعلمه عن السعادة وفي استطاعة الجميع المساهمة في ذلك.  

المصدر: https://theconversation.com

ترجمة: سماح عيد

مراجعة: عبدالرحمن نصرالدين


تويتر: @abdonasr77


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!