الأدوات الحجرية تكشف الطريقة التي عاش عليها سكان الجزر

الأدوات الحجرية تكشف الطريقة التي عاش عليها سكان الجزر

25 أكتوبر , 2020

دقق بواسطة:

Norah Suhluli

الكهوف والجزر والبحار كيف تم اكتشافها ومتى وكيف تأقلم البشر عليها وتنقلوا بينها. هذا المقال يخبرنا عن ذلك وعن الكنوز التي بقيت هناك ورحل مالكوها.

الأدوات الحجرية

بقلم: شيمونا كيالي، سو اوكونور, الجامعة الوطنية الأسترالية

الخرزات والفؤوس التي وُجدت في الكهوف في أقاصي أندونيسيا تؤكد الوجود الحقيقي للبشرية منذ زمن طويل في البحار البعيدة والذين كانوا يعيشون فيها عندما شارف العصر الجليدي على الانتهاء.

اكتشافاتنا التي نُشرت اليوم في ” بولس ون” ترجح وصول الانسان إلى الجزر الاستوائية وخصوصًا جزيرة أوبي قبل 1800 سنة مضت على الأقل وقدا قاموا بالعيش والتكيف بنجاح هناك لمدة ناهزت العشر الاف سنه مستقبلية كحد أدنى.

كما تشير الأدلة الآثرية الأولى المباشرة إلى أن هذه الجزر كانت بالنسبة لهم كجزيرة الاحلام التي هاجروا إليها منذ آلاف السنين عبر هذه المنطقة.

وفي مطلع أبريل من السنة الميلادية 2019 أصبحنا وزملاؤنا في أندونيسيا أول علماء آثار الذين اكتشفوا أوبي في مقاطعة مالوكو أوترا بإندونيسيا.

وقد وجدنا أقدم مثال في شرق أندونيسيا لفؤوس ذات حواف صخرية صُنعت عن طريق حف وتنعيم قطعة من الحجر حتى أصبحت ذات شفرة حادة باستخدام مادة صلبة كالحجر الترابي أو الرملي. وكانت تلك الأدوات تستخدم على الأرجح لقطع أشجار الغابة وصناعة القوارب الخشبية الصغيرة المصنوعة من الشجر.

وترجح أبحاثنا بان البشر قبل التاريخ الذين عاشوا على أرض أوبي كانوا متمرسين ومعتادين على الحياة البرية والبحرية يصطادون في الغابات المطيرة ويبحثون عن المؤن بركوبهم البحار، لذا قاموا بصناعة القوارب الصغيرة للتنقل بها بين الجزر.

ويعتبر بحثنا هذا جزءًا من مشروع للتعرف أكثر على الكيفية التي غادر فيها الناس القارة الاسيوية لأول مرة متوزعين في الامصار عبر الارخبيل الاندونيسي وصولًا إلى سأهول القارة المعروفة قبل التاريخ والتي كانت تربط أستراليا بغينيا الجديدة.

صخور الجزيرة الابتدائية:

النموذج السابق الذي قدمه الباحثون من منظمة CABAH يبين فيه مجموعة من الجزر الصغيرة في شمال شرق أندونيسيا- وتحديدًا في أوبي- والمعروف باسم « الصخور الابتدائية» التي استخدمها البشر في أول الرحلات الشرقية للوصول إلى شمال سأهول (المعروفة حاليا بغينيا الجديدة) قبل 50-65 ألف سنه ماضية.

أان الهجرة عبر هذه المنطقة والتي يطلق عليها اسم ” والاسيا” نسبة للمكتشف وعالم الطبيعة ألفرد روسيل والاس، تتطلب عبور بحار عديدة. وهذا الارخبيل العظيم له بصمة فريدة في تاريخ البشرية باعتباره أول مكان ينطلق منه البشر في رحلاتهم البحرية الطويلة.

وقد وضح بحثنا السابق بأن جزر والاسيا الشمالية بما فيها أوبي كانت قد مهدت الطريق الأسهل للهجرة. ولكن للرجوع والاستناد على هذه النظرية احتجنا لأدلة أثرية لحياة الانسان في هذه المنطقة البعيدة في العصور القديمة. ولهذا السبب سافرنا إلى أوبي للبحث عن مناطق الكهوف التي قد تُظهر لنا الأدلة على استعمار البشر لتلك الأرض في الماضي.

وهذه الخريطة لتلك المنطقة توضح موقع جزيرة أوبي ومواقع الحفر التي تمت بواسطة الفريق وكذلك الجغرافية القديمة لتلك المنطقة عندما كان مستوى سطح البحر أقل.

أدوات وكنوز:

استطعنا العثور على طبقتين صخريتين بمثابة المأوى بقرية كيلو الواقعة على الساحل الشمالي لـ أوبي وكانتا مناسبتين للقيام بأعمال الحفر. وبعد أخذ الأذن من السكان المحليين والاستعانة بهم أيضًا، قمنا بحفر حفر صغيرة بغرض الاختبار في كل مأوى.

فوجدنا أعدادًا كبيرة من المصنوعات من بينها تلك الفؤوس الصخرية والتي يرجع بعضها الى ما يقرب الـ 1400 سنه ماضية. وقد صنعت تلك الفؤوس الحجرية القديمة المتواجدة بقرية كيلو من الرخويات البحرية ذات الصدفتين. كما وُجدت نفس تلك الفؤوس في مكان آخر من المنطقة لها نفس العمر، بالإضافة الى ما تم العثور عليه في جزيرة «جي بي» القريبة بالشمال الشرقي. وكانت تلك الأدوات تستخدم بشكل تقليدي في تلك المنطقة لبناء القوارب. ومن المرجح أن تكون فؤوس أوبي قد استُخدمت لبناء القوارب ليتمكن القدامى من البشر من التواصل ولتنقل بين المجتمعات والجزر المجاورة.

تحتوي الطبقات الأثرية القديمة بالموقع رقم 6 من قرية كيلو على مجموعة من الأصداف والأدوات الصخرية والتي زودتنا بأقدم سجل لحياة البشرية على جزيرة أوبي ويرجع تاريخ سكن البشرية في ذلك المكان الى 1800 سنه ماضية.

في ذلك الوقت كان الطقس أكثر جفافًا وبرودة من هذه الأيام وكانت الغابات المطيرة الكثيفة أقل قابلية للتوغل والاختراق مما هي عليه اليوم. ومستويات البحر كانت أدني بنحو 120 متر وهذا يعني أن أوبي كانت أكبر بكثير وتشمل ما يعرف اليوم بجزيرة بيسا، بالإضافة إلى العديد من الجزر الصغيرة الأخرى المجاورة.

وقبل 11700 سنه مضت وبالتحديد عندما شارف آخر عصر جليدي على الانتهاء أصبح الطقس أكثر دفئًا ورطوبة، وهذا بلا شك جعل غابات أوبي أكثر كثافة. وربما لا يكون بالمصادفة رؤيتنا للأدلة الأولية في هذه المرة كالفؤوس المصنوعة من الصخور، بدلًا من المصنوعة من الأصداف البحرية كما أن زيادة أعدادها دل على الأعمال الشاقة التي استخدم البشر فيها تلك الفؤوس لتنظيف وتعديل تلك الغابات كلما ازداد الغطاء النباتي الكثيف في تلك الغابات المطيرة. وبينما كانت الأحجار تتطلب ضعف الوقت في صناعة الفأس مقارنة بالأصداف البحرية، فإن لمواد الصلبة أيضًا حافظت على بقاء الحواف الحادة لفترة أطول.

وباختبار العظام التي وجدناها في كهوف كيلو، فقد كان البشر هناك يعيشون على اصطياد الـ ” روث تشايلد كوسكوس” وهو حيوان شبيه بما يعرف باسم البوسوم والذي لا يزال يعيش في جزيرة أوبي إلى الآن. ومع نمو الغابات بشكل كثيف، كان البشر يستخدمون الفؤوس لتنظيف وقطع أجزاء من أشجار الغابات لتسهيل عملية الصيد.

ومرة أخرى، فإنه ليس بالمصادفة أن تكون الفؤوس قد صٌنعت من الأحجار البركانية والتي بقيت حادة لوقت أطول وكانت تستخدم لنفس الغرض في غينيا الجديدة والتي أظهرتها السجلات الأثرية في الوقت الذي كان المناخ فيه يتغير.

كما وجدنا أيضًا الزجاج البركاني والمؤكد بأنه أحضر من جزيرة أخرى، لأنه لا يوجد مصدر معروف في جزيرة أوبي لذلك الزجاج، بالإضافة الى أنواع معينة من الأصداف بكهوف كيلو شبيهة بتلك اتي وٌجدت سابقًا في الجزر جنوب والاسيا. وهذا يدعم فكرة بأن سكان أوبي كانوا يسافرون بشكل معتاد للجزر الأخرى.

الخروج أو المضي قُدُمًا:

توضح أعمال الحفر خاصتنا، أن البشر عاشوا بنجاح في كهوف كيلو لما يقرب من الـ 10 آلاف سنة، ولكن أصبح كلا الموقعين المذكورين آنفا مهجورًا بعد ذلك قرابة الـ 8 آلاف سنة.

هل غادر سكان أوبي الجزيرة بشكل كامل أو أنهم ذهبوا لمكان آخر في نفس الجزيرة؟

قد تكون الغابة قد نمت بشكل لا يستطيع الفأس البشري (وحتى الحجري منها) مجاراة ذلك النمو الكثيف. وربما انتقل الناس إلى السواحل وأصبحوا يصطادون الأسماك، بدلًا من الاصطياد في الغابات.

أيًا كان السبب، فلدينا دليل على استخدام مأوى كيلو بعد ذلك الوقت والى ما يقرب ال 10 آلاف سنة الماضية عندما اٌهلت هذه المنطقة بالسكان الذين كانوا يستخدمون المواد النحاسية وتلك المصنوعة من الفخار. ويبدو من استعراض موقع أوبي في وسط مالوكو «جزر البهارات» الطور الأخير للاستعمار وجود أثر لاستخدام تجار البهارات لملاجئ كيلو أيضًا.

ونتمنى الحصول على إجابات لبعض هذه الأسئلة عندما نعود لأوبي السنة القادمة. فجائحة كورونا منعتنا من حفر بعض الكهوف المتواجدة على الساحل حتى نتمكن من الحصول على تصاريح.

المصدر:  https://phys.org

ترجمة: أحمد بن خالد بن عبدالرحمن الوحيمد

تويتر: AhmadBinKhaled

تلخيص ومراجعة: نوره أحمد صهلولي


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!