النباتات المهندسة للنظام البيئي: حلٌّ مبتكر لمواجهة التصحّر

النباتات المهندسة للنظام البيئي: حلٌّ مبتكر لمواجهة التصحّر

3 فبراير , 2024

ترجم بواسطة:

زينب عبد الله

دقق بواسطة:

زينب محمد

يضمّ مفهوم التصحر تحت جنبيه الأراضي الجافة وشبه الجافة، حيث تعاني الكثير من أنواع النباتات في التكيف مع هذه الأجواء القاحلة، خاصةً إذا ما واجهت أكبر تحدٍّ لها هناك، ألا وهو توفر المياه! ويضاف إلى ذلك عامل المناخ، حيث يشير الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) في تقييمه للنظام البيئي عام 2005 أن الأراضي الجافة تتأثر بشكل خاص بتغير المناخ الذي يتبعه تغير أنماط هطول الأمطار وتدهور التربة، مما يجعلها بيئة يصعب التكيّف معها.

النباتات المُهندِسة

لابد أنك تخيلت ثمرة بطيخ على شكل مكعب! أو شجرة زينة قُلّمت لتصبح سداسية أو خماسية الشكل! وهذا أمر طبيعي منطقي إذا ما ارتبطت كلمة النبات مع الهندسة، ولكننا اليوم نترك المظهر جانبًا ونغوص في أعماق التكوين للنباتات.

لاحظ العلماء خلال تتبع أنواع بعض النباتات خاصةً في المناطق الجافة والتي تعرضت لتغير مناخي كبير أنها استطاعت التكيّف مع هذا التغيّر بطريقةٍ ما، وحافظت بصورة مذهلة على إنتاجيتها وتنوعها البيولوجي، مما سلط عليها ضوء البحث والتمحيص للإجابة عن أكثر الأسئلة العلمية وضوحًا: كيف تعمل؟

رغم أن هذا المجال الواعد لم يتم استكشافه بصورة تفصيلية بعد، إلا أننا اليوم نضع عنوانين رئيسيين لتفنيد الكيفية، أولهما قدرة هذه النباتات على وضع استراتيجيات ذات كفاءة عالية لاستخدام مصادر الرطوبة التي يصعب الوصول إليها، وثانيًا أثرها الملحوظ في تحسين ظروف الرطوبة للنباتات المجاورة، لنتوصل لخلاصة بديهية: هذه النباتات لها قدرة على هندسة النظام البيئي والتكيّف مع تغيراته!

كيف تعمل؟

تطوير النظام الجذري

أظهرت الدراسات أن النباتات في المناطق الجافة وشبه الجافة لديها القدرة على تطوير أنظمة جذرية عميقة للوصول إلى طبقات التربة الرطبة ومصادر المياه الجوفية، أي أنها تعمل بشكل أساسي مثل (Phreatophytes) وهي النباتات التي تمتلك نظام جذري عميق وطويل يمكنّها من امتصاص الماء بالقرب من منسوب المياه الجوفية أو أي مصدر آخر، ويعتمد هذا الأداء بشكل رئيسي على إعادة توزيع النظام الهيدروليكي (HR) وهي عملية تعمل فيها الجذور كمسارات مائية ذات مقاومة منخفضة، تتحرك ضمن مصفوفة التربة المتدرجة بين الجافة والرطبة، حيث إن الهدف الرئيسي من هذه العملية هو تخزين المياه بشكل مؤقت خارج النبات (أي داخل الجذور الممتدة ضمن طبقات التربة العليا الجافة) لتشكل مصدر رطوبة إضافي يُمكن الاحتياج إليه نهارَا خلال عملية النتح، أو ليلًا لإعادة ترطيب النبات.

تحسين خصائص التربة

تؤثر بعض النباتات على مجاميع التربة (Soil Aggregation) وهي ترتيب جزيئات التربة الأولية (الرمل، الطمي، الطين) حول المادة العضوية داخل التربة، وذلك من خلال تفاعل هذه النباتات مع المتغيرات البيئية، مثل: درجة الحرارة، والرطوبة، ونسبة الكربون العضوي، والكائنات الحية الدقيقة في التربة، تفاعلًا ناجعًا يعكس آثارًا إيجابية تحسّن من خصائص التربة، مما يساعد ضمنيًا على نمو النباتات المجاورة واستمرارها، ومن أمثلة هذا التحسن هو زيادة الرطوبة الناتجة عن تطوير النظام الجذري الذي ناقشناه سابقًا، حيث إن توفير رطوبة إضافية في طبقات التربة السطحية خاصة الجافة منها يعزز عملية تحلل المواد العضوية، وتسهيل امتصاص المغذيّات النباتية.

جذر المشكلة

أشرنا في البداية إلى أن المشكلة الرئيسية في المناطق القاحلة هي توافر مصدر الماء، ولكن دعونا الآن نعبر عن هذا الأمر بمصطلح آخر وهو التوازن المائي.

يعرف التوازن المائي على أنه الفرق بين امتصاص الماء وفقدان الماء (عملية النتح)، وعليه، عندما يتجاوز امتصاص الماء النتح، يكون التوازن المائي إيجابيًا، ولكن يظهر مؤشر الخطر في حالة التوازن السلبي، عندما يتجاوز النتح امتصاص الماء، وهذا ما يحدث غالبًا في المناطق الجافة، أو عند تغير المناخ ومعدلات هطول الأمطار، وهنا تحديدًا أظهرت بعض النباتات أنظمة معقدة ومبهرة في التكيف مع هذه التغيرات.

إبداع في التكوين

أظهرت بعض النباتات سلوكًا رائعًا في التعامل مع التوازن المائي السلبي، ومنها نبات الزعتر، الذي يعدّ من النباتات متساوية الهيدرات (Isohydric plants) وهي النباتات التي طورت خلاياها للتعامل مع عملية النتح الشديدة عن طريق إغلاق مساماتها، وبالتالي تقلل من كمية المياه المفقودة، ومن غير المتوقع أن تواجه هذه النباتات توازنًا مائيًا سلبيًا شديدًا أثناء النهار، وعليه، لن تحتاج لعملية إعادة ترطيب مستمدّة من التربة أثناء الليل.

على الجانب الآخر يبرز نبات اللوتس في التطور الجذري الذي سبق عرضه، حيث يصل جذره العميق ثنائي الشكل إلى عشرات الأمتار، ويتمتع بمرونة فسيولوجية كبيرة تتيح له الحصول على الماء من آفاق التربة المنخفضة وربما من منسوب المياه الجوفية، وذلك يعود للدونة سلوكه الهيدروليكي الذي يمكنّه من التكيف مع أعماق منسوب المياه المختلفة، وقد أظهرت دراسة حديثة عام 2021 قدرة نبات اللوتس على تحسين خصائص التربة، وذلك من خلال زراعة نبات الزعتر على بعدين مختلفين، وكانت النتيجة ازدياد كثافة الزعتر بشكل ملحوظ عندما ينمو في محيط 5 أمتار من نبات اللوتس، مقارنةً مع وجوده على بُعد 10-15 مترًا، وبناءً على ذلك قُدّم بحثٌ تفصيلي في عام 2023 يعرض نظرة ثاقبة على عمل نبات اللوتس كنباتٍ مهندِس للنظام البيئي.

ثمرة البحث

للنباتات المهندسة بالنظام البيئي دور محتمل في مكافحة التصحر في النظم البيئية للأراضي الجافة وشبه الجافة، بناءً على ما تم تقديمه من قدرات تكيّف وتطور مذهلة لهذه النباتات، وذلك يمكن تلخيصه بما يلي:

  1. تحسين إنتاجية النظام البيئي بشكل عام
  2. توفير الرطوبة في التربة (SMA)
  3. التأثير على نمو النباتات المجاورة

شعلة البداية

تقدم هذه البحوث الدقيقة في طريقة عمل هذه النباتات لفتة تستحق الاهتمام، خاصةً في ظل ما يتعرض له كوكب الأرض من تحديات كبيرة يعدّ التصحر واحدة منها، فكان لابد من البحث عن حلول مبتكرة لتستطيع النظم الإيكولوجية الحفاظ على الإنتاجية والتنوع البيولوجي في ظل تغير المناخ الصعب!

لتنطلق الشعلة من تشجيع النباتات المهندسة للنظام البيئي، والتي أثبتت عبر التجربة جدارتها في التكيف مع هذه البيئات الصعبة، وصولًا لتخصيص المزيد من الاهتمام لدورها المميز في مكافحة التصحر واستعادة النظم الإيكولوجية في المناطق القاحلة وشبه القاحلة المهددة بتغير المناخ القاسي، وتقديمها خدمة ثمينة لصالح سكان الريف الذين يعتمدون على هذه النظم بشكل أساسي.

المصدر: springeropen.com

تحليل وإعداد: زينب عبد الله

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!