كيف يتعلم الأطفال معاني الكلمات؟

كيف يتعلم الأطفال معاني الكلمات؟

12 يونيو , 2023

ترجم بواسطة:

آلاء محمد جبريل

دقق بواسطة:

زينب محمد

المجالات الدلالية سبيلك لمعرفة الإجابة.

تساؤلات محورية

  • كيف يتعلم الأطفال اللغة بسهولة وتلقائية؟
  • هل يتعلم الأطفال الكلمات فرادى بمعزلٍ عن قريناتها في عالم المعاني، أم أنّ اشتراك الكلمات في المجالات الدلالية (المعاني) يعزز قدرة الأطفال على تعلُّمها؟
  • لاحظنا- على سبيل المثال- أن الأطفال يتعلمون المفردات الدالة على الألوان في مجموعات، وكذلك الأمر بالنسبة للكلمات التي تندرج ضمن فئتَي الفواكه والمَركبات.


يتعلم الأطفال اللغة على نحو تلقائيّ ودون عناء؛ والجدير بالذكر أنهم يتعلمونها بسرعة فائقة ومدهشة. فتجد أن المراهقين يتقنون حوالي 60,000 كلمة من لغتهم الأم مع إنهائهم للمرحلة الثانوية. أمّا في الكتابة والتحدث، فربما يقتصر توظيفهم للغة على عددٍ محدود من المفردات التي يفهمون معناها جيدًا. وفي ضوء ما سبق وبعد إجراء عملية حسابية بسيطة، يمكننا القول إنّ متوسط ما يتعلمه الصغار في مرحلة الطفولة يتراوح بين 9 و10 كلمات يوميًا. ويكفي غالبًا مثالٌ سياقيُّ واحد تُستخدَم فيه الكلمة لفهم معناها وتعلُّمها. وبالرغم من قدرة الأطفال المدهشة على تعلُّم اللغة، فإن الآلية التي تنطوي عليها هذه العملية ما تزال محاطة بهالة من الغموض وكثير من التساؤلات.   

كيف يفهم الصغار معاني الكلمات؟


عندما يتعرف الأطفال على كلمة جديدة، فإنهم غالبًا ما يجدون في محيطهم العديد من الأشياء والخصائص والأفعال التي يمكنها أن تدل على المعنى المقصود. ولابد من وجود إشارات كثيرة من شأنها أن تساعدهم على تحديد المعنى الصحيح، فلا يمكن أن تحمل الكلمات أيّ معنى عشوائيّ. وحيث إن عقولنا تستوعب تراكيبًا وأنماطًا متنوعة في هذا العالم، فإن المعاني تتبع هذه التراكيب وتتناغم معها إلى حدٍّ كبير. أضِف إلى ذلك كله أن في عالمنا أمورًا وأشياءً لا غِنى عن الحديث عنها، وهي تأتي ضمن مجالات دلالية مختلفة؛ ونحن نعبّر عن هذه الأشياء بكلمات تحمل معانٍ تتوافق مع هذه المجالات.  

في كتابي “The Geometry of meaning” (هندسة المعاني)، وضعتُ فرضية تقول إن الأطفال لا يتعلمون الكلمات فُرادى بمعزلٍ عن قريناتها، بل يصنّفونها وفقًا لمجالات دلالية تضم كلمات مشابهة في المعنى. ومن أمثلة ذلك: مجالات الحيوانات، والفواكه، والألوان، والمَركبات. وبمجرد أن يبدأ الطفل بتعلم كلمات ضمن مجال دلاليّ معين، يصبح من السهل عليه تعلُّم كلمات أخرى جديدة تنتمي إلى المجال ذاته. ولذلك، فإن كان الطفل الذي يبلغ عمره ثلاث سنوات يعرف اللون “الأحمر”، و”الأصفر”، و”الأزرق”، و”الأخضر” في مجال الدلالة الخاص بالألوان، فهذا يعني أنه سيَسهُل عليه تعلُّم اللون “البنفسجي”، و”الفيروزي”، و”الرملي” في غضون سنوات قليلة لاحقة.

وبالمقابل، فإذا كان والدا الطفل يمرّان بمشكلات مالية، فعلى الأرجح أنه ستمر ّعلى مسامع الطفل مفردات مثل “فاتورة”، و”قرض مصرفيّ”، و”رهن” وما شابه ذلك. ولا يمكن للطفل فهم معاني هذه الكلمات حتى يكتسب المفاهيم ذات الصلة، وهذا بدوره يتطلب من الطفل استيعاب المجال المالي. قد يكون الأطفال قادرين على استيعاب فكرة “البيع” و”الشراء” لأنها أفعال ملموسة، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أنهم يفهمون ما يعبِّر عنه مصطلح “النقود” (مثلاً، وصَف أحد الأطفال مرة ما تقوم به والدته عند آلة الصراف الآلي بقوله إن “أمي تشتري نقودًا”).

وبطبيعة الحال، فإن فهْم مثل هذه الكلمات يغدو أصعب وأكثر تعقيدًا مع تراجُع استخدام النقود المعدنية والورقية في حياتنا اليومية. وفي حين أن اللغة تساعد الأطفال في استيعاب المفاهيم والمصطلحات عمومًا، فلعل هذه قاعدة لا يمكن تعميمها على جميع الحالات أو المفردات. حاوِل مثلاً أن تشرح المقصود بكلمة “رهن” لطفل عمره 3 سنوات.

ولذلك، وضعتُ فرضية عامة حول المجالات الدلالية مفادها أنه “إذا تعلّم الطفل كلمة من مجال دلالي محدد خلال فترة زمنية معينة، فسيتمكن من تعلُّم مفردات أخرى (شائعة) من المجال الدلالي ذاته خلال الفترة الزمنية نفسها تقريبًا”.

ولاختبار هذه الفرضية، أجريتُ تحليلاً لمجموعة بيانات من بنكٍ لغوي عبر الإنترنت (CHILDES)  يضم أمثلة واقعية على استخدام الأطفال للغة أثناء الكلام. وقد أثبتت أداة (ChildFreq) الإلكترونية فعاليتها بمثل هذه الأغراض؛ ففي تحليل البيانات المتاحة للغة الأطفال، تم تحليل عملية بناء المفردات التي يستخدمها الأطفال من حيث معدل تكرار استخدامها في عمرٍ معين.

تبيّن أن معدل استخدام الكلمة يبدأ من صفر ويرتفع سريعًا إلى أن تصبح الكلمة جزءً من مفردات الطفل، ومن ثَم يصبح معدل استخدامها ثابتًا نسبيًا. وقد أسميتُ مرحلة تزايُد استخدام الكلمات السريعة “مرحلة بناء المفردات”. وبين عمر 12 و24 شهرًا، يمر الأطفال بمرحلة استثنائية (أشبه ما تكون بطفرة التعلم)، يكتسبون خلالها كلمات كثيرة تشير إلى أشياء اعتيادية، أمّا الكلمات التي تُعبِّر عن الألوان فيكتسبونها في مرحلة لاحقة.

والجدير بالذكر أن بعض المجالات تستغرق وقتًا أطول لبناء حصيلة مفرداتها؛ ومن أمثلتها المجالات التي تتعلق بالحياة والموت. إن استيعاب وبناء كلمات مثل “يعيش”، أو “يموت”، أو “على قيد الحياة”، أو “ميت” تحصل في الفترة التي يتراوح فيها عمر الطفل بين 30 و42 شهرًا.

وكثير من الكلمات وخاصةً الصفات، يمكن التعبير عنها من حيث أبعادها. فعلى سبيل المثال، يمكن التعبير عن البُعد الرأسي باستخدام كلمات متضادة مثل “عالٍ” و”منخفض” للجمادات، و”طويل” و”قصير” للأشخاص. واستيعاب هذه الأبعاد أيضًا ضروري لمعرفة قريناتها من الأفعال، مثل “يرفع” و”يخْفِض”.
وإليك مثلاً البُعد المتعلق بدرجة الحرارة مثل “بارد” و”ساخن”؛ وللتعبير عن مدى الجودة، تُستخدم كلمات مثل “جيد” و”سيء”.

وفي اختبار آخر لفرضية “بناء المفردات”، ركزنا على كيفية تعلُّم الأطفال للصفات التي تنتمي إلى المجال الدلاليّ نفسه. وبالتعاون مع زملائي من معالجيّ النطق واللغة في جامعة لوند (Lund)، أجريتُ تجربة اختبرنا فيها مدى قدرة الأطفال على معرفة معاني الكلمات المتضادة،  وطرحنا سلسلة من الأسئلة على الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و5 سنوات. فعلى سبيل المثال سألناهم: إن لم يكن هذا الشيء باردًا، فهو إذًا….؟ ويكون على الطفل إكمال الجملة بذكر صفة مناسبة.

وفي معظم الأحيان، أثبتت هذه الطريقة جدواها وفعاليتها في إبراز معرفة الطفل أو افتقاره إليها؛ فإما أن يقدِّم الأطفال إجابات صحيحة، أو يعجزون عن الإجابة. وبالطبع فإن هذه الاختبارات لا تخلو من الإجابات اللطيفة؛ فعلى سبيل المثال سألنا أحد الأطفال: عندما لا يكون الشخص عجوزًا فهو إذًا …….. ؟ فكانت إجابته عن هذا السؤال أنه “شخص ليس لديه كثير من التجاعيد على وجهه”.  

وقد لاحظنا اختلافًا واضحًا بين أزواج الكلمات التي يمكن للأطفال بعمر 3 سنوات إتقانها بالمقارنة مع نظرائهم الذين تبلغ أعمارهم 5 سنوات. فقد تمكَّن الأطفال بعمر 3 سنوات من إتقان المجالات الدلالية الأساسية مثل “الحجم” و”العمر”، وعجزوا عن إدراك المفاهيم المجردة مثل “رخيص” و”غالٍ”، و”سريع” و”بطيء”؛ وبالمقابل، لم تشكّل هذه المفاهيم تحديًا للأطفال بعمر 5 سنوات. والأهم من ذلك كله أننا قد خلُصنا إلى نتيجة مفادها أنه إذا أتقن الطفل كلمةً، فهناك احتمالية كبيرة بأنه سيتمكن من إتقان قرينتها التي تعاكسها في المعنى. وهذا يدعم فرضيتي في أن الأطفال يتعلمون الكلمات تقريبًا في الفترة نفسها التي تتطور فيها لغتهم.

ورُغم أنه ما يزال هناك الكثير من التساؤلات التي تتعلق بكيفية تعلُّم الأطفال لمعاني الكلمات بهذه السرعة، فإن الفكرة التي مفادها أنهم لا يتعلمون الكلمات بمعزل عن قريناتها في المجال الدلالي، تضع بعضًا من النقاط على الحروف في مساعينا نحو فهم الإعجاز الذي تتجلى فيه قدرة الأطفال على تعلّم اللغة بهذه السرعة المدهشة.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: آلاء محمد جبريل

تويتر: آلاء جبريل

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!