crossorigin="anonymous">
16 مايو , 2023
ظل العلماء والباحثون على مدى العقود الماضية عاكفين على محاولة فهم كيف تقوم بنية الدماغ واتصالاته الوظيفية بتوجيه الذكاء.
أفاد باحثون أن تحليلًا جديدًا وفّر لنا أوضح صورةٍ نتوصّل إليها حتى الآن عن كيفية مساهمة عمل المناطق المختلفة من الدماغ مع الشبكات العصبية في قدرة الفرد على حل المشاكل التي تواجهه في سياقات مختلفة، وهي الخاصية التي يُطلق عليها مصطلح: الذكاء العام.
وقد نشروا نتائجهم المفصّلة بالمجلة العلمية المتخصّصة، هيومن براين مابينغ (Human Brain Mapping).
استعملت الدّراسة “نموذجًا تنبّؤيًّا مبنيًّا على الوصلات” لمقارنة خمس نظرياتٍ متعلّقةٍ بكيفيّة نشوء الذّكاء في الدّماغ، حسب ما أفاد به آرون بارلي، بروفيسور علم النّفس، والهندسة الحيوية، وعلوم الأعصاب بجامعة إيلنويس أوربانا-شامباني؛ الذي كان على رأس فريق العمل البحثي رفقة إيفان أندرسون، الباحث لدى شركة بال آيروسبايس (Ball Aerospace).
يقول البروفيسور بارلي: “من أجل فهم القدرات الإدراكيّة المدهشة التي ينطوي عليها الذّكاء، يبحث علماء الأعصاب عن أُسُسِها البيولوجيّة في الدّماغ؛ إن النظريات الحديثة تحاول شرح كيف أن قدرتنا على حلّ المشاكل تُتاح عبر هندسة تحليل المعلومات التي يتوفّر عليها الدّماغ”.
ويبيّن الباحث أندرسون أن الفهم البيولوجيّ لهذه القدرات الإدراكية يتطلب تحديد كيف أن كلًّا من الاختلافات على مستوى الذّكاء والقدرة على حل المشاكل ترتبطان بالهندسة الداخلية للدّماغ والآليات العصبية لشبكاته”.
لطالما ركّزت نظريات الذّكاء على مناطق محدّدةٍ من الدّماغ مثل القشرة الجبهيّة الأمامية (prefrontal cortex)، التي تلعب دورًا أساسيًّا في العمليات الإدراكية مثل التخطيط، وحل المشاكل، واتخاذ القرارات، بينما تؤكد الدراسات الحديثة على شبكات دماغيّةٍ محدّدةٍ، في حين تهتم دراساتٌ أخرى بكيفية تداخل الشبكات العديدة وتفاعلها مع بعضها.
وقد أخضع الباحثان – بارلي وأندرسون – هذه النظريات الراسخة للتجربة في مقابل نظريتهما الخاصة: “نظرية علم الأعصاب الشّبكيّ”، التي تفيد بأن الذكاء ينشأ من الهندسة العامة للدماغ، بما في ذلك الروابط القوية والضعيفة على حدٍّ سواء.
في هذا الصدد، يشرح أندرسون: “تنطوي الروابط القوية على مراكز شبكيّة (hubs) لمعالجة المعلومات، تنشأ حين يتعلم المرء شيئًا عن العالم ويصبح ماهرًا في حلّ المشاكل الاعتيادية. أما الروابط الضّعيفة فتحتوي على روابط عصبيّة أقلّ/أخفّ، إلا أنها تتيح مرونةً وقدرةً على التأقلم فيما يخصّ حل المشاكل. هذان النّوعان من الروابط هما ما يشكّل الهندسةَ الشّبكية الأساسية لحل مختلف المشاكل التي تواجهنا في حياتنا”.
لاختبار صحة هذه الأفكار، قام فريق البحث بتكوين مجموعة متنوّعة ديموغرافيًّا، تضم 297 طالبًا جامعيًّا، ثم أخضعوهم لمجموعة من التجارب الشاملة المصمّمة لقياس القدرة على حل المشاكل والتأقلم في سياقات مختلفة؛ ويشير البروفيسور بارلي إلى أن هذه التجارب، بالإضافة إلى تجارب أخرى مختلفة، لها غرضٌ مشابه يتمثّل في قياس الذّكاء العام. بعد ذلك، قام الباحثون بجمع صورٍ بالرنين المغناطيسي الوظيفي لدماغ كل من المشاركين وهو/هي في حالة راحة واسترخاء.
أوضح البروفيسور بارلي: “إحدى أكثر وظائف الدّماغ البشريّ إثارةً للاهتمام هي كيفية قيامه بتكوين مجموعةٍ غنيّةٍ من الشّبكات التي تظل فعّالةً/نشيطةً حتى خلال فترات الرّاحة. هذه الشّبكات هي ما يشكل البنية التحتية البيولوجيّة للدماغ ويُعتقد أنها خصائص جوهريّة للدماغ”.
وتضم هذه الشّبكات:
وقد وضّحت دراسات سابقة أن نشاط هذه الشّبكات – وشبكاتٍ أخرى – حين يكون الإنسان واعيّا، مستيقظًا، دون أن يكون منخرطًا في القيام بنشاطٍ ما أو مركّزًا على أحداثٍ خارجيةٍ يمكن أن تتنبّأ بشكل موثوقٍ بمهاراتنا وقدراتنا الإدراكيّة”.
ومع تلك التجارب الإدراكية وبيانات الرنين المغناطيسي الوظيفي للدماغ المحصّل عليها، تمكن الباحثون من تقييم أيٍّ من النظريات قدّمت التنبّؤ الأدقّ لأداء المشاركين في اختبارات الذكاء.
يقول أندرسون: “يمكننا التحقّق، بشكل منظّم، من مدى ودقة تنبؤ إحدى نظريات الذّكاء العام بناءً على ترابط مناطق الدّماغ أو الشبكات التي تنطوي عليها تلك النظرية. وقد مكّنتنا هذه المقاربة من مقارنةٍ مباشرةٍ لتنبؤات هذه النظريات الحالية في علوم الأعصاب”.
في المحصلة، وجد الباحثون أن أخذ مختلف خصائص الدماغ برمّتها بعين الاعتبار هو ما يوفّر أكثرَ التنبؤات دقّةً لقدرة الفرد على التأقلم وحل المشاكل. وقد ظّل ذلك صحيحًا حتى مع الأخذ بعين الاعتبار مختلف مناطق الدماغ التي شملها التحليل.
من جهة أخرى، أشار الباحثون إلى أن النظريات الأخرى كانت قادرةً على التنبّؤ بالذكاء، إلا أن نظرية علم الأعصاب الشّبكيّ كانت أكثر دقّةً منها لعدة اعتبارات، إذ أن تلك النظريات ظلّت محدودةً في تركيزها على مناطق معيّنة من الدماغ أو شبكات عصبية دون أخرى.
وتكشف هذه النتائج أن “المعالجة الشموليّة للمعلومات” بالدماغ تظل عاملًا أساسيًّا يحدد مدى قدرة الفرد على تجاوز التحدّيات الإدراكية”، حسب ما أفاد به البروفيسور بارلي الذي يوضّح أنه: “لا ينشأ الذّكاء في منطقةٍ بعينها، وإنما هو كامنٌ في الهندسة الشاملة للدّماغ، ليعكس فعالية ومُرونة عمل الشبكة على مستوى النظام بأكمله”.
المصدر: https://neurosciencenews.com
ترجمة: أنس غطوس
مراجعة وتدقيق: زينب محمد
اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية
اترك تعليقاً