“اللاشيء” غير موجود، بل “رغوة”

“اللاشيء” غير موجود، بل “رغوة”

18 أبريل , 2023

ترجم بواسطة:

شروق علام

دقق بواسطة:

زينب محمد

عندما تدمج مبدأ عدم اليقين مع معادلة أينشتاين الشهيرة ستجد نتيجة مذهلة: قد تنتج الجسيمات من اللا شيء.

النقاط الرئيسية

• كلٌ من العلماء والفلاسفة قد ناقشوا مفهوم “اللاشيء” على مدار  آلاف السنين.

• حتى إذا أخذت وعاءً فارغًا خاليًا من كل شيء، ثم برَّدتَه إلى درجة الصفر المطلق فلا يزال “شيء ما” موجودًا في الوعاء.

• ذلك الشيء يسمى الرغوة الكمية، ويمثل الجسيمات التي تظهر وتختفي من الوجود. 

ما هو اللاشيء؟ ذلك سؤال حيّر فلاسفة اليونان القديمة، عندما ناقشوا طبيعة الفراغ. لقد دارت بينهم مناقشات طويلة محاولين تحديد ما إذا كان اللاشيء هو شيء.

وبينما تحمل بعضٌ من أوجه هذا السؤال الفلسفية شيئًا من الأهمية، فقد كان هذا السؤال أيضًا أحد الأسئلة التي تناولها المجتمع العلمي.

إنه حقًا لا شيء

ماذا قد يحدث إذا فَرَّغ العلماء كل الهواء من وعاء، مكونين فراغًا مثاليًا خاليًا من أية مواد؟ انتزاع المادة قد يعني بقاء الطاقة، فالحرارة خارج الوعاء قد تنتقل لداخله كما تنتقل الطاقة من الشمس إلى الأرض عبر الفضاء. وهكذا لا يظل الوعاء فارغًا فعليًا.

ولكن، ماذا قد يحدث إذا بُرِّد الوعاء أيضًا إلى أقل درجة حرارة ممكنة (الصفر المطلق) بحيث لا يُشِع أي حرارة مطلقًا. بل وبفرض أن العلماء قد عزلوه حراريًا فلا تخترقه أي طاقة أو إشعاع خارجي. حينها بالتأكيد لن يبق أي شيء بالوعاء، صحيح؟

هنا تصبح الأمور غير متوقعة. فقد اتضح أن اللاشيء ليس فعلًا لا شيء.

طبيعة اللاشيء

إن قوانين ميكانيكا الكم معقدة، حيث يسود الاعتقاد أن الجسيمات هي أيضًا موجات، وأن القطط حية وفي الوقت ذاته هي ميتة. ولكن يظل أحد أكثر قوانينها تعقيدًا على الإطلاق هو مبدأ عدم اليقين لهاينزبرج، والذي ينص تفسيره الشائع على أنه لا يمكن بشكل دقيق تحديد موقع وحركة جسيم في حجم ما دون الذرة. ورغم أن هذا تفسير منطقي للمبدأ، فهو ينص أيضًا على أنه لا يمكن قياس طاقة أي شيء بدقة، وأنه كلما ضاق وقت القياس ساءت نتائجه، بل وإذا أردت أن تجري قياسك في وقت يقترب من الصفر، فسيكون قياسك حتمًا غير دقيق.

تلك القوانين الكمية لها تبعاتها المرهقة عقليًا لأي من يحاول فهم طبيعة اللاشيء. فمثلًا إن حاولت قياس قدر من الطاقة في مكان ما — حتى لو يفترض أنها لاشيء— فلن يصل قياسك للصفر تمامًا. أحيانًا أثناء القياس يتضح أن النتيجة صفر ليست صفرًا على الإطلاق، وتلك ليست مشكلة في القياس، بل واقع. لفترات زمنية قصيرة، فالصفر ليس دائمًا صفر. 

عندما تجمع بين هذه الحقيقة العجيبة (أن الطاقة الصفرية قد لا تكون كذلك خلال فترة قياس قصيرة كفاية) مع معادلة أينشتاين الشهيرة (E = mc²)، ستجد ما هو أكثر عجبًا، حيث تنص المعادلة أن الطاقة هي مادة والعكس صحيح.

فدمجها مع نظرية الكم يعني أن المكان الذي يفترض أنه خاليًا ومفرغًا تمامًا من أي طاقة، يمكن أن يتذبذب الفراغ حوله لفترة وجيزة بفعل طاقة غير صفرية – وأن تلك الطاقة المؤقتة يمكن أن تُكَوًن جسيمات من المادة (والمادة المضادة).

الرغوة الكَمية

وهكذا، على المستوى الكمي، لا يعتبر الفضاء فارغًا. بل مكانًا مليئًا بجسيمات دون ذرية صغيرة تظهر وتختفي في عشوائية شديدة. حالة الظهور والاختفاء هذه تشبه إلى حدٍ ما فوران الصودا من مشروب غازي صُبَّ حديثًا تختفي وتظهر فقاعاتها— ومن هنا يأتي مصطلح رغوة الكم.

رغوة الكَم ليست مجرد نظرية، بل واقع. ظهر ذلك عندما قَدَّر العلماء الخصائص المغناطيسية لجسيمات دون ذرية كالإلكترونات، فلو أن الرغوة الكَمية غير حقيقية، لكانت للإلكترونات مغناطيسية بشدة معينة. لكن اتضح بالقياس أن شدة الالكترونات المغناطيسية أعلى قليلًا من المتوقع (بمقدار 0.1% تقريبًا)، وباحتساب تأثير رغوة الكَم، تتفق النظرية والقياس تمامًا— على ناتج دقيق من اثني عشر رقمًا.

يأتي تمثيل آخر للرغوة الكَمية مصادفةً من تأثير كازيمير، الذي سمي على اسم الفيزيائي الهولندي هندريك كازيمير. ونَصُّه كالتالي: “قَرِّب لوحين معدنيين من بعضهما جدًا في فراغ تام، يفصلهما جزء من المليمتر. وفي حال صَحَّت فكرة رغوة الكَم، فإن الفراغ المحيط بالصفيحتين هو مليء بموجة غير مرئية من الجسيمات دون الذرية التي تومض وتختفي من الوجود”.

تلك الجسيمات لها مدىً من الطاقات، فغالبًا ما تكون الطاقة ضئيلة للغاية، لكن تظهر طاقات مرتفعة من آنٍ لآخر. وهنا تظهر تأثيرات كَمية أكثر شيوعًا؛ لأن نظرية الكَم الكلاسيكية تنص على أن الجسيمات هي جسيمات وموجات، وأن للأمواج أطوال موجية.

تتسع الموجات جميعها خارج المدى دون قيود. لكن، وحدها الموجات الأقصر من ذلك المدى تتواجد بداخله، حيث الموجات الطويلة ببساطة لا تتسع. وهكذا، توجد موجات من كل الأطوال خارج المدى، بينما الموجات القصيرة طوليًا فقط توجد بالداخل. هذا يعني في الأساس أن هناك أنواع عدة من الجسيمات في الخارج، عنها في الداخل، وأن التأثير الكمي يتأتى من وجود ضغط صافي باتجاه الداخل. وبالتالي، إذا كانت رغوة الكم حقيقية، فستندفع الألواح تجاه بعضها.

أجرى العلماء عدة قياسات لتأثير كازيمير، ولم يكن حتى عام 2001 حين ثَبُت التأثير بشكل قاطع بالطريقة المَوصوفة هنا. حيث يؤدي الضغط الناتج عن الرغوة الكَمية إلى تحريك الصفيحتين. رغوة الكَم حقيقية، واللاشيء هو شيء في النهاية.

المصدر: https://bigthink.com

ترجمة: شروق محمد علام

لينكد إن: shrouk-allam

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!