لا يبدو الوقت كما كان: يشعر الأطفال والكبار بالوقت على نحو مختلف

لا يبدو الوقت كما كان: يشعر الأطفال والكبار بالوقت على نحو مختلف

4 أبريل , 2023

ترجم بواسطة:

نرمين السرجاني

دقق بواسطة:

زينب محمد

تتغير نسبة إدراك الوقت عند عمر السابعة. يقول الباحثون أن مفهوم المناهج التجريبية ممكن أن يساعد في شرح الفرق في إدراك الوقت وعلاقته بعمر الإنسان. 

درس باحثون بجامعة أوتفوش لوراند: هل يتغير إدراك الوقت مع تقدم العمر؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فكيف ولماذا ندرك مرور الوقت على نحو مختلف؟

نُشرت دراستهم في مجلة التقارير العلمية Scientific Reports.

يستطيع الوقت أن يخدعنا. اختبر الكثير منا ذلك الشعور الوهمي أثناء الطفولة بأن الفصول الصيفية تبدو أطول بكثير من الأشهر الثلاثة نفسها التي تشعر بها الآن وأنت شخص بالغ، بينما يمكننا مناقشة لماذا يبدو أحد الفصول الصيفية أطول من غيره، وكيف يمكن للإدراك أن يقلل أو يزيد من الوقت حسب عوامل مختلفة، يمكننا ببساطة أن نجري تجربة عملية للحصول على المزيد من المعلومات.

أجرى الباحثون التجربة بالفعل. سألوا: كيف يؤثر تتابع الأحداث على تقدير الوقت عند البحث في مراحل مختلفة خلال التطور المعرفي؟ فنظموا ثلاث مجموعات بأعمار مختلفة، مجموعة (4-5) سنوات، ومجموعة (9-10) سنوات، ومجموعة (18 سنة فما فوق)، وطلبوا منهم مشاهدة مقطعي فيديو مدة كل منهما دقيقة واحدة. كان المقطعان مستخلصين من سلسلة رسوم متحركة شهيرة وكان هناك توازن في المميزات المرئية والصوتية باستثناء ميزة واحدة وهي: تتابع الأحداث.

احتوى أحد المقطعين على تتابع أحداث سريع (شرطي ينقذ حيوانات ويلقي القبض على اللص) واحتوى المقطع الثاني على تسلسل ممل ومتكرر (هروب ستة سجناء مشبوهين على متن قارب تجديف). طرحوا سؤالين فقط بعد مشاهدة المقطعين: “أيهما كان أطول؟”، و”هل تستطيع أن تصف مدة كليهما مستخدمًا ذراعيك؟”؛ وهي أسئلة سهلة يفهمها حتى طفل الأربع سنوات.

أظهرت النتائج تحيزًا قويًا في كل الفئات العمرية، ولكن بالنسبة لأطفال ما قبل الروضة كانت النتائج في الاتجاه المعاكس على نحو مفاجئ.

تصور أكثر من ثلثي أطفال ما قبل الروضة أن المقطع المليء بالأحداث هو الأطول بينما تصور البالغون الشيء نفسه تجاه المقطع الهادئ، وأبدت المجموعة الوسطى تحيزًا مماثلًا، ولكنه أكثر اعتدالًا من البالغين. تمكنوا من تقدير نقطة التحول عند عمر 7 سنوات تقريبًا من خلال إدراج المجموعة الوسطى (9-10) سنوات.

كانت هناك نتائج أفضل مع تقدم العمر فيما يتعلق بالتوجيه لقياس امتداد الذراع والمسافة حيث استخدم أطفال ما قبل الروضة حركات رأسية وأفقية بنسبة 50-50% بينما اختلفت النسبة في مجموعة سن المدرسة حيث كانت 80-90% امتداد ذراع أفقي.

لم يكن بإمكان أي من نماذج إدراك الوقت الحيوية التنبؤ بذلك لذا كانت النتيجة غير مُتوقعة. كيف يمكننا تفسير هذه النتيجة؟ تندرج نماذج إدراك الوقت الحيوية تحت فئتين: الخلايا العصبية بالمخ التي تشبه جهاز تنظيم ضربات القلب، والخلايا العصبية التي تُظهر انخفاضًا في معدل إطلاقها بمرور الوقت، ومع ذلك “من؟” سيفسر تلك الإشارات في المخ لا يزال غامضًا.

يفترض كلا نموذجي الفئتين تحسنًا مستمرًا يعتمد على تقدم العمر، ولم يكن هذا ما اكتشفه الباحثون رغم ذلك؛ حيث وجدوا تحولًا في نسب المدد الزمنية المُتصورة بين المجموعة الأصغر والمجموعتين الأكبر سنًا، كانت نقطة تحول عند عمر السابعة. كيف يمكننا تفسير انعكاس التحيز هذا؟

يعرّف المنهج التجريبي على أنه اختصارات أو طرق وسيطة تُمكنهم من اتخاذ قرارات سريعة. دعونا ننظر إلى ما يمكننا الاعتماد عليه أيضًا لفهم سبب حاجتنا إلى المناهج التجريبية لمقارنة المدد الزمنية. لا يحتوي المخ على ساعة مركزية موثوقة ولا رسم خرائط حسية مباشرة للمدد الزمنية، على عكس المسافات أو طبقة الصوت، ولذلك يجب علينا استخدام وسيط.

يُعد وسيط “المدة الزمنية” شيئًا ملموسًا، ولكنه مرتبط بمحتوى الوقت، كما تقول “أيهما يمكنني الحديث عنه أكثر؟”.

 يعتقد طفل الخمس سنوات إذا كان المقطع الأول مليئًا بالأحداث، فيمكنه أن يتحدث كثيرًا عنه، بينما يمكن تلخيص الفيلم الآخر بفعل واحد مثل “التجديف”. احتوى المقطع المليء بالأحداث على ثلاث حلقات، وهذا نموذج مثالي للقصة.

لم يكن للفيديو الهادئ في المقابل حلقات ولا سرد للأحداث فيمكن التقاط الفرق من خلال التجارب التمثيلية، فيما يتعلق بالمناهج التجريبية احتوى المقطع المليء بالأحداث على نماذج تمثيلية معبرة عن القصة أكثر من المقطع الهادئ، لذلك استشعر أطفال الروضة أن المقطع المليء بالأحداث كان أطول استنادًا إلى المناهج التجريبية التمثيلية.

إذا كانت نظرية المدة الزمنية توفر وسيطًا جيدًا من أجل “الوقت”، فما سبب التحول عند عمر السابعة؟ تناقش الباحثون بأن الحل هو التحول إلى فئة أخرى من المناهج التجريبية، ألا وهي أخذ عينات للتجارب. يتعلم الأطفال عند عمر 6-10 سنوات مفهوم “الوقت المطلق” إذ نعتمد جميعًا على مفهوم الوقت العالمي المطلق عند تحديد المواعيد، وتنظيم المهام، واتباع الجداول الزمنية.

تعزز كل هذه الإجراءات مفهوم الوقت العالمي الذي لا يعتمد على الملاحظة والمتوافق تمامًا مع آليات نيوتن الكلاسيكية فنبدأ في التفكير في الوقت ككيان مادي بغض النظر عن الأحداث المرتبطة به، وندرك أن تجربتنا الموضوعية للوقت كملاحظين قد تتغير أو تكون أوهام؛ لنستبعد الموضوعية، أفضل ما يمكننا فعله هو التحقق من تدفق الوقت.

يُمكننا التحقق من تدفق الوقت بمعاينته باستمرار بالنظر إلى الساعات أو التحديق من النافذة أو مشاهدة حركة المرور، كلما تحققنا أكثر؛ زادت دقة تقديرنا للوقت، ومع ذلك فإن دماغ الإنسان ليس متاحًا دائمًا لتتبع الوقت، قد نتخطى بعض الحلقات أثناء معاينة الوقت المطلق عندما ينشغل ذهننا بمهمة أخرى. ويحدث العكس حين تنتظر شخصًا متأخرًا على موعد فيصبح مرور الوقت أبطأ حيث يحسب المخ عدد الثواني بينما ينفذ الصبر ويزيد الانزعاج.

يستطيع الوقت أن يخدعنا

 دعونا نرى طريقة معاينتنا للوقت المطلق عندما يُطلب منا توقع المدة الزمنية لمقطع حماسي وجذاب مقابل مقطع ممل في ضوء هذه التجارب التمثيلية وأخذ العينات. عندما تشاهد فيلمًا جذابًا؛ ينغمس ذهنك كليًا في القصة عندما تتطور الأحداث سريعًا لدرجة أنه لا يكون لديك الوقت للتفكير بشيء آخر مثل الحياة أو العمل أو قائمة المهام، بل يكون ذهنك شارد بالواقع البديل لقصة الفيلم.

ويحدث العكس تمامًا عندما تشاهد فيلمًا مملًا؛ تبدأ بالتحقق من الوقت أو تفكر أين يمكنني الذهاب، وكل تلك الملهيات تمكننا من معاينة تدفق الوقت المطلق، وبالتالي فإن نوعي المناهج التجريبية يفسران التحول الغريب عند عمر السابعة تقريبًا، والتحيز الدائم بأن الاجتماعات المملة تبدو أطول مما هي عليه في الواقع والمستمر معنا لنهاية العمر.

كانت وستظل معضلة الوقت ترهق ذهن الإنسان ويجب إدراك أن تلك المفاهيم الأساسية مثل الوقت والمسافة أكثر تعقيدًا مما يمكننا حصره بمجموعة من الخلايا العصبية بالمخ. يحتاج الإنسان لربط المعلومات الحيوية والمعرفية كلها لكي نتجادل في مثل هذه المفاهيم المجردة، هل سنحل ذلك اللغز يومًا ما؟ سنعلم مع مرور الوقت.

المصدر: https://neurosciencenews.com

ترجمة: نرمين السرجاني

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!