آثار نقص الكولين في النظام الغذائي على صحة المخ والأعصاب ومستوى الصحة العامة

آثار نقص الكولين في النظام الغذائي على صحة المخ والأعصاب ومستوى الصحة العامة

16 فبراير , 2023

ترجم بواسطة:

نرمين السرجاني

دقق بواسطة:

زينب محمد

يُنتَج الكولين بكميات صغيرة في الكبد، وهو عنصر غذائي أساسي يوجد في الأغذية مثل البيض والبروكلي والبقوليات واللحوم والطيور، وهو عنصر بالغ الأهمية لصحة الإنسان.

تستكشف دراسة حديثة كيف يؤثر نقص الكولين سلبًا على الجسم وقد يكون جزءًا مفقودًا في لغز مرض الزهايمر.

تُشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 90% من الأمريكيين لا يتناولون الحصة اليومية الموصى بها من الكولين، وتُفيد الأبحاث الحالية التي أُجريت على الفئران بأن نقص الكولين في النظام الغذائي له آثار سلبية بالغة على القلب والكبد وأعضاء أخرى.

يرتبط نقص الكولين أيضًا بتغيرات جذرية في المخ مرتبطة بمرض الزهايمر، مما يتضمن حالات مرضية لها علاقة بتطور اثنين من علامات المرض الأساسية:

لويحات الأميلويد (الصفائح العصبية) حيث تترسب في الفراغات بين الخلايا العصبية، وتشابك بروتين تاو الذي يتراكم في الخلايا العصبية.

يصف البحث الحديث عن شيخوخة الخلية، والذي أشرف عليه ونشره علماء في جامعة ولاية أريزونا الحالات المرضية في الفئران الطبيعية التي أُزيل الكولين تمامًا من نظامها الغذائي، والفئران التي لديها نقص الكولين نتيجة خلل وراثي ويظهر عليها بالفعل أعراض مرتبطة بالمرض حيث يؤدي نقص الكولين في النظام الغذائي في كلتا الحالتين إلى تليف الكبد، وتضخم القلب، وأعراض عصبية في الفئران المصابة بالزهايمر، وعادةً ما تصاحب تلك الحالات المرضية مرض الزهايمر مما يتضمن زيادة في مستويات لويحات بروتين الأميلويد بيتا والتغيرات المرضية المرتبطة بتشابك بروتين تاو.

أوضحت الدراسة، بالإضافة إلى ذلك، أن نقص الكولين في الفئران أدى إلى زيادة ملحوظة في الوزن، وتغيرات في أيض الجلوكوز (المرتبط بحالات مثل داء السكري)، وعجز في القدرات الحركية.

أوضح رومان فيلازكيز (Roman Velazquez)، كبير الباحثين بالدراسة وأستاذ مساعد بمركز أبحاث الأمراض التنكسية العصبية في جامعة ولاية ألباني: “إنها مشكلة ذات شِقين في حالة الإنسان”.

أولًا، لا يتناول الإنسان القدر الكافي من احتياجه اليومي من الكولين الذي حدده معهد الطب في 1998.

ثانيًا، تُظهر الكثير من النظريات أن الكميات الموصى بها للاستهلاك اليومي غير كافية للوظائف المتعلقة بالمخ.

قاد رومان فيلازكيز الدراسة الحديثة حول أهمية الكولين في النظام الغذائي للمخ وغيره من الأعضاء.

يسلط البحث الضوء على مجموعة من التغيرات الجسدية والعصبية المرتبطة بنقص الكولين؛ حيث إن الكولين الكافي في النظام الغذائي يقلل الحمض الأميني (الهوموسيستين) وهو نوع من السموم العصبية التي تساهم في التنكس العصبي.

يجب زيادة وعي البالغين بأهمية الكولين، لضمان تناوله بكميات كافية وهذا ينطبق بشكل خاص على متبعي الأنظمة الغذائية النباتية التي تحتوي بطبيعتها على نسب منخفضة من الكولين على عكس الأغذية الأغنى بالكولين مثل البيض واللحوم والطيور.

تتضمن الأغذية النباتية الغنية بالكولين: فول الصويا، وكرنب بروكسل، وبعض أنواع المكسرات يمكن أن تعزز نسبة الكولين في تلك الحالات، وفضلًا عن ذلك فإن مكملات الكولين الغذائية غير مكلفة ولا تحتاج لوصفة طبية وتحسن من الصحة العامة وتحمي المخ من آثار التنكس العصبي.

عناصر غذائية معززة لصحة المخ

يحتاج الجسم الكولين لينتج الأسيتيل كولين، وهو ناقل عصبي يلعب دورًا هامًا في سلامة الذاكرة، والتحكم بالعضلات، والحالة النفسية، يبني الكولين أغشية الخلايا أيضًا ويساعد في تنظيم التعبير الجيني.

استندت التوصيات التي أقرها معهد الطب على أدلة بأنه يمنع إصابة الرجال بمرض الكبد الدهني.

تقترح مجموعة جديدة من الأدلة أن الجرعة المحددة الموصى بها من الكولين في النظام الغذائي للسيدات البالغات هي 425 ميلليجرام يوميًا، وللرجال البالغين هي 550 ميلليجرام يوميًا وقد لا تكون الجرعة الأمثل من أجل صحة المخ والإدراك، ومع ذلك لا يتناول حوالي 90% من الأمريكيين الكميات الموصى بها وقد لا يكونون على علم بأن الكولين مطلوب يوميًا.

رُغم البحث المستمر واستثمار مليارات الدولارات منذ اكتشاف مرض الزهايمر المدمِر منذ أكثر من قرن، إلا أنه حتى الآن لا يوجد علاج له القدرة على إبطاء تقدم المرض، ومع ذلك تُرجح نتائج البحث الجديد أن التغيرات البيئية وتغييرات نمط الحياة بما فيها تناول كميات كافية من الكولين يوميًا يمكن أن تساعد في وقاية المخ من مرض الزهايمر إلى جانب تحسين الصحة العامة.

التحق المؤلفين المساعدين نيخيل دايف (Nikhil Dave) وچيسيكا چاد (Jessica Judd) بالدراسة مع فيلاسكيز، فالعمل متعدد التخصصات، منهم باحثين من مرفق قياس الطيف الكتلي بكلية العلوم الحيوية بجامعة ولاية أريزونا، ومركز أبحاث القلب والأوعية الدموية الانتقالي في كلية الطب بجامعة أريزونا في فينيكس، أريزونا.

قال نيخيل: “هذا العمل المشترك الذي يشمل مؤسسات متعددة ويستكشف عمليات الشيخوخة الجزيئية على مستوى النُظُم يضيف إلى مجموعة الأدلة المُقدَّمة حول أهمية الكولين في النظام الغذائي للحصول على شيخوخة صحية”.

وأضافت چيسيكا: “أكثر ما وجدته مقنعًا في هذا المشروع تحديدًا هو أن في حالات الخلل في عدد من أعضاء الجسم التي لها تأثير على صحة المخ حدث أثر سلبي بنقص الكولين في النظام الغذائي”.

قاتل غامض سريع الانتشار

يُعد السبب الرئيسي للخرف وخامس مسبب رئيسي للوفاة بين الأمريكيين ممن بلغوا 65 عامًا وأكثر في مرض الزهايمر.

يؤثر اليوم الزهايمر على 6.5 مليون شخص في الولايات المتحدة الأمريكية فقط، ومن المتوقع أن يزيد ليصيب ما يقارب 14 مليون أمريكي بحلول عام 2060، وحينها من المتوقع أن تتخطى تكاليف السيطرة على مرض الزهايمر 20 تريليون دولار مهددًا البنية التحتية لقطاع الرعاية الصحية مع التسبب في معاناة هائلة.

كان من علامات مرض الزهايمر المعترف بها ترسب جزيئات البروتين اللزجة (التي تشكل لويحات أميلويد بيتا) خارج الخلايا العصبية، وتراكم الشكل غير الطبيعي من بروتين تاو في الخلايا العصبية مسببًا تشابك ليفي عصبي (اعتلال تاو) وعادةً ما يتبع تلك التغيرات في المخ التنكس العصبي مما يشمل تلف وتدمير الخلايا العصبية.

يسود اعتقاد أن اللويحات تدمر الاتصال بين الخلايا في المخ بينما يمنع التشابك الليفي نقل العناصر الغذائية الأساسية التي تحتاجها الخلايا لتقوم بوظيفتها وتعيش.

يسبب المرض موت الخلايا في المخ وزيادة في التدهور المعرفي، بالإضافة إلى لويحات الأميلويد بيتا والتشابكات الليفية العصبية.

وجد العمل الحالي أن خلل تنظيم البروتينات في الحصين، وهو مكان رئيسي يكون مصابًا في حالة الزهايمر حيث إنه مرتبط بالتعلم والذاكرة.

كان هناك خلل في بروتينات الحصين في الفئران الطبيعية والمصابة بالزهايمر في حالة نقص الكولين بالنظام الغذائي، ولكن ظهرت آثار حادة على الفئران المصابة بالزهايمر.

يبدو أن هناك عاصفة قادمة

تثير الزيادة الهائلة حديثًا في انتشار مرض الزهايمر قلقًا بالغًا رغم أن حالات الوفاة الناجمة عن السكتات الدماغية وأمراض القلب ومرض الإيدز انخفضت منذ عام 2000 إلى عام 2019، ولكن حالات الوفاة الناجمة عن مرض الزهايمر تجاوزت 145% بالإضافة إلى العبء الذي يسببه المرض.

شكّل مرض الزهايمر عبئًا هائلًا على مقدمي الرعاية للمرضى، حيث قدم أفراد 11 مليون أسرة وغيرهم من المتطوعين لتقديم الرعاية لمرضى الزهايمر 16 مليار ساعة في عام 2021 فقط.

ترتبط عادةً أعراض المرض الأولية الخارجية باللغة والذاكرة وصعوبات في التفكير؛ حيث إن المرض يصيب أولًا المناطق المرتبطة بتلك الوظائف في المخ، ومع ذلك فالباحثين اليوم يعلمون أن المرض يسبب أعراضًا واضحة مع الوقت فهو يدمر المخ ببطء شديد لمدة تصل إلى 20 عام أو أكثر.

تساهم العديد من العوامل في تطور مرض الزهايمر مثل الاستعداد الوراثي، والعمر، ونمط الحياة، والمؤثرات البيئية، ومن العوامل الغامضة حتى الآن أن نسبة الإصابة بالمرض أعلى في الإناث، وكشفت الدراسات الحديثة أن التغذية من العوامل الهامة المرتبطة بالوقاية من التدهور المعرفي.

أثبت فيلازكيز وزملاؤه في الأبحاث السابقة أن الفئران التي كان نظامها الغذائي يحتوي على نسبة عالية من الكولين؛ كان نسلهم لديه ذاكرة مكانية أفضل مقارنةً بالفئران التي كانت أمهاتها تأكل كميات معتادة من الكولين أثناء الحمل.

 هذا يشير أن آثار مكملات الكولين المفيدة تُوَرَّث ولا تحمي فقط الفئران أثناء استخدامها في الحمل والرضاعة، ولكن أيضًا نسل تلك الفئران، مما يشير إلى تعديلات موروثة في جيناتها.

حقق الكولين المستخدم على مدار الحياة مع إناث الفئران تطورًا في ذاكرتهم المكانية مقارنةً بمن تلقوا نسبًا اعتيادية من الكولين في الدراسات التالية التي أُجريت في معمل فيلازكيز.

آثار متعددة الجوانب

تفحص الدراسة الحديثة الفئران عند عمر 3 إلى 12 شهر أو في وقت مبكر أو متأخر من سن البلوغ (يكافئ تقريبًا 20-60 عام للإنسان).

وجدوا أن في الفئران الطبيعية وفي الفئران المُعدلة وراثيًا التي يظهر عليها أعراض الزهايمر عندما انخفض الكولين في النظام الغذائي؛ حدثت زيادة في الوزن وكان له آثار سلبية على عملية التمثيل الغذائي، ولوحِظ تلف في الكبد من خلال تحليل الأنسجة، وحدث أيضًا تضخم بالقلب، واكتشفوا ارتفاع بروتين الأميلويد بيتا القابل للذوبان وقليل الوحدات وغير القابل للذوبان، بالإضافة إلى التغيرات الخاصة التي حدثت إلى بروتين تاو التي تؤدي إلى التشابكات الليفية العصبية في المخ.

لوحِظ بوضوح أن الفئران التي لديها نقص في الكولين كان أداؤها ضعيفًا في اختبار القدرات الحركية، مقارنةً بالفئران التي تتلقى الكولين الكافي في نظامها الغذائي.

زادت تلك الآثار السلبية في الفئران المعدلة وراثيًا، وعند تفسير تلك النتائج على الإنسان وجدوا أن هذا يشير إلى أن الأشخاص المعرضين لمرض الزهايمر أو في خضم المرض يجب أن يضمنوا حصولهم على ما يكفي من الكولين.

تضمنت الدراسة أيضًا استكشافًا مفصلًا للبروتينات في الحصين، وهي منطقة في المخ مصابة بشدة بمرض الزهايمر بالإضافة إلى البروتينات المُكتشفة في الدم.

أثَّر نقص الكولين في النظام الغذائي على شبكات مهمة في الحصين، تتضمن تلك الحالات المرضية اضطرابات وظيفة الأنابيب الدقيقة في المخ وتنظيم عمل الغشاء بعد المشبكي، وكلاهما ضروري ليقوم المخ بوظيفته على نحو سليم.

كانت البروتينات التي يُنتجها الكبد في الدم وتلعب دورًا في عملية التنظيم الغذائي غير منتظمة في النظام الغذائي الذي يحتوي على كمية غير كافية من الكولين.

قال فيلازكيز: “يقدم عملنا المزيد من التأكيد على أن استخدام الكولين في النظام الغذائي يوميًا يعطي احتياجات جميع أجزاء الجسم”.

ستكون التجارب السريرية البشرية الخاضعة للرقابة ضرورية في النهاية لتحديد فعالية الكولين وجرعاته المناسبة قبل التشجيع على استخدام مكملات الكولين مدى الحياة، ورغم ذلك تقدم النتائج القوية الجديدة الأمل في أن يكون الكولين أحد أدوات خط الدفاع اللازم لحماية المخ من التنكس العصبي والتدهور المعرفي المرتبط بالعمر.

المصدر: https://medicalxpress.com

ترجمة: نرمين السرجاني

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!