تراكم بعض السّموم في الدّماغ بعد يوم عمل شاقٍ وطويل

تراكم بعض السّموم في الدّماغ بعد يوم عمل شاقٍ وطويل

25 يناير , 2023

ترجم بواسطة:

سحر سنجاب

دقق بواسطة:

زينب محمد

 يفقد الإنسان جزءًا كبيرًا من طاقته بعد يوم عمل طويل وراء المكتب، ويفقد الرغبة في مشاهدة التلفاز أو حتّى تناول الوجبات الجاهزة، رغم أنّه لم يبذل أيّ جهد يُذكر عدا عن الجلوس طوال اليوم. إذن، لماذا يشعر بالتعب كأيّ شخص يبذل جهدًا بدنيّا في عمله؟

 يزداد شعورك بأنّك تكافح جاهدًا لإنهاء قائمة أعمالك الأساسيّة مع مرور الوقت واقتراب موعد مغادرة العمل إلى المنزل. والأسوأ من ذلك أن تلتقي بزميل يرغب في “دقيقة من وقتك”. ومن الواضح أنّك ستميل إلى اتّخاذ قرارات متسرّعة في نهاية اليوم، ولكن غالبًا ما يحاول الناس فرض سلطتهم عليك في هذا الوقت.

وقد كشفت دراسة حديثة أُجريت على أدمغة الموظّفين خلال ساعات متفرّقة من العمل أنّ المهام الصّعبة والتي تتطلّب تركيزًا عاليًا لفترات طويلة تؤدّي إلى تراكم مادّة كيميائيّة قد تكون سامّة وتدعى الغلوتامات، وهي المسؤولة عن إرسال الإشارات من الخلايا العصبية، ولكن مع تراكم كميات منه يتغيّر أداء الفصّ الجبهيّ الأماميّ المسؤول عن التّخطيط واتّخاذ القرارات.

ولقد أظهر العلم مجددّا أنّ للإرهاق العقلي تأثير حقيقي وملموس على الأفراد، حيث أظهرت العديد من الدّراسات أنّ قرارات المحكمة تعتمد على مدى تعب القاضي، فعلى سبيل المثال، يميل القضاة بعد يوم عمل شاق إلى رفض إطلاق السراح المشروط رغم أنّه يُعتبر من أقلّ الأحكام ضررًا. وتشير الدراسات أيضًا أن الأطبّاء يصفون مضادّات حيوية في حالات غير ضروريّة بعد جلسة سريريّة متعبة.

وكشفت دراسة جديدة من معهد باريس للدماغ (ICM) عن دور الوظائف الإدراكيّة كالتّركيز والتذكر وتعدّد المهام وحل المشاكل في التسبب بإرهاق الفص الجبهي الأمامي للدّماغ والذي يؤثّر بدوره على اتّخاذ القرارات الهامّة.

الفرص البديلة

إن ّمركز القيادة في الجسم هو الدماغ، فهو المسؤول عن تنظيم الدورة الدمويّة والتنفّس والوظائف الحركيّة والنّظام العصبيّ، وينسّق كلّ تلك الوظائف مستهلكًا مقدارًا كبيرًا من الطاقة. كما تحتاج الخلايا العصبية إلى العناصر الغذائية لتحرّر الطاقة اللازمة وتدعى هذه العملية بالأيض. وينتج عن تلك العملية جزيئات ثانوية صغيرة تدعى الناتج الأيضي، والغلوتامات هي إحدى تلك النواتج. وعادةً ما يتخلّص الدماغ من البقايا الكيميائية السامة أثناء فترة النوم.

أراد مؤلّفو دراسة باريس معرفة دور المهام المعرفيّة لفترة طويلة في استهلاك الدماغ للعناصر الغذائيّة. وقاموا بإجراء العديد من الاختبارات لمعرفة تأثير التركيز العالي المستمر في الفصّ الجبهي الأمامي وتراكم المواد السامّة فيه أكثر من بقيّة أجزاء الدماغ، لذلك قارنوا بين الفص الجبهي الأمامي والقشرة البصريّة الأوليّة التي تتلقّى وتعالج المعلومات البصريّة، ولاختبار صحّة فرضيّتهم قسّم المؤلفون المشاركين في الدراسة، والبالغ عددهم أربعون شخصًا، إلى مجموعتين.

جلست كلا المجموعتين في مكتب أمام جهاز الكمبيوتر لمدة ساعة ونصف، ثمّ قامت إحدى المجموعتين بأداء مهام صعبة تتطلب الكثير من التركيز المستمرّ والذاكرة العمليّة، مثل ظهور حروف على شاشة الكمبيوتر كل 1.6 ثانية وعلى المشاركين تصنيفها لأحرف صوتيّة أو أحرف ساكنة، أو اعتمادًا على لون الحرف أو كون الحرف صغيرًا أم كبيرًا. وقامت المجموعة الثانية بأداء مهام مماثلة، ولكن بشكل أبسط. وقد تمكّنت كلا المجموعتين من إنهاء 80% من المهمة بمعدّل استجابة صحيح.

واستخدم العلماء جهاز الرّنين المغناطيسي (MRS) أثناء التجربة لمسح أدمغة المشاركين وقياس مستوى ناتج الأيض. وسجّلوا ناتج دراسة الأدمغة في بداية اليوم وفي أوسطه وفي نهايته.

فوجدوا علامات الإرهاق كازدياد تركيز الغلوتامات حصرًا لدى المجموعة التي أدّت المهام ذات التركيز العالي، ولاحظوا أنّ العناصر الكيميائيّة السامّة تراكمت في الفص الجبهي الأمامي وليس في القشرة البصريّة الأوليّة.

ثمّ خضعت المجموعتان لاختبارات اتخاذ القرارات بعد نهاية تأدية المهام، و شمل الاختبار خيارات حول رغبتهم في بذل أيّ جهد بدني (كركوب الدراجة بسرعات مختلفة)، أو الجهد المعرفيّ ( سواء كان أداء مهام أصعب أو أسهل من مهام الأداء المعرفي)، والصبر ( إلى أي مدى مستعدون للانتظار حتى الحصول على عائد مادي أكبر) وتراوحت المكافآت من 0.10 يورو إلى 50 يورو أي (حوالي 10 دولارات إلى 50 دولارًا) وتراوح تأخير المكافآت من النقد الفوريّ بعد التجربة أو التحويل البنكيّ بعد سنة.

إعادة التفكير في ترتيب يوم العمل

 اكتشف الباحثون أنّ المجموعة التّي أدّت مهام تتطلّب تركيزًا عاليًا لديها مستوى مرتفع من النّاتج الأيضي في الفصّ الجبهيّ الأماميّ وفضّل المشاركون فيها خيارات تتضمّن ضرائب منخفضة وكانت حدقة العين لديهم أقلّ اتّساعًا (يشير اتساع حدقة العين إلى الإثارة) واستغرقوا وقتًا أقلّ لاتّخاذ القرارات، ممّا يشير إلى أنهم وجدوا هذا الجزء من التجربة سهل وبسيط.

لذلك برز سؤال من فريق باريس للدراسات حول تنظيم يوم العمل وإن كان منظمًا بالشكل الأفضل.

وفقًا لنتائج الدّراسة، ينبغي أن تُقسم مهام التحكم المعرفيّ التي تحتاج تركيزًا عاليًا إلى ذاكرة عاملة واهتمام مستمر، آخذين بعين الاعتبار أنّ الأداء ينخفض في نهاية اليوم. وبذلك نستنتج أنّ بعض المهن قد تتطلّب تنظيمًا مختلفًا تمامًا اعتمادًا على تلك النّتائج. حيث يقوم مراقبو الحركة الجويّة بتوجيه الطائرات لمدّة تتجاوز الساعتين فقط خلال مناوبتهم ثمّ تليها استراحة لمدّة نصف ساعة، وسيكون من الجيد لسائقي الحافلات والأطبّاء والطيارين الاستفادة أيضًا من الاستراحات المنتظمة والإلزاميّة.

يوجد في أدمغتنا مناطق متعددّة تنشط أثناء المهام المختلفة مثل الحديث والاستمتاع والتخطيط، لذلك لا يمكن تفسير جميع قراراتنا من خلال نتائج دراسة باريس.

وبالنظر إلى التفاعلات التي تحدث في كافة أجزاء الجسم، كشفت دراسة أُجريت عام 2006 في الولايات المتحدة الأمريكيّة أنّ حفظ المعلومات الجديدة أثناء الجوع هو الأفضل. إلا أنّ تخزين المعلومات الجديدة يصبح أكثر صعوبة، لإنّ الإحساس بالشبع يوفّر الطاقة اللّازمة لبناء خلايا عصبيّة لتخزين الذاكرة طويلة المدى.

بينما تكون القرارات المتعلّقة بطرف آخر، مثل مهمّة إصدار القاضي للأحكام، أفضل في حالة الشبع فبعد تناول الطعام تختفي المصلحة الشخصية للبقاء على قيد الحياة لأنّنا لا نبحث عن الطعام، ممّا يتيح لنا أن نحكم على الأمور من حولنا بشكل أكثر موضوعيّة.

من جهة أخرى، فإنّ المهام التي تتضمّن وظائف حركيّة دقيقة، مثل العمليّات الجراحيّة، معرضة للخطر، لأنّ الجسم يحتاج إلى الراحة لهضم الطعام بعد الشبع، لذلك لا فإنّ المهارات الحركيّة الدقيقة المعقّدة لا تكون في أفضل حالاتها بعد تناول وجبة مشبعة.

إذن، في المرّة القادمة التي يتعيّن عليك اتّخاذ قرار صعب في نهاية يوم طويل، كن على علم بأنّك ستميل نحو خيارات سهلة مع مكافآت قصيرة المدى.

لذا يُفضّل أن تُرجئ المسألة للنظر فيها إلى اليوم التالي.

المصدر: https://www.sciencealert.com

ترجمة: سحر سنجاب

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!