التغلب على الاكتئاب من خلال الكشف المبكر والعلاج الموجه

التغلب على الاكتئاب من خلال الكشف المبكر والعلاج الموجه

22 يناير , 2023

ترجم بواسطة:

منة إدريسي

دقق بواسطة:

زينب محمد

الاكتئاب هو مرض مزمن، يتولد في معظم الأحيان من النوبة الأولى للحالة المزاجية المتدنية، التي تؤدي بدورها إلى اضطراب شديد في الحياة اليومية، غالبًا ما تتبعه موجة من الانتكاسات اللامتناهية. حيث إن ما يقرب من نصف المصابين يعانون من هذه الحالة أكثر من مرة. بالنسبة للكثيرين تصبح حالة نفسية مدى الحياة. ففي الاتحاد الأوروبي وحده، يعاني 7.2٪ من الاكتئاب المزمن، ومعدل تعرض النساء لخطر الإصابة به أربع مرات أكثر من الرجال.

بينما يعمل الأطباء والعلماء للسيطرة على هذا الوباء العالمي، فإن إحدى الأفكار التي تستدعي الاهتمام هي أن تحديد الأشخاص المعرضين للخطر قبل أن يصابوا بالاكتئاب سيحمي صحتهم العقلية في المستقبل.

 قال الدكتور إيكو فرايد، الأستاذ المساعد في علم النفس في جامعة ليدن في هولاندا: “لقد اتضح أن الحلقة الأولى من الاكتئاب هي المحفز للثانية، لذلك من الناحية العلمية هناك احتمال جيد بأن منع الحلقة الأولى يمكن أن يمنع حدوث التالية”.

الدكتور فرايد هو الباحث الرئيسي في (WARN-D)، وهو مشروع يهدف إلى التنبؤ بمن هو عرضة لخطر الإصابة بالاكتئاب أو ما أطلق عليه: “السقوط في الوادي”. لهذا السبب بالذات أنشئ برنامج مخصص لمنع حدوث ذلك. بدأ المشروع في عام 2021 ويستمر حتى عام 2026.

إنذارات مبكرة

 في حين أن البرامج الوقائية موجودة بالفعل -بما في ذلك التدخلات النفسية التي تبني المرونة أو قدرة الفرد على التأقلم- فإنها يمكن أن تعمل فقط عندما يتم تحديد الأفراد المعرضين للخطر في الوقت المناسب.

تعتبر دراسة (Warn-D) هي الدراسة الأولى التي تحاول بناء نظام موثوق للإنذار المبكر. سيأخذ المشروع شكل تطبيق هاتف ذكي يمكنه مراقبة الصحة العقلية للمستخدم بشكل فوري ودمج هذه المعلومات مع ما هو معروف عن الخلفية الاجتماعية والنفسية والبيولوجية للشخص. الهدف هو ملاحظة الأشخاص وهم يقتربون من نقطة تحولهم الشخصية: اللحظة التي تعرضهم فيها الاضطرابات المتراكمة في حياتهم لخطر الانهيار.

سيبدأ تطوير التطبيق في غضون العامين المقبلين، ولكن أولاً يجب على الباحثين الاختيار من خلال مجموعة البيانات، والبحث عن السمات المشتركة بين الأفراد المعرضين للإصابة بالاكتئاب.

 يهدف التطبيق إلى تجميع الأشخاص وفقًا لمجموعة معقدة من السمات التي تشمل الشخصية (على سبيل المثال، المنفتح مقابل الانطوائي)، والعوامل التي حفزت تطور اضطرابهم (كالطفولة المؤلمة) وقدرة الشخص الفطرية على التعافي من النكسات (أي المرونة).

 من المرجح أن تستجيب المجموعات المختلفة لتدخلات مختلفة، مما يعني أنه يجب تصميم برنامج وقائي ليكون ناجحًا.

الشباب المعرضون للخطر

 تعتمد الدراسة على مجموعة من 2000 طالب شاب- تم تجنيد 500 طالب منهم بهولندا. أصيب الأشخاص في هذه الدراسة الإحصائية بالاكتئاب بشكل غير متناسب، ولذلك يحظون باهتمام خاص من الباحثين.

أوضح الدكتور فرايد: “الاكتئاب المبكر مرتبط بنتائج سريرية سيئة في حياة أي شخص. من المؤسف حقًا أن الكثير من الشباب سيقضي  أكثر من 20٪ من حياتهم في حالة اكتئاب”.

 هناك جانب إضافي آخر لتجنيد الطلاب الصغار هو أنه يمكن إقناعهم بسهولة (بمساعدة حافز نقدي يصل إلى 90 يورو) لارتداء ساعة ذكية ليلاً ونهارًا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من دراستهم التي تستغرق عامين. تتعقب الساعة نشاطًا يتراوح ابتداءً من الخطوات التي يخطوها في الصباح إلى ساعات النوم، وتنقر على مستويات التوتر باستخدام مستشعر معدل ضربات القلب.

 بالإضافة إلى ذلك، يُطرح على الطلاب المشاركين أسئلة أربع مرات يوميًا حول الأمور الحالية التي يُعتقد أنها تلعب دورًا في الاكتئاب،  مثل كيف كان نومهم، وهل يشعرون بالسعادة أم لا، ومدى غضبهم وماذا يفعلون في تلك اللحظة.

 بالإضافة إلى ذلك أيضًا، يتلقى الطلاب كل يوم أحد المزيد من الأسئلة المتعارف عليها بشأن القلق والاكتئاب مثل: ما هي أفضل وأسوأ أحداث الأسبوع.

 قال الدكتور فرايد: “الغاية المنشودة هي معرفة الطرق التي يختلف بها الناس في استجابتهم للتوتر والطرق التي يتشابهون بها، بمجرد أن نجد نسبة التباين يمكننا البدء في العمل على الأنظمة التي من شأنها أن تجعل الناس أكثر مرونة”.

لماذا كل هذا الحزن؟

 تتراوح أعراض الاكتئاب من الحزن الشديد والتعب وضبابية الدماغ إلى اضطرابات النوم، وفقدان الشهية، وقلة الاهتمام بالأنشطة الممتعة سابقًا.

من شبه المؤكد أن أسباب الحالة تنطوي على تفاعل العديد من العوامل، بعضها بيولوجي والبعض الآخر بيئي. من المحتمل أن تلعب الجينات دورًا، حيث يكون الشخص أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب إذا أصيب أيضًا أحد أفراد الأسرة. ومع ذلك، يمكن لأي شخص أن يصاب بالاكتئاب.

 تشمل المحفزات المحتملة: الإجهاد والفقر والمرض والتغيرات الهرمونية وأحداث الحياة الصادمة مثل عُقد الطفولة والحرمان.

على الرغم من أن بعض الأبحاث تظهر أن العقاقير المخدرة يمكن أن تساعد، إلا أن مضادات الاكتئاب تكون في أفضل الأحوال ضربة الحظ، رغم أن  نصف المرضى فقط يستجيبون بشكل إيجابي لوصفاتهم الطبية الأولى. لذلك فإن الحصول على الدواء بشكل صحيح منذ البداية سيكون له تأثير كبير على كلٍ من الأفراد الذين يعانون وعلى الاقتصاد وسيخفف الضغط على الأطباء أيضًا.

دماغ في طبق!

 ابتكر الباحثون نموذج “الدماغ في طبق”، والذي من خلاله تُنشئ الشبكات والخلايا الجذعية للدماغ البشري في المختبر من عينات الدم باستخدام تكنولوجيا الخلايا الجذعية لتحديد أفضل مضاد للاكتئاب لكل مريض.

وفي بحثٍ سابق، اكتشفوا تغيرات خلوية محددة تسمى “المؤشرات الحيوية” في أنسجة المخ والتي ترتبط باستجابة المريض لدواء معين.

 ولكي يكون لدى الشخص استجابة ناجحة لمضاد الاكتئاب، يجب العثور على تغييرات كافية في مستويات تلك المؤشرات الحيوية المقابلة في نماذج الدماغ التي تم إنشاؤها.

 يتصور الباحثون عالمًا يتم فيه تقديم اختبار لجميع مرضى الاكتئاب لتحديد الدواء الأكثر ملاءمة لحالتهم. يمكن أن يقلل ذلك من تكاليف الرعاية الصحية المرتبطة بالاكتئاب بنسبة 43٪، مع توفير يصل إلى 6500 يورو لكل مريض سنويًا.

 يعمل الفريق على توسيع نطاق تجاربه لتشمل عقاقير جديدة، بينما يعمل على إيجاد طرق لجعل إجراءات الاختبار الخاصة به أكثر كفاءة.

المصدر: https://medicalxpress.com

ترجمة: منة إدريسي

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!