ما يجهله الناس: متعة العيش وحيدًا

ما يجهله الناس: متعة العيش وحيدًا

18 يناير , 2023

ترجم بواسطة:

إكرام الدعاسي

دقق بواسطة:

زينب محمد

غالبًا ما يتم تجاهل أهم سر للازدهار الفردي.

في جميع أصقاع العالم، يتزايد عدد الأفراد الذين يعيشون بمفردهم وتُدرج في التركيبة السكانية أعدادًا لا حصر لها من الأفراد الذين يعيشون بمفردهم لأنهم يرغبون في ذلك فضّلوا طريقة العيش بمفردهم دون غيرها وهم في سعي دؤوب لمواصلة العيش بمفردهم لأطول فترة ممكنة.

يعيش أغلب العازبين بمفردهم ومن المرجح أن يعيش الأشخاص غير المرتبطين في الواقع –ينعمون بعيش رغيد بالعيش بمفردهم أكثر من الأشخاص المرتبطين. وفي المقابل، توجد فئة من الأشخاص المرتبطين تُثمّن العيش الفردي ونرصد عددًا ليس بقليل من الأشخاص المرتبطين والملتزمين بعلاقتهم ولكن يفضلون العيش بشكل منفصل-أي أنهم “يعيشون معًا بشكل منفصل”- وهو خير بُرهان على الجاذبية القوية للمكان الخاص بالفرد . ويتزايد عدد هؤلاء الأفراد أكثر فأكثر.

يمكن أن أخبركم أن الأشخاص الذين يفضلون العيش بمفردهم هم يثمّنون الحرية التي يوفّرها هذا النمط من العيش. فلو كنت تعيش بمفردك، أي أنت المُدبِّرُ والمسيطر، فيمكن أن تتحكم في توقيت نومك وعادات تناول الطعام وعادات تناول الوجبات الخفيفة فأنت سيد الموقف والقرار بدايةً من التحكّم في منظم الحرارة إلى جهاز التحكم عن بُعد ويمكن أن ترتّب وتزيّن الفضاء كما يحلو لك وتستغلّه كما تشاء وترضى.

ومع ذلك فإن متعة العيش بمفردك أعمق من هذا بكثير. إذ يشعر الأشخاص أنهم على طبيعتهم عندما يكونون بمفردهم ولا يشعرون بالشعور ذاته عندما يكونون محاطين بأشخاص آخرين.

ومن المستبعد أن يشعر الأشخاص الذين يرغبون في العيش بمفردهم لأسباب إيجابية بالوحدة فهم لا يهابون الوقت المخصص لأنفسهم بل يُزهرون بمعزل عن الآخرين.

عندما ينظر الآخرون إلى الأشخاص الطاعنين في السن الذين يعيشون بمفردهم هم غالبًا يتوقعون مخاطر هذا النمط من العيش أكثر من ميزاته

ليس العيش الفردي حكرًا على الشباب بل، يعيش العديد من الكهول في منتصف العمر بمفردهم أيضًا. يزداد نمط العيش بانفراد لدى المتقدمين في السن ومن المرجح أن تستمر هذه الزيادة بما أن العديد من الأشخاص يفضلون حياة العازبين مدى الحياة ولا يتزوجون مرة أخرى إذا ما حُكم على زواجهم بالإنتهاء. ويعتبر البعض ذلك مدعاةً للقلق. ونذكر على سبيل المثال مقالاً شهيرًا نُشِر مؤخرًا في صحيفة نيويورك تايمز: “يتقدّم الجيل إكس (الفئات التي وُلدت مابين أوائل الستينات إلى أواخر الثمانينات) والكهول في السن فهم يجابهون العيش بمفردهم”.

يُلمّح المقال واصفًا ما سيؤول إليه الأمر إذا ما عاش المرء بمفرده : أمر لا “نجابهه” ولكن ذلك لا ينطبق على الأشخاص الذين يحبون العيش بمفردهم وسيقولون بدلاً من ذلك أنهم يتبنون هذا النمط أو يستمتعون به.

ورغم أن الصحفيين الذين كتبا مقال التايمز أشارا إلى أن “العديد من الأشخاص في الخمسينات والستينيات من العمر يزهرون بالعيش بمفردهم” سرعان ما أعلنا أن “البحث لا لُبس فيه وأن الأشخاص الذين يتقدّم بهم السن بمفردهم يعانون من أضرار جسدية وعقلية وتكون أعمارهم أقصر من غيرهم”. لا لَبس فيه؟ لا ليس كذلك.

العيش بمفردك لا يماثل العُزلة الاجتماعية أو الشعور بالوحدة

قد درست المقال الذي ارتبط بهذا الإدعاء بشأن البحث المزعم أن لا لُبس فيه. لم يكن الأمر مرتبطًا بالأشخاص الذين يعيشون بمفردهم أو حتى كبار السن الذين يعيشون بمفردهم . كان الأمر مرتبطًا بثلاثة أمور: العزلة الاجتماعية والوحدة وكبار السن الذين يعانون من ضعف إدراكي ويعيشون بمفردهم.

وكأن الصحفيين يخبروننا أن نتائج البحث عن العزلة الاجتماعية قائمة بالنسبة إلى نتائج البحث عن العيش بمفردك وأن نتائج البحث عن الوحدة تمثل أيضًا نتائج البحث عن العيش بمفردك وأن كبار السن الذين يعيشون بمفردهم ويعانون ضعفًا إدراكيًا يمثلون كل الأشخاص المتقدمين في السن الذين يعيشون بمفردهم. وهي أمور غير صحيحة طبعًا.

يمكن أن تحدث العزلة الاجتماعية والوحدة أضرارًا على الصحة والرفاهية. ويجب أن تؤخذ هذه الأضرار على محمل الجدّ بيد أن العديد من الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم ليسوا منعزلين اجتماعيًا أو وحيدين. ففي حقيقة الأمر، الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم (من جميع الأعمار) هم عادةً يتواصلون مع الآخرين كما يبيّن إيريك م. كليننبرغ في سولو غونغ.

وقد بينت دراسة عن كبار السن في ريف ويلز أن الأشخاص المقيمين بمفردهم هم القلب النابض للمدن والبلدات وأن الأشخاص المنعزلين اجتماعيًا بشكل موضوعي هم ليسوا بالضرورة  أشخاصًا وحيدين أو يشعرون بالوحدة.

من الممكن العثور على دراسات تبيّن أن الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم هم أكثر وحدة من الآخرين وتعدّ صحيفة تايمز واحدة منهم ولكن إذا ما نظرنا عن كثب لاكتشفنا أمورًا أخرى. فعلى سبيل المثال، توصلت دراسة أُجريت على أكثر من 16000 كهل ألماني أن في المتوسط الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم هم أكثر وحدة من غيرهم ولكن اختلفت حياة المقيمين بمفردهم من نواحي عديدة عن الذين يعيشون مع أشخاص آخرين كمسألة ضمانهم المالي.

ولما تحكّم الباحثون في هذه العوامل، بحيث تشابه الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم مع الآخرين من الناحية المالية كانت النتائج مذهلة: كان الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم أقل وحدة.

يتم دائمًا تجاهل أهم عامل يجعل الأشخاص يزهرون بمفردهم

يختلف الأشخاص الذين يرغبون في العيش بمفردهم عن أولئك الذين يعيشون بمفردهم على مضض، ومع ذلك فإن أغلب الدراسات عن تبعات ذلك تتوسط كلا النوعين.

إن الأشخاص مثلي –البالغين 69 سنة- وعاشت بمفردها قرابة 50 عامًا وهي تحب ذلك يتم احتسابها مع أشخاص مثل أمي التي انتقلت مباشرةً من العيش مع والديها إلى العيش مع أبي إلى أن توفي بعد 42 سنة من الزواج وفجأة وجدت نفسها تعيش بمفردها لأول مرة في حياتها. وبالتالي إذا ما تهادى إلى مسامعك زُعمًا عن العواقب الوخيمة للعيش بمفردك تذكّر كلماتي جيدًا.

تؤكد الادعاءات المرعبة أن العيش بمفردك ينال من صحتك ويقصّر حياتك. إن الأدلة أقل من أن تكون مقنعة كما سبق أن ذكرت آنفًا. وإن كانت هذه الادعاءات صحيحة في المتوسط فهي لا تنطبق على الأشخاص الذين يرغبون في العيش بمفردهم. وكما تقول كريستين وهي امرأة عزباء تبلغ من العمر 58 عامًا: “أعتبر عدم العيش بمفردي مضرًا بصحتي وسيقصّر حياتي”.

وفي إحدى الدراسات النادرة التي اكترثت إلى ما يحبذه الأشخاص، سُئل أكثر من 15000 شخص في الصين في عمر 65 وأكثر عن طريقة العيش التي يبتغونها وقورنت تفضيلاتهم بترتيباتهم المعيشية الحالية وتم التوصل إلى نتائج واضحة مفادها أن الأشخاص الذين يعيشون حياة يرضونها سواء كانوا بمفردهم أو مع أشخاص آخرين كانت صحتهم أفضل.

ومن بينهم الكبار في السن غير المتزوجين وتوصل الباحثون إلى أن المتزوجين “يميلون للعيش مع أزواجهم فقط ولكن ينتهي بهم الأمر بالعيش مع الأطفال بدلاً من ذلك”.

إن المخاطر المزعمة للعيش الفردي لاتخص الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم فحسب

يبدو أن جميع الأشخاص الذين جرت محاورتهم في مقال تايمز يرغبون العيش بمفردهم ومع ذلك يتم تقديم الارتياح الذي يبديه هؤلاء الأفراد  مع ترتيباتهم المعيشية على أنه راحة مؤهلة. إذ قال جاي، على سبيل المثال، إن العيش وحيدًا يناسب اهتماماته الإبداعية واستقلاليته، لكن قيل لنا: “إنه قلق بشأن المستقبل: من سيعتني به عندما يكبر؟”.

وهي حيرة مشروعة ولاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية التي تقدم نظام رعاية صحية مصمم للأشخاص الذين لديهم أزواج وأطفال بالغين يرعونهم وليست مصممة للأشخاص العازبين أو الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم ومعرضون للمخاطر.

ولكن تذكّر مصير المتزوجين المتقدّمين في السن عندما يكون أحدهم مصابًا بالخرف أو بمرض موهن، لم يعد للشريك الآخر زوجًا يرعاه في هذه الحالة، بل يصبح هو المسؤول عن رعايته ولن تكون الرعاية متبادلة أبدًا كما أن الشخص المريض معرّض للخطر ليس بسبب مرضه ولكن عندما يُصاب أحد الزوجين بمرض خطير، يتملص الطرف الآخر ويختفي أحيانًا.

 ثمة أدلة تبيّن أن الأشخاص يصبحون أكثر انعزالاً عندما يتزوجون. في المقابل، من المرجح أن يحتفظ العازبون بعلاقاتهم مع الأصدقاء والأقارب والجيران والزملاء. وإن الأشخاص الذين تزوجوا ولم يحافظوا على أواصل العلاقة مع العديد من الأشخاص الآخرين في حياتهم (وليس كل الأشخاص الذين يتزوجون يفعلون ذلك) قد يكونون أكثر عرضة للخطر في حياتهم لاحقًا.

إفساح المجال للخوف وليس للفرح

كان آخر شخص قابلناه في مقال صحيفة التايمز امرأة عزباء وتعيش بمفردها في فيلادلفيا وهي “عنصر أساسي في الحي الذي تعيش فيه وتراقبه”. وتحلم بالعودة إلى بلدة صغيرة في ساوث كارولينا حيثما نشأت، لكنها لا تقوى على تحمل ذلك. ماهو مصيرها؟ أصيبت برصاصتين في ساقيها عندما كانت تلقي بكيس الفضلات في القمامة.

وينتهي المال الذي يبتدأ بادعاء مريب حول التبعات المضرة للعيش وحيدًا بقصة امرأة مسنة تعيش بمفردها أصيبت برصاصة خارج منزلها. لا أعتقد أن الصحفيين كانوا يحاولون كتابة مقال ترتعد منه الفرائص. أعتقد أنهم كانوا يحاولون بصدق تلبية احتياجات مجموعة ديموغرافية متنامية. لقد رأوا تلك المجموعات السكانية من منظور الحكمة التقليدية: كبار السن + العيش بمفردهم = العزلة والوحدة وأن يُحكم عليهم بحياة أقصر وأن يكونوا عليلين. وغابت الحكمة غير التقليدية – أن العيش وحيدًا يمكن أن يكون ممتعًا ويجعل الحياة ساحرة وتساعد على ازدهار المرء.

كان المقال شائعًا جدًا وتمت مشاركته مرارًا وتكرارًا. وكرر ملخص موجز نُشر في ذي ويك الادعاء المُريب بخصوص “فترات الحياة الأقصر وتدهور الصحة البدنية والعقلية” لكبار السن الذين يعيشون بمفردهم. ولقد استمر المنظور المخيف الموصوم للعيش وحيدًا، وترك الأشخاص الذين يرغبون في العيش بمفردهم، دون تحفظ، غير معترف بهم.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: إكرام الدعاسي

تويتر: Ikram daassi

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!