لماذا نقاوم الأمل في حين أننا نحتاجُه؟

لماذا نقاوم الأمل في حين أننا نحتاجُه؟

11 يناير , 2023

ترجم بواسطة:

ريم علي حاج علي

دقق بواسطة:

زينب محمد

في غمار خوضِ التحدّيات، كيف نجعل من تفكيرنا صديقًا لا عدوًّا؟

النقاط الأساسيّة

  • غالبًا ما نُصغي لأفكار غير مجدية، ظنًا منّا أنها الأفضل.
  • تولّد وتنتج عقولنا شبكاتٍ من لغاتٍ وأفكار، كما لو أنها آلة!
  • التخلّي، أعظم مدرسة تعلّمنا أن نمضي قدمًا.

بدون الأمل، أشعر كما لو أنّ حياتي سجنٌ لا يطاق، مساحةٌ سوداء حدودها الضيق والإرهاق، وماذا عنكم؟

يمكنني سماع إجاباتِكم جميعًا، لأننا جميعًا بحاجةٍ لوجودِ خيوط الأملِ في حياتِنا.

إذًا، لماذا نحاول التنصل منه دائمًا؟ لماذا نظنّ أن حياتنا لن تتحسنّ وسنبقى عالقين في خضمّ معاناتِنا للأبد؟ لماذا نعتقد ونحن غارقون في يأسنا، أنّ الخير لن يصافحنا مجدّدًا؟

وللإجابة عن كل هذه التساؤلات، علينا أولًا أن نفهم الآليّة التي تعمل بها عقولنا في توليد هذه الأفكار المُحبطة.

في سبيل الخلاص من الصداع النصفي المزمن، زارت مريضتي أفضل العيادات المتخصصة حول العالم، ليشخّص حالتها كبار المختصّين من الأطبّاء، لكن وللأسف، كل ذلك كان “دون جدوى” حسب وصفها.

أذكر تمامًا تعابير وجهها وهي جالسة أمامي، بذراعين مكتوفَين ونظراتٍ لا تعكس شيئًا أكثر من الشّك والريبة في كلّ شيء.

لن أنسى كيف رمقتني بنظرةٍ غاضبة مستنكرة، حالما أخبرتها أنّ “هنالك أمل.

قلت لها بالحرف:

“مع نهاية برنامج التأهيل الخاص بك، ستعود لك الأشياء ذات مغزى كما كانت سابقًا، ستتمكّنين من حضور الفعاليّات ببهجة، وستعاودين اللعب مع أحفادِك كما فعلتِ دائمًا قبل أن يحتلّ الألم جزءًا من حياتك”.

لم أتصوّر ردّ فعلها عندما قلت ذلك، لتردّ عليّ بغضبٍ عارم:

“كيف تحاول إقناعي أنّ كلّ شيء سيعود لسابق عهده؟! أنا من عاش تجربة الألم، لست أنت”.

تفهّمت إحباطُها، خاصةً أنها كانت تؤمن ولسنوات، أنّ حالتها تأبى الشفاء أو التعافي، لم تعلم أنها قابلة للعلاج حتّى التقينا في عيادتي، حيث تلقّت علاجًا قياسيًا للألم المزمن التي كانت تعاني منه، يعرف هذا النوع من العلاج بإدارة الألم المُزمن، عامةً، هو أمر غير مستحب، لكنّه يمكّن المريض من الاستفادة منه، من خلال تعلّم مهارات جديدة عند التخلي تدريجيًا عن كل تلك الآلام بما فيها من أفكار ومعتقداتٍ خاطئة، سيلاحظ المريض نفسه مع نهاية العلاج تحسّنًا ملحوظًا في جودة حياتِه بعد التخلّص من هذه الأفكار.

التفكير السلبي وغير المجدي هو أساس الآلام، كيف؟

كانت المشكلة أن المريضة نفسها لم تُعر أي اهتمام في التفكير بحلول عمليّة وممكنة لمعاناتها، كلّ ما فعلته هو التفكير المستمرّ بالآلام نفسها وتضخيمها دون أن تجزّئها وتنظر لها كمشكلة بحاجة لحلول.

علمًا أن معظم المرضى ومقدّمي الرعاية الصّحيّة يكرّرون الخطأ ذاته، ويجهلون أنّ التحرّر من المعتقدات السلبيّة والتفكير الخاطئ تجاه مشكلتهم أو معاناتهم، جزءٌ أساس في سبيل الخلاص من الآلام المزمنة.

ومالم تدركه تلك المريضة، أنّ سبب معاناتها لم يكن الصداع النصفي بالدرجة الأولى، إنما انخراطها ولفترة طويلة جدًا بالتقييم الخاطئ والسلبي لما تعانيه، حيث استمرّ عقلها بتوليد لغة خاطئة للتقييم، يحاكي ويشرح من خلالها أحداث وتجارب الحياة، واستمرّت هي بتصديقها والتعامل معها كما لو أنها صحيحة.

ولعلّ معظمنا يصطدم في هذه العقبة، عندما ننظر لبعض الأفكار باعتبارها صحيحةً بشكل مطلق أو خاطئة بشكل مطلق، حينها، تُشلّ قدرتنا على الوقوف والنظر من زاوية موضوعيّة إلى مشكلاتِنا بحجمها الطبيعي.

لماذا نعاني؟

تبني وتنتج أدمغتنا باستمرارٍ شبكاتٍ من الأفكار، والعواطف، والصور، والكلمات والأحداث، وتعدّ هذه القدرة مفيدة للكثيرين.

لنتخيّل معًا أحد المزارعين، يتنبّأ بالصيف الجاف إذا ما لاحظ شحًا في الأمطار خلال الشتاء، مختبرًا تشقّق التربة أثناء الربيع، إضافةً لمتابعته الدائمة للنشرات الجوّية وقراءته للأنماط الإقليميّة، وأسبابها ونتائجها.

فبناءً على تنبّؤه، يتحكّم بماذا وكيف ومتى يزرع أرضه، ويعدّل أنواع البذور وربّما يغيّر كيفيّة عنايته واهتمامِه بالمحاصيل أثناء نموّها، وحصادِها وقطافِها.

إذًا، توقّع الأحداث المستقبليّة، إجراء المقارنات مع ربط السبب بالنتيجة، جعلوا المزارع قادرًا على التكيّف أكثر ومجاراة التحدّيات التي قد تواجهه حياتَه كمزراع.

ألاحظتم دور تفكيرِه البنّاء في حلّ مشكلاتِه وتحديدِ شكل حياته؟

تمامًا كالمزارع، قد يستخدم أحدنا قدرته على التفكير بالتنبؤ والتخطيط، ولكن بأسلوب يجعلُ حياته بائسة وموحشة، كأن يتخيّل نفسه وهو مطرودٌ من وظيفته بعد فشله الذريع في عرضه التقديمي أمام زملائه ومديره، أو أن يتخيّل نفسه وعائلته دون مأوى بسبب عجزه عن دفع الرهن العقاري!

والجدير بالذكر، أنّ قدرتنا في خلق الأفكار والتّنبؤات سواءً مثل المزارع أو الموظّف، ليست دليلًا على كوننا غير صحيين أو محبطين، إنها ببساطة طبيعة عمل الدماغ، أجل، هذا عمل الدماغ الفطريّ، وبالتالي، يقع على عاتقنا أن ننتقي الأفكار المناسبة لنا من بين كلّ ما تولّده أدمغتنا من سلبيّ وإيجابيّ، علينا أن نتمعّن بها كما لو أننا نجيب على سؤال من متعدّد، ننظر جيّدًا قبل أن يقع خيارنا على الإجابة الأكثر صحّة المناسبة للسؤال.

آليّة عمل العقل أثناء التفكير

تبحث عقولنا عن أنماط وعلاقات بين الأشياء لتربط بينها وتفهم الأشياء من حولها، مريضتي الغاضبة أدمنت التفكير الخاطئ ولسنوات، اعتاد عقلها على الربط الخاطئ بين السبب والنتيجة بل وحتى ربط أشياء لا علاقة لها ببعضها بتاتًا، وتقييم حالتها بالشكل الأفضل، وهي اعتادت أيضًا وأصبحت حبيسةً لأفكارها، سلّمت بكلّ ما أخبرها به عقلها ظنًا منها أنّ لا شيء سيتغيّر أبدًا.

والحقيقة، أنّ كيفيّة عمل أذهاننا تولّد أمامنا عواقب حقيقيّة، أوّل هذه العواقب هو تأثير حالتنا الفكريّة على حالتنا الجسدية، بسبب الترابط القويّ بين العقل والجسد، إذ يصاب الجسد بكلّ ما يتوقّعه العقل، فإذا اعتقدت أنك تتألم، يستعدّ جسمك للألم القادم لا محال، وذلك تحت تهديد الأفكار وغزوِها له.

من منّا ينسى قلق جدّاتنا الدائم علينا، تردّد الجدّات دائمًا أننا سنموت من البرد إذ ما خرجنا تحت المطر بدون معطف، هذا تمامًا ما تخبرنا به أفكارنا دائمًا، يتوجّب علينا نحن أن نقدّر هذا الاهتمام لكن دون أن نصدّقه، فنحن لسنا بصدد المصارعة مع حرص جدّاتنا، فلا جدوى لتكذيبنا لهنّ، والمسألة ليست صواب أفكارنا من عدمه، العبرة باختيارنا للأفكار المفيدة من ضمن كلّ الأفكار المتولّدة لدينا، وذلك بكيفيّة الإجابة عن أسئلة مثل: هل ستدفعني هذه الفكرة للأمام أم نحو الهاوية؟ هل هذا خيار يناسب حالتي أم لا؟ وهذه الإجابة هي جوهر الفرق بين الأمل واليأس، بين الإحباط والتقدّم.

وأخيرًا، لنتعلّم كيف نقف ونستمع بكلّ هدوء لصخب أحاديثنا وأفكارنا، أن ننظر إليها بموضوعيّة موقنين أنّنا لسنا انعكاسًا لعقلنا الصاخب، ولسنا امتدادًا لضجيجه، بل نحنّ أسياد القرار بين الأمل أو اليأس، نحن مؤلّفو الأفكار ولسنا ضحاياها.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: ريم علي حاج علي

تويتر: reemahajali

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!