لمَ تعيد لنا الذكريات المحرجة نفس الشعور؟

لمَ تعيد لنا الذكريات المحرجة نفس الشعور؟

31 ديسمبر , 2022

ترجم بواسطة:

Kawthar Jassim

دقق بواسطة:

زينب محمد

لابد أنك مررت بهذا الشيء من قبل- حيث تكون منشغلاً بإنجاز عملك وفجأة تتذكر موقفًا لك في الثانوية عندما قلت شيئًأ لم تكن لتجرؤ على قوله الآن.

أو قبل عدة سنين عندما ارتكبت ذلك الخطأً أمام الناس. فتشعر بالخزي وتتمنى لو تختفي من على وجه الأرض.

لماذا تظهر الذكريات السلبية في رؤسنا فجأة؟ وكيف تعيد لنا الشعور نفسه حتى بعد انتهاء الحدث من مدة طويلة؟

كيف تأتي الذكريات إلى وعينا؟

الاعتقاد السائد أن هنالك طريقتين نتذكر بهما التجارب من ماضينا.

أحدها إرادية وهادفة. مثل محاولتك تذكر ما قمت به بالأمس، أو ما الذي تناولته في يوم السبت الماضي. يتضمن ذلك عملية مدروسة ومُجهدة نسترجع خلالها الذكريات في أذهاننا.

والأخرى لإرادية وعفوية. وهي الذكريات التي “تظهر” في أذهاننا فجأة وتكون محرجة وغير مرغوب بها. لكن كيف تأتي هذه الذكريات؟

جزء من الإجابة يكمن في كيفية ارتباط ذكريانتا مع بعضها البعض. يُعتقد أن تجاربنا السابقة مُمثلة في شبكات متصلة من الخلايا في دماغنا، تسمى الخلايا العصبية.

 وتتواصل هذ الخلايا العصبية في أدمغتنا من خلال روابط فيزيائية من المعلومات المتداخلة في هذه التمثيلات. فمثلاً قد ترتبط بعض الذكريات في نفس نوع السياق (كالشواطئ المختلفة التي زرتها، والمطاعم التي تناولت فيها الطعام)، أو تكون حدثت في نفس الفترات العمرية (في الطفولة أو في مرحلة الثانوية)، أو لها تداخل عاطفي وموضوعي (كالأوقات التي أحببنا فيها أو تجادلنا مع الآخرين.

يمكن للذاكرة أن تُنشط بشكل أولي من خلال محفزات خارجية (مثل الصور، والأصوات، والأطعم والروائح) أو محفزات داخلية (مثل الأفكار، والمشاعر والأحاسيس الجسدية). وبمجرد أن تنشط الخلايا العصبية التي تحتوي على هذه الذكريات، تزيد احتمالية استرجاع الذكريات المرتبطة بها إلى إدراكنا الواعي.

أحد الأمثلة على ذلك هو عندما تمشي  بجوار مخبز، وتشم رائحة الخبز الطازج، لتفكر بشكل تلقائي بالوجبة التي أعددتها لصديقك الأسبوع الماضي، والذي قد يقودك لذكرى حرقك للخبز وملأ المنزل بالدخان.

بالطبع لن يؤدي كل تنشيط للذاكرة إلى ذكرى واعية، وأحيانًا يكون الرابط بين الذكريات مبهمًا لنا.

لماذا تثير الذكريات عواطفنا؟

عندما تتبادر الذكريات إلى أذهاننا، غالبًا ما نشهد ردود فعل عاطفية تجاهها. في الواقع، تميل الذكريات اللاإرادية إلى أن تكون سلبية أكثر من الذكريات الإرادية. ويكون تأثيرها العاطفي أقوى من الذكريات الإيجابية.

الإنسان بطبيعته يكون أكثر اندفاعًا لتجنب النتائج السيئة، والمواقف السيئة، والوصف السيئ لنفسه بدلاً من التركيز على إيجاد الأشياء الجيدة. ويحتمل أن يكون بسبب غريزة البقاء على قيد الحياة: جسديًا وعقليًا واجتماعيًا.

لذا فالذكريات اللاإرادية يمكن أن تجعلنا نشعر بالحزن الشديد والقلق وحتى الخجل من أنفسنا. فمثلاً، قد تشعرنا ذكرى تنطوي على إحراج أو خزي أننا قد فعلنا شيئًا مقيتًا أو سلبيًا بالنسبة للآخرين، أو بطريقة ما خرقنا الأعراف الاجتماعية.

ولهذه المشاعر أهمية فنشعر بها، ونتعلم منها ومن استجاباتنا العاطفية كي نتعامل مع المواقف المستقبلية بشكل مختلف.

هل يحدث هذا الأمر لبعض الناس أكثر من غيرهم؟

غالبًا ما نتذكر ماضينا ونختبر المشاعر المرتبطة به، لكن هذا لا يضايقنا بشكل كبير، وهو أمر جيد. إلا أن بعض الناس يختبر هذا الشعور بشكل أكثر وبإحساس مصاحب أقوى من الغير.

يكمن الجواب في البحث عن ارتباط الذاكرة بالحالة المزاجية؛ حيث نكون أكثر عرضة لإسترجاع ذكريات تتوافق مع مزاجنا الحالي.

ولهذا، إذا كنت تشعر بالحزن، فأنت على الأرجح ستسترجع الذكريات المتعلقة بخيبات الأمل أو الخسارة أو الخزي.

هل تشعر بالقلق أو السوء حيال نفسك؟ من المرجح أن تتذكر الأوقات التي شعرت فيها بالخوف أو عدم اليقين.

وفي بعض حالات الاضطرابات النفسية، كالاكتئاب الحاد، يستعيد الناس غالبًا الذكريات التي تثير المشاعر السلبية، والتي تكون أقوى تأثيرًا نسبيًا، ويعتبرون مشاعر الخزي أو الحزن هذه حقيقة تمثلهم، أي أن المشاعر تصبح واقعًا يعيشونه.

شيئٌ آخر يختبره المصابون بهذه الاضطرابات، وهو اجترار الأفكار، والذي يعني التركيز على تذكر التجارب السابقة السلبية بشكل متكرر وكيف نشعر أو ماهو شعورنا تجاهها.

ظاهريًا، تتمثل عملية الاجترار بمحاولة “معرفة” ما حدث وتعلم شيء ما أو حل المشكلة حتى لا نخوض هذه التجارب مرة أخرى.

ومع كونها فكرة جيدة من الناحية النظرية، إلا اننا عندما نجترّ نصبح عالقين في الماضي ونختبر مجددًا المشاعر السلبية دون فائدة تذكر.

وليس هذا فقط، فهذه الذكريات الموجودة في شبكاتنا العصبية ستصبح أكثر ارتباطًا بالمعلومات الأخرى، ويحتمل أن يتم استدعاؤها لا إراديًا.

هل يمكننا إيقاف المشاعر السلبية؟

الخبر السار هو أن الذكريات قابلة للتكيف بشكل كبير. فعندما نتذكر ذكرى معينة، يمكننا أن نتحدث عنها تفصيليًا ونغير أفكارنا ومشاعرنا وتقييماتنا لها.

ففي عملية تدعى “إعادة الترسيخ”، يمكن إجراء تغييرات بحيث عندما نسترجع ذكرى معينة، تصبح مختلفة عما كانت عليه من قبل ولها تأثير عاطفي مختلف.

على سبيل المثال، قد نتذكر وقتًا شعرنا فيه بالقلق بشأن اختبار أو مقابلة عمل لم تسر جيدًا فنشعر بالحزن أو الخجل.

قد يتضمن التفكير في تلك الذكرى وتفصيلها وإعادة صياغتها تذكر بعض جوانبها التي سارت على ما يرام، وربطها مع فكرة أنك كنت على قدر التحدي بالرغم من صعوبتها، وتذكير نفسك أن شعورك بالقلق أو خيبة الأمل من مشقات الحياة أمر عادي ولا يجعلك شخصًا فاشلاً أو سيئًا.

ومن خلال هذه العملية لإعادة كتابة التجارب بطريقة معقولة ورحيمة بالذات، يمكن تقليل ظهورها في حياتنا وصورتنا الذاتية، ويزيد من رخائنا.

وفيما يتعلق بالتغلب على اجترار الأفكار، فإن إحدى الاستراتيجيات المثبتة هي معرفة وقت حدوثه ومحاولة شد الانتباه إلى شيء آخر نستوعبه ونحس به (مثلاً تحريك يديك أو التركيز على المشاهد أو الأصوات).

يمكن أن يؤدي شد الانتباه هذا إلى قطع التفكير والتركيز بالأشياء السلبية ويجعلك تفعل شيئًا أكثر نفعًا.

عمومًا، يجب تذكر أن دماغنا سيقوم بتذكيرنا بالماضي من حين لآخر، لكن لا داعي لنا أن نضل عالقين به.

المصدر: https://www.sciencealert.com

ترجمة : كوثر جاسم محمد

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!