الخلية العصبية الاصطناعية البولاريتونية: خطوة جديدة نحو نظام فوتوني يحاكي عمل الدماغ البشري

الخلية العصبية الاصطناعية البولاريتونية: خطوة جديدة نحو نظام فوتوني يحاكي عمل الدماغ البشري

28 ديسمبر , 2022

ترجم بواسطة:

علا علم

دقق بواسطة:

زينب محمد

استخدم علماء من كلية الفيزياء بجامعة وارسو والأكاديمية البولندية للعلوم الفوتونات لإنشاء خلية عصبية، وتعد هي العنصر الأساسي لمعالجة الشبكة العصبية الفوتونية في المستقبل. ونُشرت هذه النتائج في أحدث إصدارات مجلة الليزر والفوتونات (Laser and photonics Review)

تعد الأجهزة العصبية الاصطناعية (الأنظمة التي تحاكي عمل الدماغ البشري) هي مستقبل الذكاء الاصطناعي، حيث إنها تسمح بمعالجة المعلومات بشكل أسرع وأكثر فاعلية.

وأظهرت الأبحاث أن أدمغة الثدييات من أكثر الأنظمة تعقيدًا وكفاءةً في العالم، حيث اكتشف علماء البيولوجيا العصبية أن منطقة واحدة من القشرة الدماغية لقرد الماك قادرة على تحليل وتصنيف الأنماط المرئية في 30 مللي ثانية فقط، ورغم أن الخلايا العصبية في هذه المنطقة ترسل أقل من ثلاث رسائل من النبضات الكهربية خلال هذه العملية؛ إلا أن هذا حدث نتيجة وجود عدد كبير من التشابكات العصبية (الروابط بين الخلايا العصبية) في الشكبة العصبية لقشرة الدماغ لدى قرد الماك.

ويمكننا تشبيه الدماغ البشري بأكثر المعدات قوةً وتعقيدًا، حيث إنه يتكون من 100 مليار خلية عصبية، يخلق كل منها في المتوسط عدة آلاف من التشابكات العصبية مع الخلايا العصبية الأخرى. لتكون في النهاية شبكة عصبية من حوالي 100 ترليون تشابك عصبي، والتي تمكن الدماغ البشري من التعرف على الحركة والاستدلال عليها والتحكم فيها في آنٍ واحدٍ، وهذا يعني أنها تقوم بترليونات العمليات في الثانية الواحدة باستخدام من 20-25 واط من الطاقة فقط.

وبمقارنة الدماغ البشري بالمُعالِجات التقليدية فإن هذه المُعالجات تستخدم عشرات أضعاف الطاقة للتعرف على ألف نوع من الأجسام المختلفة. ويرجع هذا الاختلاف المذهل والأداء الاستثنائي للدماغ البشري إلى عدة أمور منها: الكيمياء الحيوية للخلايا العصبية، وهيكل الاتصالات العصبية، والفيزياء الحيوية للخوارزميات الحسابية العصبية.

وفي عصرنا الحالي يتجه العالم بأكمله إلى زيادة تحصيل المعلومات زيادة مستمرة وفائقة، وهذا يتطلب زيادة القدرة على معالجة المعلومات بشكل أسرع وأكثر شمولاً. ولكن قد لا تلبي أنظمة الحوسبة التقليدية الطلب المتزايد على زيادة قدرة المعالجة مع رفع كفاءة الطاقة في نفس الوقت، لذا نحن بحاجة لحل هذه المشكلة عن طريق استخدام الأجهزة العصبية الاصطناعية التي تحاكي عمل الدماغ البشري، فهي تعد مستقبل الذكاء الاصطناعي حيث إنها تسمح بمعالجة المعلومات بشكل أسرع وأكثر فاعلية في كثير من المهام مثل التعرف على الصور.

اقترح علماء من كلية الفيزياء بجامعة وارسو والأكاديمية البولندية للعلوم استخدام الفوتونات بطريقة تسمح بإنشاء شبكات عصبية، وأكد كرزيستوف تيسزكا (Krzysztof Tyszka) من كلية الفيزياء بجامعة وارسو والمؤلف الأول لهذا العمل أن هذه الأنظمة الفوتونية تضمن الاتصال بسرعة الضوء، وانخفاض الخسائر، بالإضافة لخفض معدل استهلاك الطاقة.

وأضاف العالِم: “تتميز هذه الفوتونات بأنها تنتشر دون فقد في الطاقة، ولكنها تتفاعل بطريقة ضعيفة نسبيًا، لذا من الصعب استخدامها لإجراء عمليات حسابية بطريقة مماثلة للأنظمة الإلكترونية”.

وأوضحت باربرا بيتكا (Barbara pietka) من مختبر بولاريتون في كلية الفيزياء بجامعة وارسو: “في دراستنا نقترح حلاً تتفاعل فيه الفوتونات تفاعلاً قويًا مع الجسيمات ذات الكتلة المنخفضة جدًا، وتُعرف  بالإكسيتونات”.

يحدث هذا التفاعل حينما تكون الفوتونات والإكسيتونات محاصرة معًا فيما يعرف بالتجاويف الضوئية الدقيقة، التي بدورها تفرض تبادلأً متكررًا للطاقة بينهما، وهذا التفاعل دائم ومستمر لدرجة جعلت علماء الفيزياء يسمونه بشبه الجسيم، ويشار إليه بقطع البولاريتون (أو بولاريتون للاختصار).

تتمتع البولاريتونات بخصائص فريدة، خاصةً في ظل الظروف المناسبة، حيث إنها تُظهر تحولاً طوريًا يعرف بمكثف بوز-آينشتاين، حيث لا يمكن تمييز البولاريتونات المتعددة الحرة في هذه الحالة كما كان في السابق في الظروف العادية.

وذكرت مجدلينا فرمان (Magdalena furman) طالبة الدكتوراه المشاركة في البحث في مختبر بولاريتون في كلية الفيزياء جامعة وارسو موضحةً: “استنادًا إلى تجربتنا الأخيرة، اكتشفنا أنه عند تحفيز البولاريتونات بنبضات من الليزر، فإنها تصدر نبضات ضوئية بطريقة تماثل عمل الخلية العصبية البشرية، ويرتبط هذا التأثير ارتباطًا مباشرًا بظاهرة مكثف بوز-آينشتاين التي تُثبط أو تُعزز انبعاث النبضات”.  

أضاف أندرزج أوبالا (Andrzej Opala) -من معهد الفيزياء التابع لأكاديمية العلوم البولندية- الذي طور مع مايكل ماتوزيسكي (Michal Matuszewski) الأسس النظرية التي تجمع بين خواص البولاريتونات ونموذج LIF للخلايا العصبية (المتسرب الكامل- و- نموذج الاشتعال)، وأضاف أن العمل قائم حاليًا لحل مشكلة التوسع، بمعنى: ربط العديد من الخلايا العصبية في شبكة واحدة.

وأوضح الباحث: “نقترح استخدام نموذج حسابي جديد يعتمد على تشفير المعلومات بنبضات تطلق إشارة حينما تصل للخلية العصبية على التوالي وفي الوقت المناسب”.

حاليًا، تتكون هذه الشبكات العصبية الاصطناعية من طبقات من الخلايا العصبية المترابطة التي تنشر النبضات العصبية بناءً علي الأهمية الخاصة بكل اتصال (في الوصف الحسابي نشير إلى “الأوزان” )، ووُصف في مجلة الليزر والفوتونات Laser and Photonics Review تقنية أخرى يُفترض فيه أن الخلايا العصبية في الشبكة العصبية الضوئية تُثار (أي تصبح نشطة) عندما تستجب لسلسلة من النبضات التي تختلف في شدتها وفي الفواصل الزمنية لديها.

وكما هوالحال في الخلية العصبية البيولوجية التي تُثار بالنبضات الكهربية، تطلق الخلية العصبية الاصطناعية إشارات إذا تخطت شدة النبضات التي تُثيرها مستوي معين. لذا يمكننا القول أن هذه البولاريتونات تحاكي عمل الشبكة العصبية البيولوجية لأنها تُثار فقط عندما تتعرض لعدد معين من الفوتونات بشدة معينة لتتحول لمكثف بوز-آينشتاين، ومن ثم انبعاث وميض قصير النطاق من البيكوثانية وهو يعد إشارة للعصبون التالي.

الأهم من ذلك أن العينة التي استخدمها العلماء لاحتجاز الفوتونات ومراقبة تكاثف بولاريتون الإكستون، صُنعت في الموقع بكلية الفيزياء بجامعة وارسو في مجموعة وجيسيش باكيوسكي (Wojciech Pacuski) حيث قام العلماء بترتيب ذرات أنواع مختلفة من بلورات أشباه الموصلات طبقة تلو الأخرى من خلال شعاع جزيئي لتكون خلية عصبية ضوئية نموذجية، وكانت درجة الحرارة المطلوبة هي 4 كلفن للوصول إلى حالة مكثف بوز-آينشتاين.

يقول جاسيك سزكزتكو (Jacek Szczytko) من كلية الفيزياء بجامعة وارسو: “هدفُنا الأساسي هو نقل التجربة من الظروف شديدة البرودة إلى درجة حرارة الغرفة”.

 وأضاف: “يتطلب البحث مواد جديدة ستعمل على الوصول لحالة مكثف بوز-آينشتاين  في درجات الحرارة العالية أيضًا”.

ولكي تُحقق الخلايا العصبية الاتصال المطلوب يجب أن تكون قادرة على إرسال الإشارات في نفس الاتجاه لبعضها البعض بكفاءة، وبذلك يمكن تغيير مخطط الاتصال بينهما بسهولة عندما يتطلب ذلك”.

وخلص كرزيستوف تيسزكا (Krzysztof tyszka) إلى أن العلماء لايزالون يواجهون تحديات جديدة خلال أبحاثهم في النظم العصبية، ويمكن استخدام فكرتهم الجديدة لإعادة عمل اتصال من الخلايا العصبية البيولوجية في المجال البصري لإنشاء شبكة، ومن ثم جهاز عصبي متكامل تُرسل من خلاله المعلومات بأوامر أسرع وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة مقارنةً بالحلول الحالية.

المصدر: https://phys.org

ترجمة: علا علم إبراهيم الدسوقي

فيسبوك: dentist.ola2010

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!