crossorigin="anonymous">
30 نوفمبر , 2022
يُهمِل كثيرون من أصحاب المناصِب المرموقة والمتحدّثين، أهميّة وارتباط الصوتِ في أدائهم المهنيّ أو الاجتماعيّ، متجاهلين كونَه جانبٌ جوهريّ لابد من مراقبَته وتحسينه باستمرار للوصول إلى أهدافهم المنشودة، لاسيّما أنهم يترأّسون مناصِب استراتيجيّة حساسة، يسعون دائمًا في الحفاظ عليها.
ولعلّ السبب الكامنَ وراء إهمال أهميّة الصوتِ -كما يشتكي معظمُنا- أنّ لا أحدَ يرى صوتَه مُحبّبًا وجذّابًا، وسرعان ما يخفِضه إذ ما سمعه في أحد التسجيلات أو ما شابه، مما يجعل قلّة قليلةً من القادة تُحسن استثمار صوتِها وتقدّر أهمّيته بالمواظبةِ على تحسينِه بانتظام، كأن يخضعوا لجلساتِ تدريب على إلقاء الخطابات أمام مختصّين بشكل دوريّ.
من جهتها، تؤكّد الأبحاث على ضرورةِ اكتسابِ مهارات التحكم بنبرات الصوت عند المتحدّثين، ودرجةِ أهمّيتها بالنسبة إليهم في حياتهم العمليّة أمام الجماهير المحتشدة أو في غرف الاجتماعات -وما أكثرها- فهي ما يحدّد نجاح الخطابِ أو فشلِه الذريع.
ولكم أن تستحضروا مشهدًا لسياسيّ يجيدُ استخدامَ نبراتِ صوتِه ببراعة منقطعة النظير، يستحوِذُ خطابه على إعجاب الجميع بمن فيهم معارضيه، على عكس آخرٍ، من يصيبُ صوتَه نعاس المستمعين والحضور بانخفاضِه المقيت، أو ضجرهم بصخبِه المزعج!
والآن، هل رأيتم الفارق؟.. هذا تمامًا ما أشارت إليه الأبحاثُ أعلاه.
اتّخذت هذه الأبحاثُ من تسجيلاتِ حملات الانتخابات الرئاسيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة عام 1992 موضعَ دراسةٍ لها، راقبت خلالها نبرات أصواتِ المرشّحين في خطاباتِهم.
ولمّا كانت المنافسة محتدمةً بين المرشّحَين جورج دبليو بوش وبيل كلينتون، توصّلَت هذه الأبحاثُ، أن الفائز “بيل كلينتون” كان متمتّعًا بنبرةِ صوتٍ هادئة تعكس مدى صلابَتَه، ووقاره وثقته بنفسِه، بعيدةً كلّ البعدِ عن الصخبِ أو الارتفاع المزعج.
ويبدو، أنّ ما توصّلت إليه الأبحاث، كان كافيًا لجعلِ فريق حملة جورج بوش، يعمل على إقناعِه بالتخفيف من حدّة صوتِه المرفع والصاخب، مقارنةً بمنافِسه الشرس كلينتون.
وبالفعل، حاول بوش -تحت ضغط الإقناع والممارسة- أن يخفض من علوّ صوتِه، حتى أصبح أجشّ الصوتِ أثناء خطاباتِه، أي يتحدّث بصوتٍ مبحوح، بهدف الوصول للنبرة المطلوبة.
ولن نذهب بعيدًا عن الشخصيات السياسية الأشهر عالميًا، إليكم أيضًا رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة “مارغريت تاتشر” التي استغلّت نبرة صوتِها في التأثير بجماهيرها، متفوقةً بذلك على بوش، خاصةً، أنها تدرك تمامًا كم هو مهمّ عند ناخبيها في بريطانيا أن يقتنعوا بخطابِ المُرشّح لكي يقدموا على انتخابِه، لذلك كانت تولي أهميةً عظيمةً في تطوير أدائها الصوتيّ.
وبذلك، نرى أنّ تحسين الأداء الصوتيّ أمرٌ في غايةِ الأهميّة، يجبُ أن نعمل على تطويرِه باستمرار، وحبّذا لو كان هذا تحت إشرافِ ومراقبةِ خبراءَ ومتخصصّين في علوم الصوتِ، عن طريق تقديمهم ملاحظات وتقييمهم لتطوّر الأداء.
إذًا، نبرةُ الصوتِ عاملٌ مهمّ جدًا في الإقناع والتعبير عمّا نريدُه، ولكن مع اختيار النبرة المناسبة في الموقف أو المكان الذي يستدعيها، فالعبرة ليست بقوّة النبرةِ فحسب، إنّما بتناسبها وتأثيرها أيضًا.
حيث تعكِس طبقةُ الصوتِ ودرجتُه، مستوى ثقة المتحدّث بنفسِه مبرزةً قياديّتَه وتماسُكه، فالحماسُ ليس سبيلًا وحيدًا في كلّ المواقف، نعم، قد ينقذ صاحِبه في خطاباته أحيانًا، أو قد ينفع عند تحذير أحدهم من خطرِ حافلةٍ مسرعة، لكنّه ليس ترياقًا سحريًا يمكّن من الفوز بالحملات الانتخابيّة لوحدِه، لأنّ المناصب المرموقة، تستدعي نبراتٍ عدةَ مثل الهدوء، والرزانة والوقار بجانب الحماس.
استنادًا للخبراء، فإن البشر يستخدمون أصواتَهم للإشارةِ إلى دلائلَ عدةَ منها فرضُ الهيبة، والاحترام والمكانة، ولعلّ الحملات الانتخابيّة أكثر ما يعبّرون به عن ذلك.
كما بيّنت دراسةٌ أجريت عام 2016 – حول اللحظات الأولى للتفاعل والتأثير بين الأشخاص- أن الأشخاص الذين تحدّثوا بنبرة هادئة ومنخفضة، كانوا أكثر تأثيرًا، أهميةً ومكانةً في المجموعة، بخلاف من ارتفعت أصواتهم.
والجيّد في الأمر، أنّه بإمكاننا إحرازُ ذاك التأثير اللطيف، عن طريق الحفاظ على نبرة هادئة ومتّزنة في الثواني الأولى من الحديث أمام الآخرين، دون أن نتوتّر أو نتصبّب عرقًا.
ربّما، كان بإمكانِ بوش الحفاظَ على منصِبه كرئيس، لو أنّه خفّض حدةَ صوتِه في خطاباتِه الحماسيّة مستخدمًا إحدى عبارات الترحيب المُحببة وبصوتٍ هادئ قائلًا:
إنّه لأمر رائع أن نجتمع في تكساس.. اطمئنّوا، كلّ شيء سيكون على ما يرام!
ومن يدري؟ فقد تقعوا بحبّ أصواتِكم تدريجيًا وترونَها جذّابةً إذ ما تحكّمتم بنبرتها وبدأتم الحديث أو الخطاب بعباراتٍ هادئة ومناسبة، حينها لن تقلقوا مجدّدًا من غرفة الاجتماعات وإلقاء الخطابات، خاصّةً إذ ما أتقنتُم فنّ التعامل مع النبرات المختلفة بناءً على الحاجة إليها.
المصدر: https://www.psychologytoday.com
ترجمة: ريم حاج علي
تويتر: reemahajali
مراجعة وتدقيق: زينب محمد
اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية
اترك تعليقاً