هل مرضى الاكتئاب أكثر واقعية؟ دراسة حديثة تشكك!

هل مرضى الاكتئاب أكثر واقعية؟ دراسة حديثة تشكك!

11 نوفمبر , 2022

ترجم بواسطة:

أحمد عاطف سالمان

دقق بواسطة:

بلقيس الصالح

هل ينظر مرضى الاكتئاب لمدى قدرتهم على التحكم بحياتهم بصورة أكثر واقعية، بينما ينظر الآخرون للحياة بعدسات وردية، غارقين في أوهام السيطرة، متناسين قدراتهم الحقيقية؟

تلك هي الفكرة المؤسسة لنظرية الواقعية الاكتئابية، والتي ذاع صداها في العلم والثقافة المعاصرة لأكثر من أربعة عقود.

والمشكلة كما يتضح في هذا البحث، أنها ليست حقيقية.

يقول دون مور، أستاذ القيادة والتواصل في كلية هاس لإدارة الأعمال جامعة كاليفورنيا والمؤلف المشارك لهذه الدراسة في مجلة كولابرا لعلم النفس: “إنها فكرة مغرية بما فيه الكفاية ليقتنع بها الكثير من الناس، ولكن لا يوجد أدلة حقيقية لدعمها”.
 الخبر الجيد أنه لا يجب عليك أن تكون مكتئبًا لتفهم مقدار سيطرتك على حياتك.

الواقعية الاكتئابية  

ولد مفهوم الواقعية الاكتئابية من دراسة أجريت عام 1979 على مجموعة من الطلاب لبحث مدى قدرتهم على توقع حجم تأثيرهم على إضاءة مصباح الى اللون الأخضر بالضغط على زر.

توصل البحث الأصلي إلى أن قدرة الطلاب المكتئبين على تمييز انعدام سيطرتهم على المصباح كانت أفضل من الطلاب الأصحاء والذين بالغوا في تقدير مدى سيطرتهم.

حاول مور وزملائه تكرار هذه النتائج كجزء من جهد أوسع لاستعادة الثقة في البحث العلمي، خصوصًا تلك الأفكار المتجذرة في بنية المجتمع العلمي والثقافة العامة، حيث يعيد الباحثون النظر في كل المسلمات لدعم أبسط المبادئ العلمية: هل يمكن تكرار البحث واستنتاجاته؟

يقول مور: “لماذا نختبر هذه النظرية بالتحديد؟ لقد غُرست هذه النظرية في العلوم والثقافة بل وحتى الخطط العلاجية للأمراض النفسية، واقتبس البحث الأصلي أكثر من ألفين مرة حسب باحث جوجل العلمي وهذا ما يجعلها غاية في الأهمية”.

يوضح مور الذي يقوم بدراسات حول الثقة المفرطة، وصناعة القرار أن أهم سبب لإعادة هذا البحث هو مدى انتشاره وتقبله في الأوساط العلمية والأدب الشعبي، مما يعني أن الكثير من الناس يضعون النظريات والسياسات بناءً عليه، وإذا كان هذا التأثير زائفًا، إذن يجب علينا توضيح ذلك”. 

تكرار التجربة الأصلية

أجرى مور هذا البحث بمشاركة أستاذة علم النفس بجامعة كاليفورنيا شيري جونسون، والباحثة كارين جاريت وطالبة الدكتوراه أميليا ديف من جامعة ميامي.

درس الباحثون مجموعتين من المشاركين، حيث بلغ عدد المشاركين في المجموعة الأولى 248 مشاركًا، وقد شاركوا من خلال منصة أمازون للتوظيف (Amazon’s Mechanical Turk) وهي خدمة مدفوعة عبر الإنترنت توفر مشاركين بالغين من مختلف الخلفيات. أما المجموعة الثانية فبلغ عددها 134 طالب جامعي، وقد شاركوا مقابل عدد من الساعات المعتمدة. أجاب جميع المشاركين على استبيانات مخصصة لفحص الاكتئاب.

استخدم الباحثون طرقًا أدق وأحدث للقياس، كآلية لقياس التحيز وقاموا بتغيير مقدار التحكم لدى المشاركين أثناء التجربة.

قام المشاركون بمهام مشابهة لتلك التي أجريت في دراسة عام 1979. اختار كل من المشاركين أن يضغط الزر أو ألا يفعل ليضيء المصباح أو يظهر صندوق أسود على مدار 40 جولة، ومن ثم سئلوا جميعًا إذا ما كانوا يعتقدون أن لضغطهم على الزر أو عدمه تأثير على إشعال الضوء؟ وفي نهاية الجولات قيّم المشاركون مدى سيطرته على الضوء.

قُسمت المجموعتان – الطلبة الجامعيين والمجموعة عبر الإنترنت – إلى ثلاثة ظروف تجريبية، اختلف كل ظرف في العلاقة ما بين الزر والاضاءة خلال الأربعين جولة.  

لم يملك المشاركين أي قدرة على التحكم في الإضاءة في الظرف الأول والثاني، ولكنهم رأوها تضيء ربع عدد المحاولات في الظرف الأول، وثلاثة أرباع المحاولات في الظرف الثاني، أما في الظرف الثالث كان لديهم بعض التحكم حيث كانوا يرون الضوء ثلاثة أرباع المحاولات بعد الضغط على الزر.

فشل الباحثون في إعادة تكرار نتائج البحث الأصلي، بل أن المجموعة التي قامت بملء الاستبيان عبر الإنترنت والذين يعانون من مراحل متقدمة من الاكتئاب، قد بالغوا في افتراض قدرتهم على السيطرة على الضوء، وهذا تناقض صريح مع الدراسة الأصلية!
يوضح مور قائلاً: “ربما تكون هذه النتائج بسبب اضطرابات القلق وليس الاكتئاب”. وأضاف أن هذه الملاحظة ربما تحتاج المزيد من الدراسة.

وجد الباحثون أن في مجموعة الطلبة الجامعيين، كان لمستويات الاكتئاب تأثير ضئيل على فكرتهم عن مدى سيطرتهم على الضوء.


اختبر الباحث أيضًا فرط الثقة، حيث سُئل الجميع أن يخمنوا مستويات ذكائهم ولم يجد تأثيرًا للاكتئاب على الإجابات أيضًا.

النتائج تهدم النظرية

أشار مور أن النتائج أضعفت إيمانه في الواقعية الاكتئابية، وأن هذه الدراسة لا تقترح أن هناك فوائد للإصابة بالاكتئاب، لذلك لا يجب أن نرى في الاكتئاب حلاً للانحياز المعرفي.

ويتابع: “تخيل، على سبيل المثال، أحد المديرين المقتنعين بهذه الدراسة، يقوم بتعيين العامل المكتئب لأنه واثق بأحكامه وأنه يعلم أن الثقة لن تعميه”.

ثم يستطرد: “في حين أن الاكتئاب لن يحسن من قدرتنا على الحكم على الأمور، إلا أنه تظل مشكلة كيف تقيس مقدار تحكمك بدقة في المواقف المختلفة لها توابعها الأوسع على مدار الحياة”.

ويختتم مور حديثه: “نحن نعبر هذه الحياة بمقدار كبير من الشك في قدرتنا على التحكم، سواء في صحتنا، وفي وزن أجسادنا، وفي صداقتنا، وفي حياتنا المهنية، وحتى في سعادتنا، أي من أفعالنا مهم ومؤثر؟
إن أردنا أن نختار الطريق الصحيح في الحياة، فقد تساعدنا معرفة أي الأشياء يمكننا السيطرة عليه وأي الأشياء لا نستطيع”.

المصدر: https://neurosciencenews.com

ترجمة: أحمد عاطف سالمان

مراجعة وتدقيق: بلقيس الصالح


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!