جهود خفض الوقود الأحفوري أدت إلى مشكلة بيئية أخرى: التلوث الضوئي

جهود خفض الوقود الأحفوري أدت إلى مشكلة بيئية أخرى: التلوث الضوئي

7 نوفمبر , 2022

ترجم بواسطة:

عبير العبيد

دقق بواسطة:

زينب محمد

خفضت لوس أنجلوس في عام 2014 انبعاثاتها بنسبة 43%، ووفرت 9 مليون دولار من تكلفة الطاقة، حين غيرت نصف مصابيح شوارع المدينة بمصابيح من نوع الثنائيات الباعثة للضوء.

فاز بجائزة نوبل للفيزياء في نفس السنة ثلاثة علماء ساهموا في صناعة مصابيح ليد (LED). كما صرّحت لجنة جائزة نوبل وقت إعلان الفائزين قائلةً: “نظرًا لأن ربع الكهرباء المستهلكة في العالم تستخدم للإضاءة، تساهم مصابيح ليد في توفير موارد كوكب الأرض”.

إن أغلب مصادر الإضاءة الصناعية ولأكثر من قرن فيها قدر من هدر الطاقة الحرارية. تعتبر ليد أكثر فعالية، إذ لا تتطلب إلا 25% من الطاقة المستهلكة لمصباح ساطع. بلغت مبيعات ليد 51% بالمئة من نسبة مبيعات الإضاءة في العالم بحلول عام 2020، وقد كانت 1% فقط في عام 2010، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة (IEA)، وهي منظمة دولية حكومية تحلل بيانات الطاقة العالمية.

وهذا على ما يبدو ظفر بارز للبيئة، لكن راسكن هارتلي يرى الجانب الآخر من المسألة. إذ يقول: “إن السعي وراء مصابيح فعالة تمت على حساب زيادة سريعة في تلوث الضوء”.

والعلم عند هارتلي. فهو المدير التنفيذي للجمعية الدولية للسماء المظلمة (IDA)، وأحد الأشخاص الذين أفادو بإن السماء المظلمة من الموارد الطبيعية التي تقدر بأقل من قيمتها، ولا تحظى بتقدير، وخسارتها له تبعات ضارة على الحياة الفطرية وصحة الإنسان.

ومع هذا، لا يزال ترحيب العامة بليد يزداد، فيتسرب الكثير من الضوء إلى السماء ويضيع بدون أن يستفيد منه أحد.

يقول هارتلي: “لقد وفّرنا الكثير من الطاقة، ثم أوجدنا مشكلات بديلة”. وهذا مثال متوقع لمفارقة جيفونز، إذ ترى المفارقة أن تحقيق الكفاءة (مثل تحسين عدد الأميال التي يقطعها الوقود)، يقابلها زيادة في الاستهلاك (زيادة في قيادة الناس غالبًا).

خلاصة القول، كما يقول هارتلي وآخرين بأننا قايضنا نوعًا من التلوث بآخر.

وهذه ليست هي المشكلة فقط، حيث قامت ليد باستبدال طابعها الأساسي لتصنع المزيد من وسائل الإضاءة.

يقول روبيرت ميدو، وهو عالم في إدارة الأصوات الطبيعية والسماء المظلمة التابعة لدائرة المتنزهات الوطنية (NPS): “يُنتج الضوء من مصابيح متوهجة باللون اللبني الدافئ أو درجات الأصفر، وهي متناغمة أكثر مع لون ضوء النار، الضوء الوحيد الذي نعرفه باستثناء ضياء النجم. في المقابل تمامًا، ينبعث من ليد ضوء أكثر برودة بدرجات من الأبيض المزرق، تزيد من التلوث الضوئي لنفس السبب وهو أن السماء زرقاء”.

يحتوي ضوء الشمس على طيف كامل من الألوان. لذا تعتبر جزئيات الهواء هي المقاس الصحيح لتشتيت الأطوال الموجية الزرقاء الأقصر بفعالية أكثر من غيرها. وهذا هو السبب وراء انتشار الضوء الأزرق بسهولة في الجو مما يمنح السماء في النهار ألوانها المعتادة.

وبعد غروب الشمس، يحصل نفس الشيء مع أضواء ليد التي تتسرب بلا فائدة إلى السماء، فتنتشر لنطاق أوسع وتزيد وهج السماء، أي البريق المتشكل في سماء المدن.

يُقدر ترافيس لونجور، عالم البيئة الحضرية في جامعة كاليفورنيا (UCLA) أن الضوء الصناعي في سماء لوس أنجلوس يسبب زيادة في التوهج، وأن السماء مضيئة أكثر بمرة ونصف من الضوء الصادر من القمر المكتمل. تتأثر كل المخلوقات من الأضواء في البيئة، وخصوصًا تلك التي لا تجد وسيلة تعتيم لتنام بعمق.

ويضيف لونجور: “يوجد الكثير من الكائنات التي لا تستطيع الخروج للبحث عن الغذاء حين يكتمل القمر وتضاء البسيطة، لأنها تعرف أنها ستكون فريسة للضواري”.

تطير 80% من أنواع الطيور المهاجرة الأمريكية الشمالية خلال الليل، لكن ضوء المدن يربكها، وفقاً لجمعية أودبن الوطنية. حتى الكائنات المستقرة في أماكنها اضطرت لتتوطن في أماكن أخرى.

وجدت دراسة حديثة بقيادة لونجور أن طيور الزقزاق الثلجي الغربي، وهو من الكائنات الساحلية المهددة بالانقراض، تبحث عن أماكن آمنة لإعشاشها في مناطق مظلمة في خليج سانتا مونيكا، في حين أن أغلب مواقف السيارات الفارغة مضاءة بمصابيح كاشفة طوال الليل.

يعتمد وجود الكائنات البرية على تنوع العالم الطبيعي بما في ذلك النهار والليل، والفصول، ودورة القمر. لذا يرى لونجور أن سلب هذه الكائنات ما يعتمدون عليه، يعني حتمًا تنفير الكائنات من مساكنها الطبيعية.

وكمثال، الثعابين نشطة لاصطياد فريستها خلال ليالي المحاق، وهي أول أيام الشهر حيث ينعدم ضوء القمر وتطغى العتمة. ويعزى اختفاء ثعابين كالفورنيا اللامعة، والثعابين طويلة الأنف في مقاطعة أورانج، كاليفورنيا رئيسيًا إلى زيادة الإضاءة المحيطة.

والبشر كذلك معرضين لخطر التلوث الضوئي. فالضوء الصناعي يمنع إنتاج الميلاتونين، وهو الهرمون الذي ينظم دورة النوم. ويرتبط اضطراب دورة النوم بمجموعة من المشكلات الصحية.    حذرت الجمعية الطبية الأمريكية في عام 2016 من أن أضواء ليد الزرقاء المشبعة عالية الكثافة “مرتبطة بانخفاض وقت النوم، والنعاس المفرط، وضعف الأداء الوظيفي نهارًا، والسمنة”.

ووصف لونجور أول مصابيح ليد بلونها الأبيض المزرق المتوفرة بسهولة “بحدث تاريخي”. وإن وفرت ليد مصابيح بأضواء دافئة وبنفس مستوى الفعالية، لكن الألوان الأصلية لا يزال لها شعبية بين المستهلكين الذين يفضلونها لمحاكتها للون النهار.

لا يعتبر التلوث الضوئي بسبب الأضواء في السماء ظاهرة محلية. حتى الأماكن التي تبعد أميالاً عن المراكز الحظرية لا يمكنها تفادي آثارها. يقول ميدو: “يمكنك رؤية لوس أنجلوس مساءً من وادي الموت”.

ويعزو هارتلي السبب وراء تزايد مشكلة التلوث الضوئي إلى أن الناس أصلاً لا يدركون أنها مشكلة، مضيفًا: “لا أظن أن هناك أي أحد يتعمد تلويث الهواء، لكن حين نستخدم الضوء لنضيء محيطنا لدواعي الأمن فيوجد افتراض بأن القليل من الضوء جيد لكن المزيد أفضل”.

أما الجانب الإيجابي لهذا النوع من التلوث، على عكس غيره من التلوث الناتج عن الكيماويات أو البلاستيك، هي إمكانية الرجوع عنه. إذا يمكنك ببساطة إطفاء الضوء وستصبح السماء حولك مظلمة.

يقول هارتلي: “هذا الحل لا يعني إغراقنا في ظلام العصور الوسطى”. ومن الحلول أيضًا التفكير العميق بالغرض من كل مصباح يركب، لنتأكد من أن الضوء موجود في المكان المخصص، وتشغيله فقط حين نحتاجه.

سنّت المكسيك، وفرنسا، وكرواتيا قوانينًا لتلوث الضوء. فمنذ عام 2013، فرضت فرنسا على المتاجر والمكاتب إغلاق الأضواء بعد الساعة 1 صباحًا.

وهناك قوانين مسجلة رسميًا لمنع التلوث الضوئي في تسعة عشر ولاية، وفي مقاطعة كولومبيا، ومقاطعة بورتوريكو. تشترط أريزونا، وهي ولاية مشهورة بعدة تلسكوبات ضخمة، تغطية المصابيح الخارجية بواقِ يمنع امتداد الضوء إلى السماء. وفُرض في مناطق ساحلية في فلوريدا مصابيح منخفضة القدرة صفراء، بلون الكهرمان تقريبًا، والذي لن يجذب صغار السلاحف بعيدًا عن أمان محيط المكسيك.

لا يوجد قوانين مشابهه في كاليفورنيا، لكن عضو جمعية ولاية كاليفورنيا أليكس لي اقترح قانونًا سيفرضُ مصابيح بألوان دافئة، وتغطية كل المصابيح الخارجية في المباني الحكومية للولاية، وأن تكون بدرجة خافتة، أو تُغلق خلال المساء. ويمكن أن تعمل المصابيح في حال تفعيل مستشعر الحركة. وقد أجاز مجلسي الهيئة التشريعية القانون وهو الآن يعتمد على حاكم الولاية غافين نيوسوم لتوقيع إقراره.

لا يعالج القانون الأسباب الرئيسية للتلوث الضوئي، بما أنه يقتصر على ممتلكات الولاية، ومن هذه الأسباب الأضواء الكاشفة للملاعب، ومصابيح المصانع، ومصابيح الشوارع، ومصابيح المساكن الخارجية.

لا يزال لونجور يراها “مثل أول خطوات الطفل التي يجب أن يخطوها”، ويقول إن البداية من الحكومة ستكون مثلاً سيسير على حذوه الناس، وسيعرفون المزيد عن أهمية هذه المسألة.

المصدر: https://phys.org

ترجمة: عبير العبيد

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!