إلى أي حد يؤثر شقيقك أو شقيقتك على تشكّل هويّتك؟

إلى أي حد يؤثر شقيقك أو شقيقتك على تشكّل هويّتك؟

7 نوفمبر , 2022

ترجم بواسطة:

أنس غطوس

دقق بواسطة:

زينب محمد

دراسة جديدة حول الفروقات بين الإخوة، والتعلّم الاجتماعي.

النقاط الرئيسية

  • تتشكل شخصيّاتنا من مزيج مركّب من الجينات والبيئة.
  • أُجريت دراسة جديدة واسعة النطاق لتحرّي تأثير جنس شقيق(ت)ك على شخصيتك.
  • لم يجد الباحثون أي دليل قويّ على أن شخصية المرء تتأثر بجنس أقرب شقيق(ة) له.

كما لا يخفى على أي طالب بالسنة الأولى في علم النفس، فإن شخصيّاتنا تتشكّل بناءً على مزيج مركّب ومعقّد من أسباب جينية/موروثة وكذا من محيطنا/بيئتنا. ومن بين هذه الأسباب البيئية التي لا حصر لها، والتي تؤثر على شخصياتنا، يبرز عنصر لطالما شغل بال الباحثين والعامة على حد سواء: أشقاؤنا.

يمكن القول إن هناك الكثير من النظريات غير الرسمية حول تأثير الأشقاء (أو غيابهم) على سمات شخصية الفرد. هل الطفل الذي ينشأ وحيدًا أكثر أنانية؟ هل يعيش الطفل الأوسط متجاهَلًا لصالح باقي أشقائه وشقيقاته؟

لقد ظهرت دراسة جديدة منشورة على مجلة سايكولوجيكال ساينس (Psychological Science) تتحرّى عاملًا محدّدًا: جنس الأخ/الأخت. بعبارةٍ أخرى، هل ستكون شخصًا مختلفًا لو كبرت مع شقيقة عوض شقيق (أو العكس)؟ وقد أشارت نتائج هذه الدراسة واسعة النطاق إلى الجواب الآتي: “لن يكون التأثير كبيرًا”.

يَسهُل فهم ميل الأشخاص إلى الاعتقاد بأن لأشقائنا تأثير كبير على هويتنا أو شخصيتنا. فنحن في الغالب نمضي وقتا طويلًا برفقتهم، ويكون ذلك خلال فترة طفولتنا، حين تكون شخصيّاتنا متقلّبة وسهلة التأثّر. وقد وضع الباحثون في هذه الدراسة في اعتبارهم طريقتين محتملتين حيث يؤثر تشابه جنسك مع جنس شقيقـ(ت)ـك على شخصيتك.

أولى هاتين الطريقتين هي نظرية التعلم الاجتماعي (Social Learning Theory). ببساطة، تركز هذه النظرية على الكيفيّة التي نقلّد أو نُقَولِب بها سلوكنا بناءً على سلوكيات المقرّبين منا. إذا كانت لك أخت تحبّ اللّعب بالدّمى، فستكون/ين أكثر ميلًا للّعب بالدّمى أنت أيضًا – بغضّ النظر عن جنسك – والأمر ذاته ينطبق إذا كان لك أخ يلعب بطريقة عنيفة – مجددًا، بغض النظر عن جنسك.

وتقودنا هذه النظرية إلى توقّع أن يكون للفتاة التي نشأت مع إخوة ذكور سلوك “غير تقليديّ”، حين يتعلّق الأمر بالسّلوكيات الجندرية المتعارف عليها (لكل من الفتيات والفتيان) في المجتمع. ويمكن التنبّؤ بالأمر ذاته فيما يخص الولد الذي نشأ وسط أخوات إناث فقط. الأمر منطقيّ، أليس كذلك؟

لكن يمكننا بسهولة تامة رواية القصة ذاتها بنهاية مناقضة للأولى؛ إذ تقترح نظرية التّمايز بين الأشقاء (The theory of sibling differentiation) أن الشعور بالمنافسة يدفع الأشقّاء إلى تمييز أنفسهم عن إخوانهم وأخواتهم. حسب هذه النظرية، فإن الولد الذي ينشأ مع أخت قد تكون شخصيّته مطبوعة بسمات أنثوية أقل (السّمات التي يعمّمها المجتمع على أنها كذلك)، والعكس صحيح بالنسبة للبنت التي تنشأ مع أخ. فإذا كنت تريد تمييز نفسك عن شقيقـ(ت)ـك، فسترفض كل صفاته(ا) واهتماماته(ا) وتوجّه نفسك صوبَ الاتجاه المعاكس.

إذن، أي النظريّتَين أصَحُّ؟

في الحقيقة، كانت الأدلة ملتبِسة ومتداخلة، فحينًا تدعم هذه النظرية، وحينًا آخر تنتصر للأخرى. في هذا الصدد، يقترح مؤلّفو الورقة البحثية سالفة الذّكر سببين رئيسيين لهذه النتائج المتضاربة.

أولًا، كانت العيّنات التي أجريت عليها التجارب السابقة في الغالب صغيرةً للغاية أو غير متنوعةٍ كفاية حتى تتيح الوصول إلى نتائج مهمة. ثانيًا، لجأ الباحثون – في الدّراساتِ السّابقةِ – إلى شتّى أنواع الأسئلة بغرض قياس التأثير السيكولوجي المحتمل للأشقّاء على شخصية الفرد. وقد شملت تلك المقاييس مجالًا واسعًا: من الأسئلة المتعلقة بالاهتمامات (هل تفضل(ين) الصّيد أو الأعمال اليدوية؟) مرورًا بالوضع المادي/الاقتصادي (مثل السؤال عن الأجور أو الإنجازات المهنية) وصولًا إلى التركيز على السّمات التقليدية للشخصية (مثل الانفتاح Extraversion والوِفاق Agreebaleness). 

وقد جمع الباحثون بهذا المشروع الحديث معطياتٍ صادرة عن 12 استبيانًا شمِل عيّناتٍ نموذجيّة (ممثِّلة) من 9 دول مختلفة، شارك فيها ما مجموعه 85 ألف فرد تتراوح أعمارهم بين 10 و60 سنة. فيما يخصّ العلاقة بين الإخوة، استبعد الباحثون الحالات التي كان فيها فارق السنّ أقل من 9 أشهر (حالات التوائم مثلاً)، والحالات التي كان فيها الفارق أكثر من 6 سنوات. بالإضافة إلى ذلك، لم يشترط البحث أن يكونوا أشقاء، حيث إن الدراسة شملت أيضًا الأخوة والأخوات بالتّبني.

   وقد ركّز الباحثون على العديد من أهم سمات الشّخصيّة التي يتم قياسها، وتشمل هذه الأخيرة: عناصر الشخصية الخمسة (الانفتاح على التجارب، يقظة الضّمير، الانطوائية، اللّطافة، والعُصابيّة) بالإضافة إلى القدرة على تحمل المخاطرة، الثقة، الصبر، والاستعداد لإلقاء اللّوم على الغير والعوامل الخارجية. من أجل معاينة “نموذجية الجندرية” (أي ميل الفرد للتصرّف وفق طرق يربطها المجتمع بجنسه: ذكر أو أنثى)، وضع الباحثون فهرسًا يجمع نتائج اختبارات قياس الشخصية التي أظهرت أكبر الاختلافات بين الرجال والنساء.

لا يمكن للباحثين إجراء تجربة حقيقيّة على تأثير جنس الأخ أو الأخت على الفرد. في النهاية، لن يكون أخلاقيًّا ولا ممكنًا أن يقوموا بطريقة عشوائية بتعيين أخ أو أخت لأشخاصٍ بغرض دراستهم. بغرض الحصول على أقرب تصميم تجريبيّ ممكن، قرر الباحثون التركيز على أقرب أصغر أخ أو أخت للمشاركين.

خلصوا إلى أن الناس حين يقررون إنجاب طفل جديد، فإن اختيار جنس المولود، في كلّ الحالات تقريبًا، يكون عشوائيًا. وقد مكّنت هذه المقاربة الباحثين من البحث فيما إذا كانت الأشخاص الذين لهم أخت صغرى وهي الأقرب إليهم سنًّا، يختلفون عن أولئك الذين لهم أخ هو الأقرب إليهم سنًّا. 

وإلامَ خَلُص هؤلاء الباحثون؟ (قرع طبول…)

لا شيء تقريبًا. قاموا بجرد ودراسة المعطيات بطرقٍ شتّى، لكن أيًا من ذلك لم يوفّر أدنى دليل دامغ على أن شخصيّتك تتأثر بجنس أخيك/أختك الأصغر والأقرب إليك سنًا. كما تشير المعطيات كذلك إلى أنه لا يهم ترتيبك بين أشقّائك، عدد إخوتك/أخواتك، ولا فارق السن بينكم. ليس لأي من تلك التفاصيل أي تأثير على شخصيّتك.

في العادة، قد يشعر الباحثون بخيبة أمل نظرًا لأن النتيجة فشلت في دعم أيٍّ من النظريّتين المتصادمتين. لكن في هذه الحالة، فإن الخلوص إلى غياب تأثير جنس الأخ أو الأخت على شخصية الفرد لهو معطى مثير للاهتمام فعلاً. يميل معظم الناس – كما هو شائع – إلى تضخيم تأثير أمور مثل ترتيب الفرد بين إخوته وأخواته، عددهم(ن) أو جنسهم(ن). لكن، في هذه الحالة، فإن دراسة علمية رصينة أشارت إلى أن حدسنا بخصوص تأثير إخوتنا يبدو على الأرجح خاطئًا.

إن سمات شخصيّاتنا تؤثر على نتائجنا الأكاديمية ومسيرتنا المهنية، علاقاتنا المقرّبة، وكذا صحتنا الجسدية والعقلية. لا جرم أن الكثير منّا يتساءلون عن مصدر هذه السّمات. لكن بغض النظر عما إذا كنت تحبّ(ين)، تكره(ين)، أو أنك تتحمّل(ين) هذه التشكيلة من الصفات التي تطبع شخصيّتك، فإن هذا البحث الجديد يقترح بأن جنس أخيك/أختك، في المتوسط، لا يستحقّ اللّوم ولا الثّناء.                              

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: أنس غطوس

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!