العمر أم الجينات: من يقرر كيف نشيب؟

العمر أم الجينات: من يقرر كيف نشيب؟

30 أكتوبر , 2022

ترجم بواسطة:

أحمد عاطف سالمان

دقق بواسطة:

زينب محمد

بين العديد من التخمينات والدراسات حول تأثير الجينات على طريقة تقدمنا في العمر، دراسة من جامعة كاليفورنيا في بيركلي توضح عدم أهمية الفروقات الجينية كلما مر الزمان وكلما أصبحنا عُرضة لأمراض الشيخوخة مثل السرطان والداء السُّكَّري.

في دراسة تقارن بين تأثير الجينات، البيئة، والتقدم في العمر على الطريقة التي يعمل بها ما يقارب العشرين ألف جين، وجد العلماء أن العمر والبيئة المحيطة لهما السلطة الأكبر في تحديد كيف يشيب الإنسان.


وذلك عن طريق تأثيرهم – بالتنشيط أو التثبيط – على الجينات، وهذا التأثير هو المُحدد لكل شئ بداخل الإنسان، بدءً من النشاط الهرموني ومعدل الأيض وحتى نشاط الإنزيمات التي تحافظ على الجسد.

بدأ الدكتور بيتر سودمانت، الأستاذ المساعد لعلوم الأحياء التكاملية في جامعة كاليفورنيا وعضو في مركز دراسات علم الأحياء الحاسوبي حديثه بتساؤل: “كيف لجيناتك – محتواك الوراثي من والدك ووالدتك وتاريخك التطوري – أن تؤثر على ماهيتك، صفاتك الشكلية، وزنك، طولك، ومدى صحة قلبك؟”.

وتابع بقوله: “لقد بُذل مجهود عظيم  في دراسات الجينات البشرية، لنفهم مدى تأثير الاختلافات الجينية بين البشر على كيفية تنشيط أو تثبيط الجينات، وقد بدأ فريقنا العمل بسؤال ‘كيف تتأثر هذه العملية بعمر الفرد؟‘ وأشارت نتائجنا الأولية أن هذه العملية لا تتأثر كلما تقدمنا في السن”.   

بطريقة أخرى، قد تساعدنا التركيبة الجينية الفريدة للشخص في توقع أي من الجينات سيُعبر عنها ولكن فقط في الصِبا، لأن في هذه الدراسة كلما زاد عمر الفرد عن الخامسة والخمسين، زادت صعوبة التوقع.


لنأخذ مثالاً: تؤأمين متطابقين لديهما نفس الجينات ولكن كلما ازدادا في العمر، اختلفت مظاهر التعبير الجيني، أي أنه يمكن لعلامات التقدم في السن أن تختلف حتى في التؤام الواحد.

يقول سودمانت: “تتضح توابع هذه الدراسة عند محاولات العلماء للربط بين الأمراض المصاحبة للشيخوخة مع التنوع الجيني للبشر، مثل هذه المحاولات يجب أن تهمل قليلاً الاختلافات الجينية وتأثيرها على التعبير الجيني عند البحث عن أدوية جديدة”.  

وأضاف: “جميع الأمراض الشائعة تقريبًا سببها الشيخوخة؛ الزهايمر، السرطان، داء السكري، أمراض القلب ومع التقدم في السن يزداد تفشي هذه الأمراض”.

وأردف: “وُجّه مقدار جسيم من الموارد العامة نحو الكشف عن الاختلافات الجينية المسببة لتلك الأمراض. وما يتضح من دراستنا أنه في الواقع كلما تقدمت في العمر تقل أهمية تأثير الجينات، ولذلك يجب علينا أن نضع هذه المعلومة في الحسبان عند البحث عن مسببات أمراض الشيخوخة”.

فرضية ميداوار

تتفق هذه الدراسة مع فرضية ميداوار، والتي تشير إلى أن الجينات المُنَشَطة في الصِبا تخضع للتطور؛ حيث إنها أساسية لكي يعش الإنسان بما يكفي حتى يستطيع التكاثر، بينما الجينات المُنَشَطة في مرحلة الشباب أي المرحلة التي يستطيع فيها الإنسان التكاثر لا تخضع بنفس القوة للتطور، لذلك يمكن أن نتوقع اختلافًا كبيرًا في التعبير عن الجينات مع التقدم في العمر.

أوضح سودمانت: “جميعنا نتقدم في العمر بطرق مختلفة، بينما يتشابه الشباب في أنماط التعبير الجيني، يختلف العجائز بصورة واضحة، الأمر يشبه الانجراف عبر الزمن حيث تصبح الأنماط في غاية التضارب”.

وأضاف: “هذا البحث هو أول من يدرس التقدم في السن والتنوع الجيني عبر هذا الكم الضخم والمتنوع من الأشخاص والأنسجة”.

 قام سودمانت هو وزملائه بعمل نموذج إحصائي لدراسة تأثير الجينات والتقدم في العمر في سبع وعشرون نسيج بشري مختلف استُخلص من أكثر من ألف إنسان، ووجدوا اختلافات شاسعة في تأثير العمر على الأنسجة.

أفاد موضحًا: “إن كمية المادة الوراثية نفسها في جميع الأنسجة، ولا يبدو أن قوة دورها تختلف باختلاف النسيج. ولكن أثر الشيخوخة يختلف بشدة باختلاف النسيج؛ الدم، الشرايين، الأمعاء، المريء، حتى الأنسجة الدهنية. نلاحظ فيهم جميعًا تأثيرًا للتقدم في السن أقوى من تأثير الجينات”.

تفاجئ سودمانت وزملائه أن فرضية ميداوار لم تصمد أمام جميع الأنسجة، بل أنهم وجدوا في العجائز كميات أكبر من الجينات التطورية الهامة في خمسة أنواع من الأنسجة.

حيث قال: “من المنظور التطوري، فإن ذلك غير متوقع بتاتًا أن تنشط هذه الجينات في هذا السن، ولكن عند إلقاء نظرة عن قرب، تجد أن هذه الأنسجة الخمسة هي من أكثر الأنسجة تجددًا في حياة الإنسان وأيضًا أكثرهم إصابة بالسرطان! حيث في كل مرة تتجدد هذه الخلايا هناك مخاطرة حدوث طفرة قد تؤدي الى مرض”.

وتابع بقوله: “أظن أن هذا يخبرنا القليل عن حدود التطور، دمائك – كمثال – يجب أن تستمر في التجدد لكي تستمر في الحياة، ومعها تلك الجينات المحفوظة التي عندما تنشط مع التقدم في العمر تُصبح عرضة للطفرات وعندها تصبح نشطة بصورة دائمة فهذه كارثة لأنها تصبح مُسرطنة. لذلك فهذا يعطينا منظورًا بسيطًا عن حدود الحياة وقدرتنا على الاستمرار”.

أوضح سودمانت أن هذه الدراسة ولو بصورة غير مباشرة توضح تأثير البيئة على التقدم في السن وهذا التأثير يشمل كل شيء عدا العمر والجينات: الهواء الذي نتنفس، مياه الشرب والطعام بل وأيضًا مقدار التمرينات الرياضية.
يُقدر أن ثلث التغير في التعبير عن الجينات مع العمر بسبب البيئة.

يقوم سودمانت بتحليلات مماثلة للتعبير عن الجينات في فصائل أخرى – الفأر والوطواط – ليبحث عن الاختلافات في التعبير ويرى مدى تأثير هذه الاختلافات على أعمارهم.


المصدر: https://medicalxpress.com

ترجمة: أحمد عاطف سالمان

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!