تحرير قوة ذكرياتنا العاطفية

تحرير قوة ذكرياتنا العاطفية

29 أكتوبر , 2022

ترجم بواسطة:

إسراء حسين

دقق بواسطة:

زينب محمد

أثبت علماء الأعصاب أنه يمكننا تقليص أثر الذكرى السلبية بتحفيز أخرى سعيدة.

يغير دماغك الذكريات -عندما ركبت الدراجة لأول مرة أو عند دخولك لحفل التخرج في المرحلة الثانوية- تغييرًا طفيفًا في كل مرة تسترجعها بدون وعي منك؛ فتكاد تكون مصورة بعدسة انستجرام تضيف إليها بعض التفاصيل أو تكتشف ما هو جديد عنها أو تنسى بعضًا منها في كل مرة تحاول تذكرها.

أفصح ستيف راميرز -عالم الأعصاب بجامعة بوسطن- عن أننا نضيف لماضينا دون عمد وبالرغم من اختلاف الذاكرة ذات الفلتر عن الأصلية إلا أنه في الغالب يمكننا معرفة الصورة الأساسية.

وأضاف راميرز -الأستاذ المساعد في علم النفس والدماغ بكلية الآداب والعلوم في جامعة بوسطن- أن الذاكرة هي جزء صغير مصور ومسجل من الماضي جرى ترميمه، ويمكن أن تصبح مرونة الذاكرة الطبيعية نقمة عندما نتذكر تفاصيل مغلوطة ولكنها تكون نعمة أيضًا بسبب طبيعة المخ في تشكيل وتحديث الذكريات لتصبح أقل وطأة خاصةً إذا كانت مخيفة أو صادمة.

ماذا لو استطعنا تسخير مرونة الذاكرة لصالحنا كطريقة لعلاج اضطرابات الصحة النفسية، مثل الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة؟ وهذا بالضبط ما يسعى إليه راميرز وفريقه من الباحثين فبعد سنوات من دراسة الذاكرة عند الفئران لم يكتشفوا مكان الذكريات الإيجابية والسلبية فقط ولكنهم اكتشفوا أيضًا كيفية تقليص أثر السلبية منها بتحفيز صناعي من تلك الجيدة.

قال راميرز إن ما يعتبره فكرة المليون دولار تكمن فيما إذا كان الحل لبعض الاضطرابات النفسية موجود مسبقًا في المخ وماذا لو كانت الذاكرة هي الطريق للوصول لهذا الحل، حيث عرض هو وفريقه في بحثين جديدين قوة ذكرياتنا العاطفية وكيف يمكن لما نعيشه -وطريقة تعاملنا معه- أن يُحدث آثارًا فعلية وملموسة في المخ.

تخطيط الذكريات الإيجابية والسلبية

من أهم خطوات استخدام الذاكرة في علاج الاضطرابات المتعلقة بها هي معرفة مكان الذاكرة الإيجابية والسلبية في المخ وكيفية التمييز بينهما، وتُخزن جميعها في أماكن مختلفة ومتفرقة في المخ بينما توجد الذاكرة الشخصية في شبكة من الخلايا يُطلق عليها الإنجرام، ويهتم معمل راميرز خصيصًا بشبكة الذكريات التي تقع في الحُصين بالمخ الذي يشبه في شكله الكاجو ويُخزِّن الذاكرة الحسية والعاطفية لتكوينها واستعادتها.

نشرت جريدة Nature Communications Biology دراسة حديثة وضح فيها راميرز والباحث المشرف مونيكا شبوكايت وفريق علماء الأعصاب بجامعة بوسطن الاختلاف الجزيئي والجيني الفارق بين الذكريات الإيجابية والسلبية واكتشف تباينهما بشكل ملحوظ على مستويات عدة، واتضح الاختلاف الفيزيائي بين الذاكرة العاطفية بنوعيها وبين بقية خلايا المخ وتميز نوعيها عن بعضهما البعض.

يعتقد راميرز  أنه أمرٌ مثيرٌ للاهتمام أن يكون لكل من الذاكرة الإيجابية والسلبية مكان خاص ومنفصل في المخ.

وجد الباحثون أن خلايا الذكريات الإيجابية والسلبية مختلفة عن بعضها البعض في شتى الجوانب تقريبًا؛ حيث إنها غالبًا ما تُخزَّن في أماكن مختلفة من الحُصين وتتواصل مع الخلايا الأخرى بطرق متفرقة وآلية جزيئية مميزة في كل نوع عن الآخر.

أفصح راميرز عن احتمالية وجود اختلاف جزيئي أساسي بين الذكرى الإيجابية والسلبية في المخ، ولدينا الآن مجموعة من المؤشرات التي تساعدنا في التفريق بين النوعين بداخل الحُصين.

تتوقف إمكانية رؤية الذكريات الإيجابية والسلبية وعَنونتها على استخدام طريقة حديثة في علم الأعصاب وتُدعى علم البصريات الوراثي حيث توهم مستقبلات خلايا المخ للاستجابة للضوء؛ فيُضيء الباحثون شعاع ليزر غير مؤذي في المخ ليُفعل تلك الخلايا التي تحتوي على مستقبلات الضوء ويمكن أيضًا تصنيف الذاكرتين بالألوان عن طريق إدخال بروتين مشع يمكن تحفيزه بالضوء فمثلاً تضيء شبكة الذكريات الإيجابية بالأخضر وعلى النقيض تضيء شبكة الأخرى بالأحمر أو الأزرق.

التحكم في الذكريات السيئة

قبل أن يبدأ الباحثون بعَنونة الذكرى في الفأر، عليهم أولاً  أن يصنعوا واحدة عن طريق جعل الفأر يشعر بإحساس جيد عامةً، مثل قضم قطعة جبنة لذيذة أو تواصله مع فئران آخرين أو أن يشعر بإحساس سيئ مثل تعريضه لصدمة كهربائية متوسطة ولكن مفاجئة، وعند ذلك تتشكل الذاكرة ويجد العلماء شبكة الخلايا التي تحملها وإضاءتها بلون معين.

يستطيع الباحثون استخدام إضاءة الليزر فور رؤيتهم للذكرى لتحفيز تلك الخلايا اصطناعيًا وإعادة صياغة تلك الذكرى السلبية طبقًا لاكتشاف فريق راميرز، وفي دراسة جديدة نشرتها Nature Communications اكتشفوا أن التحفيز الاصطناعي للشعور الإيجابي يعيد صياغة الشعور السيئ بصورة دائمة ويخفض شدة الانفعال الناتج عن الذكرى السيئة.

هيأ الباحثون استعادة الذكرى السلبية للفئران -التي كانت خائفة- وخلال ذلك الوقت أعاد الباحثون تحفيز مجموعة من خلايا الذكريات الإيجابية اصطناعيًا حيث قامت بدور المنافس -وفقًا للجريدة- لتلك السلبية وجددتها مما أدى إلى تقليل رد فعل الخوف وقتها وبعد فترة طويلة من تنشيط الذاكرة، وكانت الدراسة مبنية على أعمال سابقة في معمل راميرز اكتشف من خلالها إمكانية التلاعب بالذكريات الماضية اصطناعيًا.

كان تنشيط الذكرى الإيجابية هي أكثر طريقة فعالة لتجديد تلك السلبية، ولكن اكتشف الفريق أيضًا أنها لم تكن الوحيدة؛ فقد حاولوا أيضًا تنشيط الذكريات المحايدة -بعضها روتينية أو مملة للحيوان- بدلاً من استهداف خلايا الذكرى الإيجابية فقط وحاولوا أيضًا تنشيط الحُصين كاملاً وكانت كلتا المحاولتَين فعالتَين.

قالت ستيفاني جريللا -الباحث الرئيسي وزميل ما بعد الدكتوراه السابق في معمل راميرز التي أنشأت حديثًا معمل لآليات التعديل العصبي والذاكرة بجامعة لويولا: “عند تحفيز خلايا عدة دون التقيد بنوعها فإنه يُحدِث تداخلاً كافيًا يشتت ذاكرة الخوف، حتى وإن كان التحفيز الاصطناعي للذكريات غير ممكنًا في البشر إلا أن نتائجه يمكن تحويلها لتجهيزات سريرية؛ ذلك لأنه يمكنك أن تسأل الإنسان ما إذا كان يتذكر شيئًا سلبيًا أو آخر إيجابيًا في حين أنه لا يمكننا سؤال الفأر”.

تقترح جريللا أنه من الممكن تخطي آثار ذكرى سلبية –مؤثرة على الحالة النفسية للشخص- بالجلوس مع شخص يسترجع الذكرى السيئة ويسترجع واحدة إيجابية فعلية في التوقيت الصحيح وفي بيئة علاجية.

وأوضحت: “نعلم أن الذكريات مرنة، ولكن من أحد الأشياء التي اكتشفناها في الدراسة هي أن توقيت التحفيز حقًا حرج”.

البحث لتغيير قواعد اللعبة

تقترح جريللا أنه يمكننا أخيرًا تحفيز مساحات من الحُصين في الأنواع الأخرى من العلاج المكثف للاكتئاب الحاد واضطراب ما بعد الصدمة عن طريق التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة أو التحفيز العميق للمخ -وهو إجراء جراحي- لمساعدة الناس في التغلب على الاضطرابات المرتبطة بالذاكرة، وأشار راميرز أن كثيرًا من علماء الأعصاب قد بدأوا بتبني العلاجات التجريبية ومنها العقاقير المخدرة وغير المشروعة، فعلى سبيل المثال كشفت دراسة 2021 أن الجرعات المضبوطة من دواء (MDMA) ساعدت في تخفيف أعراض اضطراب ما بعد الصدمة.

صرح راميرز أن: “استخدام بعض أوجه المكافأة والإيجابية لإعادة صياغة الأشياء السلبية التي حدثت في الماضي، وهو مشابه لما نفعله مع القوارض بتحفيز الذكريات الإيجابية، ولكن ما يحدث مع الإنسان هو إعطائه جرعات صغيرة من دواء (MDMA)  لمعرفة ما إذا كانت كافية لتحسين بعض الصدمات النفسية السابقة”.

يشير هذا النوع من التجارب إلى أهمية الاستمرار في اكتشاف طرق التلاعب بالذاكرة السريرية والنافعة ولكن وجب التنويه أنه لا يجب محاولة أيًا منها في المنزل حيث إنها تخضع للإشراف الطبي”.

يتشوق راميرز في الوقت الحالي لرؤية كيف ستتخطى هذه التجارب الحواجز في علم الأعصاب ويأمل أن يرى في تجارب الباحثين أفكار خارج الصندوق التي يمكنها تغيير الطب في المستقبل: “إذا كنا نريد تغيير قواعد اللعبة، فنحن نحتاج لطرق أكثر فاعلية من خيارات العلاج المتاحة حاليًا”.

المصدر: https://www.sciencedaily.com

ترجمة: إسراء حسين

لينكد إن: esraa-hussien-

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!