كيف يمكن للكوارث أن تحفز التواصل البشري؟

كيف يمكن للكوارث أن تحفز التواصل البشري؟

19 أكتوبر , 2022

دقق بواسطة:

زينب محمد

تشعل الكارثة ميولنا الرحيمة – وهي أحد العوامل الخفية للصمود.

في عام 1906 هز زلزال هائل مدينة سان فرانسيسكو، مما أدى إلى تشريد الكثير من السكان. أثناء الهروب من الحطام والحرائق اللاحقة التي انتشرت في جميع أنحاء المدينة، وجد الناس أنفسهم يتواصلون مع بعضهم البعض بطرق لا تصدق، ويتعاونون للإنقاذ والدعم والإطعام وحتى الترفيه والضحك مع بعضهم البعض. شعر البعض منهم في الواقع بفرح شديد؛ لدرجة أنهم يسترجعون ذكرى هذه الكارثة بشغف حقيقي.

 اكتشفت المؤرخة والكاتبة ريبيكا سولنيت في كتابها “الجنة المبنية في الجحيم” هذه القصة وغيرها من القصص المماثلة. تصف سولنيت كيفية إلهام الناس بشكل عام في الروايات التاريخية للأزمات الجماعية للتكاتف معًا والتواصل ومساعدة بعضهم البعض، بدلاً من الاستجابة للفوضى بأنانية أو عنف الغوغاء.

ويصف عالم النفس في جامعة ستانفورد جميل زكي هذه الظاهرة بأنها “التعاطف مع الكارثة”، وهي دافع بشري طبيعي نحو الإيثار عند وقوع الكارثة.


التعاطف الجماعي وجائحة كوفيد – 19

في الأسابيع التي أعقبت إعلان منظمة الصحة العالمية بتصنيف كوفيد – 19 على أنه وباء، ألقي بنا جميعًا في لحظة فوضوية حيث كان التعاطف مع الكارثة تجربة شائعة. ضع عزيزي القارئ في اعتبارك هذه القصة، التي شاركها أحد المشاركين في بحث الدكتور ديف سمولين في كتابه الصادر عام 2020 الذي جمع فيه خبرات الناس في التواصل الهادف خلال ذلك الوقت المضطرب:

“كنت أتبضع سريعَا، وأبذل قصارى جهدي لتقليل الاتصال بالآخرين، بحكم أن والديّ المسنين يعيشون معي وهم معرضون لخطر الإصابة بالفيروس. وصلت إلى الممر الخاص بالمناديل الورقية ولم يبق شيء على الأرفف، فأجهشت بالبكاء بسبب نفاد المخزون.

رأتني امرأة وأخذت في تهدئتي مع الحفاظ على التباعد الاجتماعي. وأخبرتني بعد ذلك بأن أذهب إلى مطعمها بعد انتهائي من التبضع وقالت لي بأنها ستزودني بالمناديل الورقية. وبالفعل، بعد انتهائي من التبضع، ذهبت إلى مطمعها، ورَفضت أن أدفع قيمة المناديل الورقية. فهي رأتني أعاني وفعلت ما بوسعها للتخفيف من ذلك. إن هذا الموقف جعلني سعيدة لبقية يومي، وزاد هذا من إيماني بالبشرية”.

في حين أن مشهد الدموع والدعم الوجداني على المناديل الورقية قد لا يكون شائعًا في الأوقات العادية، ففي تلك الأسابيع الأولى الطارئة والعاطفية للوباء، شارك العديد من الأشخاص قصصًا عن أفعال لطف عالية المستوى نسبيًا، وهي تجارب عززت إحساسهم بالتضامن مع الآخرين.

في حقيقة الأمر، الأشخاص الذين استطلعت آراؤهم ممتنين بشكل عام للفرصة التي سنحت لهم تقديم الدعم لكل من الغرباء والأحباء. ووصف الكثيرون أيضًا رغبتهم الملحة في الحصول على فرصة للتعبير عن تقديرهم للعاملين في الخطوط الأمامية.

لحظات التواصل في بداية الوباء

عندما حلل الدكتور ديف إحساس الناس بكيفية تأثير الوباء على تفاعلاتهم الاجتماعية في تلك الأسابيع الأولى، وجد أن هناك العديد من التجارب المشتركة الفريدة في ذلك الوقت من الأزمة الجماعية.

الشعور بمغزى أكبر للتواصل: وصف الأشخاص الشعور بالتأثر بالتفاعلات الاجتماعية التي عادةً ما تكون أقل أهمية، وأشاروا إلى أنهم لم يأخذوا لحظات من الاتصال كأمر مسلم به – المخاطر المتصورة التي يشكلها الوباء جعلت التواصل مع الآخرين أكثر ضرورة وخصوصية؛ فحتى محادثة مهذبة سريعة أو إلقاء التحية في الشارع يمكن أن تثير شعورًا عميقًا بالتقدير.

كان الناس أكثر حماسًا للتواصل: اختبر الأشخاص توجه أكثر تعاطفًا تجاه الآخرين، ورغبوا بشدة في المساعدة والمشاركة. وشمل ذلك تقديم وتلقي دعم عالِ المستوى، وسعي نحو اتصال أعمق؛ وأفاد الأشخاص أنهم كانوا أكثر انفتاحًا وصراحةً مع الناس في حياتهم، حتى أن البعض تواصل مع الأقارب المبعدين.

عانى الناس من شعور بالصراع المشترك: لقد وفر التعامل مع الوباء المستجد للأشخاص تجربة مشتركة للتواصل. حتى أن بعض الأشخاص وصفوا الوباء بأنه “عدو” مشترك للنضال ضده معًا – وثبت أن العدو المشترك في علم الاجتماع فعال للغاية في توطيد روابط المجموعات الاجتماعية.

في الواقع، يوضح جميل زكي، أستاذ علم النفس بجامعة ستانفورد ومدير مختبر ستانفورد الاجتماعي لعلم الأعصاب أنه عندما يقع حدث صادم في المجتمع، يصبح لكل فرد فجأة هوية مشتركة؛ فهم جميعًا الآن جزء من عائلة الأشخاص الذين يواجهون هذه المحنة بالذات. من المحتمل أيضًا أن يكون لديهم إحساس أكبر بالواقع المشترك، وهو عامل رئيسي في الاتصال البشري.

الدافع للاتصال كميزة للمرونة

 من المهم مراعاة خطط للاستفادة من الدافع الطبيعي للأشخاص للتواصل والمساهمة في التحضير والاستعداد للأحداث الكارثية المحتملة – لأن التواصل الاجتماعي ومساعدة الآخرين يفيدان قدرة الأشخاص على التأقلم وإيجاد المرونة في الأزمات الجماعية.

تساعد لحظات الاتصال جهازنا العصبي على الانتقال من شعور بالإثارة والخوف والتوتر إلى حالات أكثر هدوءً. خاصةً عندما نكون على اتصال مع أولئك الذين طورنا معهم شعورًا بالأمان العاطفي والجسدي. تساعد القدرة على تنظيم أجهزتنا العصبية معًا وسط أزمة مستمرة الناس على معالجة التأثير العاطفي للحدث، والحد من الصدمات النفسية الدائمة.

يوفر دعم الآخرين للناس فرصة للشعور بأن أفعالهم مهمة حتى في المواقف التي تبدو خارجة عن إرادتهم، مما يعزز المرونة مرة أخرى. فعندما تتاح للناس فرصة ممارسة ميولهم الإيثارية، ففي تلك اللحظة، يمكنهم أن يشعروا بالهدف كجزء من الحل بدلاً من الشعور بالعجز في مواجهة الشدائد.

وتصف الكاتبة سولنيت كيف أن جهود الاستجابة الرسمية للكوارث غالبًا ما تفشل في تضمين المجتمعات المتأثرة في عملياتها، وتهميش الأشخاص عن تقديم المساهمات والتواصل مع بعضهم البعض. إلا أن عندما يتم تمكيننا من اللجوء إلى بعضنا البعض، تكون لدينا فرصة لإيجاد النظام وسط الفوضى، ووسط اليأس، وحتى الراحة وسط الدمار.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: عبير عبد الله الحقبي

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!