بحث جديد يكشف أنّ للفيروسات أعينًا وآذانًا تراقبنا

بحث جديد يكشف أنّ للفيروسات أعينًا وآذانًا تراقبنا

19 أكتوبر , 2022

ترجم بواسطة:

سحر سنجاب

دقق بواسطة:

زينب محمد

 إنّ قدرة بعض الفيروسات المنتشرة حاليًا على مراقبة بيئتها، قد تؤدّي إلى تطوير أدوية مضادة للفيروسات.

يشير بحث جديد بقيادة (يو إم بي سي)، جامعة ماريلاند في مقاطعة بالتيمور، نُشر على موقع مجلّة Frontiers in Microbiology  أنّ الفيروسات تستغلّ المعلومات التي تحصل عليها من البيئة المحيطة بها “لتقّرر” متى تبقى ساكنة داخل مضيفها ومتى تتكاثر وتنفجر مُسبّبة قتل الخليّة المضيفة، ممّا سينعكس على تطوّر الأدوية المضادّة للفيروسات .

أوضح إيفان إيريل، أستاذ العلوم البيولوجية وكبير مؤلّفي المقالة الحديثة إنّ قدرة الفيروس على استشعار بيئته، بما في ذلك العناصر التي ينتجها مضيفه، تضفي جزءًا جديدًا من التّعقيد على العلاقة بين الفيروس ومضيفه، وحتّى الآن ما زالت الفيروسات تستغلّ هذه القدرة لمصلحتها، ويضيف إيريل أنّه في المستقبل قد نتمكّن من استغلال هذه القدرة للقضاء عليها.

ليست مجرّد مصادفة

ركّزت الدراسة الجديدة على آكلات البكتيريا، وهي نوع من الفيروسات التي تصيب البكتيريا وغالبًا ما يُطلق عليها “العاثيات” وفي هذه الدراسة نلاحظ أنّ العاثيات تصيب مضيفها إن كان للخلايا البكتيريّة ملحقات خاصّة تُدعى شعيرات وسياط فقط، والتي تساعد البكتيريا على الحركة والتزاوج؛ حيث إنّ هذا النوع من البكتيريا يُنتج بروتين يُدعى ( CtrA) يتحكّم بإنتاج تلك الزوائد.

يُظهر البحث الجديد أنّ العديد من العاثيات لها نمط معيّن في حمضها النووي يجعلها تعتمد على الزوائد للالتصاق ببروتين (CtrA) وتُدعى مواقع الربط. ويقول إريل إنّه أمر غريب لأن نجد مواقع ارتباط عند آكلات البكتيريا مع بروتين ينتجه مضيفها.

 كما اكتشف إريل أثناء التحليل الجيني المفصّل بالتعاون مع أوّل مؤلّفة للدراسة إيليا ماسكولو، وهي طالبة دكتوراه في مختبر إريل، أمرًا أكثر إثارةً للدهشة ألا وهو أنّ مواقع الارتباط لم تكن فريدة من نوعها لعاثيات من نوع واحد ولا حتّى مجموعة معيّنة بذاتها. وتمتلك العديد من أنواع العاثيات مواقع ارتباط مع بروتين (CtrA) ولكن لابدّ من وجود سياط أو شعيرات على الأقلّ عند المضيف لتصيبه العدوى.

ليست مصادفة، حتمًا هم صناع القرار

أفاد إريل بإنّ القدرة على مراقبة مستويات بروتين (CtrA) ابتكرتها العاثيات عدّة مرّات عبر الزمن خلال عمليّة التطوّر وذلك عند إصابة عدّة أنواع منها لأنواع مختلفة من البكتيريا، ولأنّ الأنواع ذات الصلة البعيدة أظهرت سمات متماثلة فهذا دليل أنّ تلك السمة مفيدة بالتأكيد وتُدعى التطوّر المتقارب.

السر في التوقيت

 تفاصيل جديدة في القصّة: أوّل نوع من العاثيات التي وجد فيها فريق الأبحاث مواقع ارتباط مع بروتين (CtrA) كانت تصيب نوع معين من البكتيريا يُسمّى (Caulobacterales) وهي مجموعة من البكتيريا المدروسة بعناية لأنها موجودة على شكلين: شكل “سرب” يسبح بحريّة، وشكل “ملتصق” يعلق على السطح، وتحتوي الأسراب على سياط وشعيرات على عكس الشكل الآخر.

في هذا النوع من البكتيريا يُنظّم بروتين (CtrA) دورة الخليّة أيضًا محددًا ما إن كانت الخليّة ستنقسم إلى خليّتين متساويتين من نفس النوع أو تنقسم بشكل غير متماثل لتعطي خلية تلتصق على السطح (ملتصقة) وأخرى تسبح بحريّة (سرب).

ونظرًا لقدرة العاثيات على إصابة الخلايا السرب فقط فمن مصلحتها أن تندفع خارج مضيفها في حال وجود العديد منها بوفرة؛ وبشكل عام تعيش (Caulobacterales) في بيئة فقيرة من ناحية الطعام، وهي بكتيريا واسعة الانتشار، ويوضح إريل ذلك قائلاً:” لكن عندما تجد موطنًا ملائمًا تصبح خلية سرب وتبدأ بالتكاثر”.

وفي نهاية الأمر، تُنتج عددًا كبيرًا من خلايا السرب، ولذلك يقول إريل: “نفترض أنّ العاثيات تراقب مستويات بروتين (CtrA) والتي ترتفع وتنخفض خلال دورة حياة الخلية البكتيرية لمعرفة متى ستتحوّل الخليّة السرب إلى خليّة ملتصقة وبذلك تصبح مصنعًا للخلية السرب وفي اللحظة المناسبة، تفجر العاثيات الخليّة الملتصقة وتبدأ بإصابة خلايا السرب لمعرفتها بوجود عدد وفير منها”.

الاستماع

لسوء الحظ، فإنّ إثبات هذه النظريّة يحتاج إلى عمل مخبري مكثّف وصعب جدًا، لذلك لم تكن جزءًا من الدراسة الأخيرة رغم أنّ إريل وزملاؤه يأملون إيجاد إجابة عن هذا السؤال قريبًا. ومع ذلك يعتقد فريق العلماء أنّه ما من تفسير آخر مقبول لوجود مواقع ارتباط مع بروتين (CtrA) على العديد من العاثيات والتي تحتاج وجود زوائد وسياط عند مضيفها لتصيبه بالعدوى، ولاحظوا أنّ الأكثر إثارةً للّدهشة هو الأثار المترتّبة على إصابة الفيروسات للكائنات الأخرى وخاصّةً الانسان.

ويضيف أيضًا: “لقد ثبت أنّ كلّ شيء نعرفه عن العاثيات وكلّ استراتيجيّة تطوريّة قامت بتحسينها تؤدّي إلى فيروسات تصيب الانسان والحيوان، إنها تكاد تكون موهبة لذلك إذا كانت العاثيات تراقب مضيفها، فإنّ الفيروسات التي تؤثّر على البشر تفعل ذات الأمر بالتأكيد.”

يوجد العديد من الأمثلة الموثّقة عن عاثيات تتحكّم في بيئتها بطرق مثيرة للاهتمام، ولكن لا شيء منها يتضمّن أنواعًا مختلفة من العاثيات التي تستخدم الاستراتيجيّة نفسها ضد عدة أنواع من البكتيريا المضيفة.

أفاد إريل قائلاً إنّ هذه الدراسة الحديثة هي أوّل دليل واسع النطاق يُظهر أنّ العاثيات تراقب ما يجري في الخليّة وفي هذه الحالة تستمع إلى تطوّر الخلية”، ويتوقع أنّنا سنجد المزيد من الأمثلة على مسار دراساتنا، أوشار إلى إنّ أعضاء مختبره قد بحثوا مسبقًا عن مستقبلات لجزيئات بكتيريّة في العاثيات واستطاعوا إيجادها.

طرق علاجيّة جديدة

صرّح إريل قائلاً: “إنّ الخلاصة التي حصلنا عليها من هذه الدراسة هي استخدام الفيروس انتل الخلوي لاتّخاذ القرارت، وبما أنّ هذه العمليّة تحصل عند إصابة البكتيريا، فمن المؤكّد أنهّا تحصل أيضًا في الحيوانات والنباتات لأنّها استراتيجيّة تطوريّة طبيعيّة ومنطقيّة”.

فعلى سبيل المثال، لتحسين استراتيجية الفيروس الحيواني للبقاء والتكاثر، قد يرغب في معرفة نوع الأنسجة التي أصابها، أو مدى قوّة استجابة المضيف المناعيّة. وفي حين أنّ التفكير بكمّ المعلومات التي تستطيع الفيروسات جمعها، واستخدامها لإصابتنا بالمرض يثير القلق، إلّا أنّ تلك الاكتشافات ستسهم أيضاً في فتح أفاق لعلاجات جديدة.

ويختم بقوله: “في حال طوّرنا مضادًا فيروسيًا وكنّا نعلم مسبقًا أنّ الفيروس يترقّب إشارة معينة، حينها قد نتمكّن من خداعه، ولكن مازال أمامنا عدّة خطوات في الوقت الحالي. لقد بدأنا للتوّ في إدراك مدى نشاط الفيروسات في رؤيتنا وكيف يراقبون ما يجري حولهم ويتّخذون القرارات بناءً على ذلك، إنّه لأمر رائع.”

المصدر: https://www.sciencedaily.com

ترجمة: سحر سنجاب

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!