4 أكتوبر , 2022
يعد عقل الإنسان عضو شديد الليونة، حيث يمكن لحجم هيكله أن يتغير حتى في مرحلة البلوغ، ويرتبط ذلك التغير بمدى الأشياء الجديدة التي نتعلمها أو نختبرها. أوضح بحث أُجري على الأمهات أن مرحلة الأمومة ترتبط بالمرونة العصبية المعَّززة في مخ النساء؛ إذ تعمل عقولهن على التكيف مع ظروفهن الجديدة بخصوص العناية بالمولود الجديد.
لطالما ارتبطت الأمومة بتغيرات في مناطق عديدة بالمخ، والتي صُنفت كأجزاء من “شبكة العناية الأبوية العصبية”؛ تلك الشبكة مسؤولة عن التعرف على احتياجات ومتطلبات الطفل الرضيع واتخاذ القرار المناسب بناءً عليها. ساهمت تلك الاكتشافات بخصوص التغيرات الحاصلة بمخ الأمهات في إجبار العلماء على طرح تساؤلات بخصوص ما يحدث من تغير في عقل الآباء.
ركزت دراسة جديدة نشرت بالمجلة العلمية سيريبرال كورتيكس “Cerebral Cortex” تحديدًا على هذا التساؤل. عُنونت هذه الدراسة بإسم: “الآباء (في أبوتهم الأولى) يظهرون تقلص طولي في حجم المادة الرمادية الموجودة بقشرة المخ: والدليل من عيّنتين عالميَّتين”، واستخدمت العالمة ماجدلينا مارتنيز جارسيا بمساعدة فريقها البحثي في هذه الدراسة التصوير بالرنين المغناطيسي لفحص التغيرات بالمخ لدى هؤلاء الآباء.
فحص العلماء بالدراسة أدمغة 20 شخص في أول تجربة أبوة لهم في مدينة برشونة بأسبانيا، وقاموا بذلك الفحص أول مرة قبل حمل زوجاتهم، ومرة أخرى بعد شهرين من ولادة أطفالهم. وفي نفس الوقت، فُحص 17 رجل بدون أبناء وليس لديهم أي نية أن يصبحوا آباء (يمثلون مجموعة تجريبية للمقارنة). بالإضافة لذلك، فحص العلماء مجموعة أخرى مكونة من 20 أب (للمرة الأولى) من سكان مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، وذلك رغبةً منهم في معرفة أي النتائج تحديدًا ستظل ثابتة بين الآباء من دول مختلفة.
أظهرت الدراسة نتيجة مفاجئة: لا يوجد أي اختلاف في حجم المادة الرمادية بقشرة المخ لدى المجموعتين المرصودتين من الرجال بدون أطفال، ومع ذلك رصُد تقلص ملحوظ في القشرة بنسبة 1% بعد الأبوة.
قام العلماء بتحليل ماهية تلك الشبكات العصبية بالمخ الخاضعة للتغير بعد الأبوة. تماثلت النتائج بالمجموعتين الأسبانية والأمريكية وأسفرت عن اثنين من الشبكات العصبية المتغيرة: الشبكة المرئية والشبكة التي يُطلق عليها “شبكة الوضع الافتراضي” أظهروا تقلص بحجم القشرة في هؤلاء الآباء.
ويأتي هنا السؤال عن دور تلك الشبكات في سياق الحديث عن الأبوة. أشار العلماء إلى أن “شبكة الوضع الافتراضي” من الممكن أن تكون ذات صلة بما يسمى بعملية “التعقيل” (على سبيل المثال: التفكر واستكشاف سلوك المولود الحديث ومحاولة ترجمة أفعاله). أما الشبكة المرئية فلها علاقة بالتعرف على الطفل.
بينما يرتبط عادةً تقلص حجم مناطق بالمخ بتلف وانتكاس عقلي: كمرض الخبل، يوضح العلماء بشكل كبير أن هذه التغيرات الملحوظة بالدراسة البحثية خاصتهم من غير المرجح أن تكون سلبية. ويضرب علماء الدراسة مثالاً على ذلك بأن مرحلة المراهقة كذلك ترتبط بنقصٍ مستمر في المشابك العصبية بالعقل، والتي تنعكس على التطور الشعوري والإدراكي للعقل. لذا فالتقلص بحجم العقل يُمكن أن يرتبط بالتحسن في وظائف العقل، وتحدث عملية مماثلة بالعقل أثناء مرحلة الأبوة؛ حيث تحدث تهيئة للشبكات المتعلقة بالعناية بالطفل.
بالوضع في الاعتبار ما سبق، تظهر الدراسة بوضوح أن الأبوة تُنشيء تغيرات بالعقل.
المصدر: https://www.psychologytoday.com
ترجمة: عبدالله يحيى عبدالمؤمن
مراجعة وتدقيق: زينب محمد
اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية
اترك تعليقاً