كيف يحكم الغضب بعض الأسر؟

كيف يحكم الغضب بعض الأسر؟

8 سبتمبر , 2022

ترجم بواسطة:

بلقيس الصالح

وكيف يعاني الجميع نتيجة لذلك؟

النقاط الرئيسية

  • تجد بعض العائلات نفسها مجبرة على توجيه حياتها المنزلية حول مشكلات غضب شخص واحد.
  • يطور كل فرد في هذه العائلات آليات للتكيف، ولكن قد لا يُعالج مصدر الألم أبدًا.
  • يمكن للنشأة في منزل مع والد غاضب أن تخلق مشاكل طويلة الأمد بما في ذلك النفور من الصراع، وعدم القدرة على معالجة المشاعر، والتوتر.

أبي سريع الغضب، والكل يعرف أن عدم إغضابه شرط أساسي للحفاظ على هدوء البيت. تذكر الأم أبنائها دائمًا بأن لا يضايقوا والدهم وتخفي كل ما قد يتسبب في انزعاجه كبطاقة تقويم دراسي سيء، أو خدش في السيارة، أو أية مشاكل مالية. كوِّن الأبناء مهارة عالية على قراءة مزاج الأب من خلال تفاصيل صغيرة كحدة صوته أو قوة انغلاق باب المنزل، فيتكورون على أنفسهم ويتصرفون بحذر شديد في حال استشعروا توتره.

يحدث الانفجار المحتوم ويلجأ الأبناء سريعًا لاستراتيجيات التكيف، فمنهم من ينغمس في صمت عميق، ومنهم من ينسحب إلى غرفته وينشغل بقراءة كتاب حتى تهدأ الأجواء، وآخر يطلق النكات في محاولة لتخفيف حدة التوتر. تلجأ الأم أيضًا لاستراتيجياتها الخاصة للتكيف بأن تحاول استرضاءه والتوسل إليه وتبسيط الأمور، أو بتصعيدها مالم تنجح كل تلك المحاولات.

بعد أن انفجر غاضبًا، يغادر الأب لقضاء بعض الوقت منفردًا بينما تطمئن الأم على أبناءها موضحة أنه يمر بوقت عصيب في العمل وأن عليهم ألا يقسوا عليه أكثر، فيردون بأنهم على ما يرام ومتفهمين للوضع. يعود الأب بابتسامته وروحه المرحة بعد أن يتحسن مزاجه فيشعر الجميع بالراحة، ولكن دائمًا ما يتكرر المشهد.

هكذا يبدو الحال في المنازل التي تتمحور حول غضب أحد الوالدين، وهو أمر طبيعي بالنسبة لهم.

ما الذي يحدث هنا؟

يحكم غضب الأب المنزل في مثل هذه الأسر، غضب مخيف، ومستمر، ولا يمكن التنبؤ به. يحاول الجميع التكيف فيجاهدوا لخلق بيئة هادئة تقلل من احتمالية حدوث الثورة القادمة ومن قوتها.

نلاحظ أن الجميع مسؤول عن مشاعر الأب وانفعالاته ما عدا الأب نفسه. يفترض بالأبناء أن يكونوا منضبطين بينما يغضب الأب كما يشاء، وفي هذه الأثناء تحاول الأم حمايتهم من تقلبات مزاجه بتعليمهم طرقًا يتجنبون بها إغضابه، ويصب كل هذا في تعزيز فكرة أن غضبه مسؤوليتهم.

طور كل أفراد الأسرة مهارات للتكيف، فإما أن ينغلقوا على أنفسهم أو يتمردوا في محاولة لإدارة الموقف، وتظل المشكلة الرئيسية قائمة.

ليس أي من ذلك سهلاً، قد يصدف أن يكون صاحب المزاج الأكثر تقلبًا في الأسرة هو ذاته عائلها، مما يجعل الأمان المالي للبقية تحت رحمة حالته المزاجية، وقد لا يأمنوا حتى على سلامتهم الجسدية في حال استمر غضبه في التصعد.

لا يطرح أحد أيًا من الأسئلة التالية نتيجة لما سبق:

– لمَ يُسمح لأبي بأن يستمر بالتصرف بهذه الطريقة؟

– أين هي تحمل المسؤولية في هذه الحالة؟

– لمَ لا يتعلم أبي استراتيجيات تكيف صحية؟

– كيف سيبدو الحال لو تعلم أبي كيف يوجه غضبه بطرق أكثر صحية؟

– كيف سيبدو الحال لو حرص الأبوين على إخبار أبنائهم بأنهم ليسوا مسؤولين عن مشاعر الكبار؟

– ماذا لو بدأت أمي بوضع حواجز مع أبي (باعتبار أنها تشعر بالأمان لفعل ذلك)؟

قد تعمل الأسرة بكل جد واجتهاد على المستوى الشخصي والجماعي، ولكن لا جدوى من ذلك مالم يقرر الأب تحمل المسؤولية وتغيير سلوكه.

ما الأثر الذي يخلفه النشوء في مثل هذه البيئات على المدى البعيد؟

سمعت الكثير من القصص المشابهة على ألسنة أبناء راشدين في جلسات علاجية. ما الذي يحدث لراشدين نشأوا في منازل يحكمها غضب شخص غير مستقر؟

يصف بعض الناس عدم قدرتهم على التعبير عن عدم رضاهم لأن البكاء والحزن يضايق الأب متقلب المزاج. لم يتعلموا قط كيف يبدو الغضب الصحي ولا كيفية السيطرة عليه، فالغضب هو العدو بالنسبة لهم. قد يؤدي ذلك إلى تجنب شديد للخلافات مما يضر بمقدرتهم على تكوين علاقات صحية تنطوي حتمًا على بعض الخلافات.

يجد هؤلاء الناس أنفسهم شديدي الحساسية لمشاعر الآخرين بينما يتجاهلون تجاربهم الشخصية، خالقين بذلك عالمًا يجاهدون فيه لتلبية حاجات الآخرين بينما يعاملون حاجاتهم الأساسية كرفاهية زائدة عن الحاجة.

يصعب عليهم كذلك وضع الحدود لأنهم تعلموا صغارًا أن من واجبهم مراعاة الآخرين دون وضع أي اعتبار لأنفسهم. ينخرط بعضهم في علاقات يعانون فيها من نفس التجاهل والتعنيف فتلك الصفات الناتجة عن الغضب لا تمثل أي نذير خطر، بل على العكس قد تبدو شبيهة بما اعتادوا عليه في نشأتهم.

كثيرًا ما يقلل هؤلاء الأبناء من شأن هذا التأثير قائلين “لم يكن الأمر بالغ السوء” أو “لم يضربني والدي قط، كان يغضب بشدة فقط”، لكن كما نرى فإن بيئات كهذه تُخلف ندبًا دائمة. يصبح البيت مصدرًا دائمًا للتوتر على المدى القريب، أما على المدى البعيد فإن صدى آثار ذلك الغضب يتردد عبر الأجيال مخلفًا اضطرابات دائمة لمن تجرّع ألمه.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: بلقيس الصالح

تويتر: @sol_o_bella

مراجعة وتدقيق: د. فاتن ضاوي المحنّا

تويتر: @F_D_Almutiri


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!